في أحد محال الملابس في العاصمة الأردنية عمان يجلس يوسف أبو عمارة بجانب ابنه يزن أمام جهاز الكمبيوتر، يراقبه وهو ينشئ صفحة خاصة للمحل على موقعي التواصل الاجتماعي، فيسبوك وإنستجرام، للبدء بالبيع الإلكتروني للزبائن، في الوقت الذي أصبح فيه البيع المباشر تقليديا.
ويقول أبو عمارة (58 عاما)، الذي ورث محل الملابس من والده، إنه “يجب اللحاق بالموجة وإلا لن نستطيع الاستمرار بمهنتنا ببيع الملابس وسط التغير العالمي والتوجه للتجارة الالكترونية”، وفقا لتقرير لوكالة رويترز.
ويشير إلى أنه منذ أكثر من خمس سنوات زادت التجارة الإلكترونية في الأردن وأصبحت تؤثر سلبا وبشكل تدريجي على البيع المباشر في المحلات، ولكن خلال جائحة كورونا وما بعدها تحديدا أصبحت التجارة الإلكترونية “تتسيد الموقف”.
زاد مجموع حجم طرود التجارة الإلكترونية من خلال الشركات المشغلة في الأردن في العام الماضي 41 بالمئة إلى 909.3 مليون طرد مقارنة مع 641.8 مليون في العام السابق، بحسب مؤشرات قطاع البريد الصادرة عن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات.
في حين بلغ حجم طرود التجارة الإلكترونية حتى نهاية النصف الأول من العام الحالي أكثر من 449 مليون طرد.
يقول أبو عمارة إن “التغيير أمر لا بد منه، ولا ينفع الاعتراض على ما يحدث، لذلك اتفقت مع إحدى شركات التوصيل في البلد لتوصيل الطرود للزبائن”.
يبلغ عدد مشغلي الخدمات البريدية في المملكة 209 مشغلين، واحد منهم مشغل حكومي وهو البريد الأردني والباقي من القطاع الخاص.
فيما يتوزع مشغلي البريد الخاص بين 10 مشغلين للبريد الدولي و198 مشغلا محليا، بحسب هيئة تنظيم قطاع الاتصالات.
من جانبها تؤكد روعة سلامة (30 عاما) على أنها أصبحت تشتري غالبية مستلزماتها من المتاجر الإلكترونية، لأنها أرخص وتوفر البدائل من مختلف الماركات.
وتبين روعة سلامة، الموظفة في القطاع الخاص، أنه بالنسبة لها فإن التسوق الإلكتروني قبل نحو ثلاث سنوات كان أصعب، معلقة “كنت أخاف من استخدام بطاقتي الائتمانية وكنت أقلق أيضا من موضوع المقاس والجودة ألا يكونا كما هو معروض”.
وتضيف أنه في الوقت الراهن أصبحت الحماية أكبر من ناحية الدفع الإلكتروني إلى جانب أنها أصبحت أكثر خبرة في المتاجر الإلكترونية الأفضل والأكثر ضمانة للتسوق. وتبين أنها أنشأت محفظة إلكترونية لها بطاقة ائتمانية خاصة تقوم من خلالها بالتسوق سواء من مواقع تسوق عالمية أو صفحات محلية.
بحسب تقرير شركة جوباك التابعة للبنك المركزي الأردني فقد ارتفعت قيمة حركات نظام الدفع بواسطة الهاتف المحمول في نهاية الربع الثالث من العام الحالي بنسبة 31.6 بالمئة لتبلغ 379 مليون دينار مقارنة مع 288 مليونا في الربع السابق.
وزاد عدد المستخدمين لتطبيقات الدفع عبر الهاتف في الربع الثالث من العام الحالي بنسبة 33.2 بالمئة، لينضم 449 ألف مستخدم جديد، مقارنة مع 337 ألف مستخدم في الربع السابق، وليصبح العدد الإجمالي للمستخدمين 1.9 مليون.
بدوره يقول سلطان علان نقيب تجار الألبسة والأحذية والأقمشة الأردنية إن 85 بالمئة من الطرود البريدية الواردة إلى المملكة هي عبارة عن ألبسة وأحذية، ما يؤكد تأثير ذلك على المستوردين والتجار التقليديين العاملين بالقطاع.
ويضيف علان، أن التجارة الإلكترونية “تزداد تغولا على تجارتنا التقليدية”، مبينا أن الخلل الحاصل في تجارة قطاع الألبسة والأحذية وما تعانيه منذ سنوات من حالة تراجع وانكماش بالنشاط وضعف الأسواق وانحسار الطلب إلى مستويات عالية، يعود في الأساس إلى تغول الطرود البريدية على التجارة التقليدية.
ويرى أن غياب الرقابة على البضائع المستوردة، وعزوف العلامات التجارية العالمية عن التوسع والاستثمار بالأردن أدى إلى تقليد الكثير من الماركات التي تمر عبر الطرود البريدية دون رقابة.
ويقول إنه يجب “من باب تحقيق العدالة أن تكون هناك مساواة في الرسوم والضرائب التي يدفعها الجميع سواء كانت البضائع مستوردة عبر الطرود البريدية أو من خلال التجار، إضافة للمساواة بين الطرفين بالرقابة، كونها حقا للمستهلك والمواطن”.
ويرى علان أن الشركات الأجنبية العاملة خارج المملكة هي المستفيد الأول من التجارة التي تجري عبر الطرود البريدية، على حساب الشركات المحلية والوكالات العالمية التي تدفع رسوما وضرائب على مستورداتها من البضائع وتكاليف تشغيلية كأجور المحلات ورواتب الموظفين وغيرها.
تعد الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي ودول جنوب شرق آسيا، ولا سيما الصين، أكثر دول يتم شراء منتجات وبضائع منها عبر الانترنت.
وخفضت دائرة الجمارك العامة الأردنية قبل عامين، الرسوم الجمركية على الطرود البريدية المعدة للاستخدام الشخصي والتي لا تزيد قيمتها عن 200 دينار (282 دولارا) لتصبح رسما موحدا بنسبة 10 بالمئة من القيمة وبحد أدنى خمسة دنانير.
من جانبها تقول جمعية حماية المستهلك الأردنية إنه بالنسبة لمطالبة التجار بفرض رسوم أو جمارك على الطرود البريدية فقد قامت الحكومة قبل سنتين أو أكثر بفرض رسوم على هذه التجارة.
وتضيف الجمعية في إجابة على أسئلة رويترز إنه للآن لا يوجد قانون أو تعليمات تنظم عمل هذه التجارة لذلك طالبت الجمعية من الجهات المختصة بإصدار قانون أو تعليمات تنظم عمل هذا القطاع الذي أصبح رائجا عند شريحة كبيرة من المواطنين ولكن عدم وجود قانون يحميهم جعلهم عرضة لعمليات غش وتضليل خاصة ما يتم شراؤه من السوق المحلية.
وتوضح أن هناك “حق للمستهلك في الحصول على المعلومات الكافية عن السلعة التي يريد شراءها وكذلك حقه في الحصول على سلع سليمة خالية من العيوب، وهذا يلزم أصحاب القرار بضرورة الإسراع في إصدار قوانين تحميه من عمليات الغش الذي يتعرض لها”.
وتؤكد الجمعية أنها تلقت مئات الشكاوى وما زالت تتلقى يوميا شكاوى تتعلق بالتجارة الإلكترونية.