كتب :الدكتور سفاح الصبح
المُجبّر العبقري الحاج سليم بني نصر ( ١٨٧٨-١٩٧٦م)
في بدايات القرن الماضي ظهر في مدينة كفرنجة طبيب عظام كبير لم يحتج إلى شهادة أو شاهد ليثبت نبوغه في معالجة كسور العظام بشتّى أنواعها و أشكالها بل ذهب إلى تأسيس مدرسة طبية شعبية في مجال طب العظام يخّرج فيها طلابا استمرّ عطاؤهم عقودا من الزمان كان على رأسهم تليمذه الكبير المجبّر حسين السلامة الجبالي الذي ذاع صيته في المنطقة و قد كان لي معه لقاء خاص قبل سنوات ذكر لي فيه بأنه كان أحد تلاميذ المجبّر الحاج سليم بني نصر و منه أخذ علم التجبير و أضاف الجبالي : لقد جبّرت المجبّر قاصدا معلّمه الذي أصيب بكسر في آخر حياته الميمونة
و حسبي أن أورد قصة شاهدة على أعقد حالة تجبير نفذّها في عصره حيث جيء إليه بامراة أصيبت بكسر في حوضها و عندها حار الحاج سليم في أمر علاجها و هو المعروف بحيائه و عفّته و لكنّ حبّه لعلاج الحالة و اقتداره العقلي لم يمنعه من إيجاد الحل الذي يرضيه في زمن بلا معدّات و لا قدرات ،، فما كان منه إلا أن طلب منهم أن يأتوا له بالمصابة بعد يومين و أثناء ذلك قام إلى دابة له بإطعامها طعاما مالحا مدة يومين دون أن يسقيها حتى أوشكت على الهلاك من العطش و عندها استدعى المصابة و طلب من ذويها أن يحملوها على ظهر الدابة مع ربط رجليها أسفلا معا ،، و حينها جاؤوا بالماء للدابة كي تشربه و إذ ببطنها ينتفخ كثيرا من شدة التعطيش و مع هذا الفعل عادت عظام الحوض إلى مكانها من غير أن يلمس رحمه الله تعالى المصابة ،، و على إثر ذلك قام الحاج سليم بتأسيس قسم نسائي لعلاج النساء و تدريبه و أعني هنا قيامه بتعليم ابنته فن التجبير على ما وصل للذاكرة من أخبار
أحببت تسليط الضوء على قامة وطنية إنسانية قدّمت كثيرا و عالجت ما يزيد عن نصف قرن دون أن يتلقّى صاحبها قرشا واحدا أو ثمنا ما لقاء عمله في علاج كسور العظام طيلة حياته
و هنا أهيب بوزارة الثقافة – بعد أن تفرغ من احتفالها بدخول المنسف الأردني لليونسكو – و المجالس البلدية و الباحثين المهتمين بإعادة رصد النماذج الإنسانية الوطنية التي عاصرت تأسيس الدولة و التي قدّمت للحياة شيئا مهما و أسهمت في رفعة الإنسان و العمل على توثيقها في شتّى المجالات الإبداعية وفاء لأصحابها و تقديرا لعطائها و واجبا تجاهها ●