اسكدنيا راجب..
كتب : الكاتب الصحفي رمزي الغزوي
ما زلتُ من الذين يقعون في عشق كوكب الزهرة (نجمة الصبح، أو نجمة المساء)، ليس لأنها ألمع جرم سماوي بعد الشمس والقمر، ولا لأنها شامة وعلامة للعشاق الذين يترقبون طلة الحبيب، ويطلعون النهار سهراً بانتظاره، بل لأنها كوكب مختلف كل الاختلاف. يزهر قبل الجميع في صفحة السماء. وهو آخر من يغادر إلى الخفاء قبل أن يدهمنا قرص الشمس في الصباح.
كم أنا محظوظ يا قلبي المجنون!، لي نجمة صبح أخرى حطت أرضاً، أحب اختلافها عن باقي الشجر، أحبها إذ تطرح نوارها الأبيض الجميل، بعد أن يطوي الخريف ورقه الأصفر متحفزاً لرحيل في رياح الشتاء.
هي (الأسكدنيا)، سيدة الاختلاف الراقي، وسيدة المذاقات المتعددة، وسيدة البهجة. هي الأسكدنيا، مجنونتي التي عاندت برد الشتاء وعصي المطر وندف الثلج ونجت بثمارها. هي دنيانا القديمة الجديدة التي تتجدد بثمرها الشهي قبل كل فواكه الربيع.
سنختلف في تسميتك:(أبو صاع) في تونس، والبشملة في مصر أم الدنيا، وأنت المشمش الهندي، والأكدنيا والأسكدنيا عندنا. وسنتفق بلسان واحد، أنك مثل الموسيقى، التي لا تؤخذ إلا بالعين المغمضة. (هل جربتم تعاطي الموسيقى بهذه الطريقة؟!)، يااااااه، فلنصغ للكنة نكهتك البعيدة القريبة. كأني أحسُّ بصلة قربى بينك وبين التفاح. أهذا صحيح؟؟!. هل أنتما من العائلة الوردية. قولي، فلا شيء يخفى على ذاكرة المذاق يا سيدتي.
يعجبني أنهم يسمونك الأسدنيا (الدنيا القديمة باللغة التركية)، فهذه تسمية ذكية عبقرية، لأنك تزهرين في تشارين وتثمرين مع أول الربيع، الذي يجدد الحياة. وحين تأخذنا الذاكرة القصيرة إلى خريف مضى، نتذكر نوارك الجريء الذي تفتح بعدما سبتت الطبيعة للخمول. كم أنت عظيمة، أيتها الحياة القديمة المتجددة. فتجددي، وجددينا.
في بلدة راجب (غرب عجلون) العريقة الضاربة جذراً في التاريخ اقيم أول أمس مهرجان الاسكدنيا الأول. وهو اختيار ناجح لوزارة الزراعة مديرية زراعة عجلون والمركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي فرع نقابة المهندسين الزراعيين وجمعية البيئة الاردنية فراجب البلدة الوادعة التي تربض على أكتاف الغور، تشدك فيها بساتين الأسدكنيا العامرة بذهبها الآيل للنضوج، والمقدرة بما لا يقل عن 1500 دونم.
أرجو أن يمتن أهل البلدة ويدعموا؛ لتكون هذه السلعة مصدراً وفيراً من العملة الصعبة يدر على البلد، وأن يتم التعاطي مع شجرة الاسكدنيا بطريقة منظمة مدروسة، كونها تثمر في راجب، قبل أي مكان تزرع فيه. ثم لماذا لا نتوسع بزراعتها في مناطق أخرى؛ كونها لا تحتاج لكثير من الماء، بدل إصرارنا على مزروعات رخيصة تشفط كثيراً من مائنا الشحيح. وكل عام وأنتم أسكدنيا.