شحادة أبو بقر
الحديث عن عيد الجلوس الملكي بالتزامن مع ذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش , لا بد وأن يكون حديثا راقيا في الفكر والتفكير والتقرير والإقرار , حيث التاريخ الذي لا يرحم زيفا فيه !, والجغرافيا التي لا تقبل النقض !, وحيث أمانة الكلمة وشرفها اللذان يجب أن يصانا تماما من موجبات التأثر بأي هوى خاص ! .
وعليه , ومن باب التذكير مثلا , فعندما زار الشريف الحسين بن علي الراقد اليوم بجوار الأقصى المبارك , في مطلع عشرينيات القرن الماضي إمارة شرق الأردن آنذاك , بايعه أهل الأردن “خليفة للمسلمين “, ولعلي أملك نسخة من وثيقة شهيرة معروفة بهذا النص موقعة من شيوخ عشائر السلط والبلقاء عامة لدى محكمة السلط الشرعية, شأنهم شأن أهل الأردن كافة , ولي الشرف بأن والدي رحمه الله كان أحد أولئك الأخيار الذين بايعوا الشريف بالخلافة بإسم عشيرة ” البقور” كافة .
كل منصف محايد يعرف أن غدر الحلفاء عاند هذا الحلم العربي الإسلامي الكبير, وإنتهز تباين موازين القوة العسكرية بين ثورة سلاحها الخيل والبنادق, ودول كبرى سلاحها طائرات ومدافع ودبابات , وفرض التقسيم والهيمنة والإنتداب غدرا وخذلانا للثورة , وذهب وبالتعاون مع طلاب ” الكراسي ” وحسب , من حكام العرب , إلى إقصاء الحكم الهاشمي من سورية , فالعراق لاحقا .
في المقابل , وتجسيدا لأمانة الإيمان بالله الواحد الأحد , وإحتراما للتاريخ العربي الإسلامي وصانعه الأول بوحي من الله سبحانه , محمد صلى الله عليه وسلم , وتعلقا بأمل قيام الدولة العربية الإسلامية الكبرى بريادة آل البيت الأخيار , إفتدى الأردنيون الهاشميين بالأرواح حقا لا رياء , وبادلهم الهاشميون الوفاء بالوفاء , فقامت المملكة الأردنية الهاشمية التي إتحدت لاحقا مع ما نجا من فلسطين ” الضفة الغربية ” وبإرادة الشعبين الشقيقين , وهي إرادة وحدوية لم يعرف التاريخ العربي الحديث لها مثيلا,ومع ذلك, فقد عاندها الحكام العرب في زمن كانت سائر شعوبهم فيه , تتوق لوحدة عربية شاملة ! , وإعترفت بها دولتان فقط , هما باكستان وبريطانيا ! .
سقت السرد أعلاه لأقول أن العلاقة بين الهاشميين والأردنيين هي علاقة ” تآلف ” وطني قومي ديني, لا علاقة تحالف بالمفهوم السياسي للتحالف القابل للتفكك . فالأردنيون ومن كل المشارب أنصارا ومهاجرين , يرون في العشيرة الهاشمية , عشيرة محمد صلى الله عليه وسلم , والتي قال الله سبحانه فيها , “وأنذر عشيرتك الأقربين ” . والأردنيون يقرؤون خصوصية ” الإصطفاء ” في العشيرة الهاشمية, وفقا للحديث الشريف على لسان من لا ينطق عن هوى وإنما هو وحي يوحى . وعلى هذا الأساس المكين نشأت ونمت وتوطدت العلاقة الإنسانية السامية فوق كل علاقة , بين الهاشميين والأردنيين عبر التاريخ الممتد لمائة عام حتى الآن .
وعليه أيضا , فالملك الهاشمي في عرف الأردنيين, هو حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم , والجيش الأردني هو الجيش العربي المصطفوي , والثورة العربية الكبرى هي نهضة كل العرب , لإسترداد الريادة العربية الإسلامية .
وفق هذه المرتكزات الذهنية لسائر الأردنيين , وبمعزل تام عن مفاهيم السياسة المجردة وشجونها وشؤونها , يبرز جلالة الملك عبدالله الثاني , بإعتباره الحفيد الرابع والأربعين للرسول الكريم , ومن هنا , فهو جدير بالدعم والنصح وخالص التقدير والثناء والإحترام .
تلك حقيقة وجب أن يدركها كل مشتغل بالسياسة والإدارة والمناصب والنفوذ على صعيد الوطن الأردني كله, مسؤولين ومواطنين على حد سواء , ففي إدراكها حق الإدراك , نجاة وسلامة ومنعة هذا الوطن , وفي إغفالها النقيض تماما لا قدر الله ! ! .
من شيم الهاشميين الكرام , الصبر , والتسامح , والصفح , وطيب المعشر , ومقت النفاق وسوء الأخلاق , إمتثالا “جينيا ” إن جاز التعبير , لقوله تعالى مخاطبا جدهم الأعظم صلوات الله وسلامه عليه “ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله , وكفى بالله وكيلا”.
تلك شيم يحبها الله ورسوله في عباده كافة , فهي شيم تعزز الألفة والتآلف بين الناس في كل زمان ومكان , مهما بلغ التحدي والصعب والخطب مبلغه , وكل حكيم يسعى حثيثا لتجسيدها قولا وعملا معا , كي يحصن الذات والمجموع والمكان والزمان ضد العاديات , عملا بقوله تعالى ” فبما رحمة من الله لنت لهم , ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك , فاعف عنهم, وإستغفر لهم, وشاورهم في الأمر , فإذا عزمت فتوكل على الله, إن الله يحب المتوكلين ” .
اليوم , ووسط ظروف إقليمية ودولية ضاغطة , يحتفل بلدنا الحبيب بعيد جلوس جلالة الملك عبدالله الثاني على عرش المملكة , وبيوم الجيش وذكرى الثورة العربية الكبرى , ولسان حال كل مواطن فيه , يسأل الله أن يكون معنا ومع بلدنا ومليكنا في مجابهة تلك المصاعب والتحديات على جسامتها , وأن يجمع شملنا ويوحد صفنا ويرفع عن كاهلنا كل أذى بإذنه تعالى, وأن يعيننا على تحقيق المزيد من التطور والإنجاز بقيادة جلالته وعلى كل صعيد .
مباركة إحتفالات الأردن , ومبارك عيد الجلوس الملكي ويوم الجيش وذكرى الثورة , والبركة حليفتنا جميعا بعون الله متى كنا على قلب رجل واحد, نسمو في فكرنا وتفكيرنا فوق كل ما لا يرضي الله جل في علاه, ورسوله صلى الله عليه وسلم , وعندها لن يقف في طريقنا صعب مهما كان . الله سبحانه وتعالى من وراء القصد .