الأمير الحسن: حان الوقت للتفكير خارج الصندوق وتناول الأفكار والقضايا بعيدا عن التشويش والضوضاء
أدار الندوة السيــد يسين عزت إبراهيم
الأفكار والقضايا بعيدا عن التشويش والضوضاء في ظل حالة الزخم الثقافي التي تشهدها مؤسسة الأهرام، والتي بدأتها بعقد الملتقى الثقافي المصري اللبناني، وفي إطار حرص المؤسسة على استعادة دورها الريادي باعتبارها رافدا أصيلا من روافد الثقافة والمعرفة في عالمنا العربي، استقبلت الأهرام الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي على رأس وفد ضم عددا من مثقفي الأردن في ندوة ثقافية تحدث خلالها عن رؤيته للنظام العربي في ضوء مستقبل المنطقة ومستقبل النظام العربي، وكذلك دور المجتمع المدني في بناء جبهة ضد التطرف في المنطقة، بالإضافة إلى رؤيته في مسألة تجديد الخطاب الديني.
وافتتح الندوة عزت إبراهيم مدير تحرير الأهرام، بالنيابة عن الأستاذ محمد عبد الهادي علام رئيس التحرير، بكلمة رحب خلالها بضيف الأهرام الكبير والوفد المرافق له، معربا عن أمله في أن تكون تلك الندوة الثقافية استكمالا لسلسلة اللقاءات التي بدأتها الأهرام بالملتقى المصري اللبناني.
وأشاد السيد يسين مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام في كلمته التي افتتح بها الندوة ــ التي أدارها ــ بالأمير الحسن بأنه ليس مجرد رجل دولة ولكنه مفكر أصيل له قدرة فذة على التحليل الاستراتيجي وله رؤى استراتيجية محددة ولديه نزعة إنسانية عميقة، ويتجلى ذلك في اهتمامه منذ التسعينيات بقضية اللاجئين، وهو معروف لدى الدوائر الدولية بما لديه من تميز في الرؤى المستقبلية، وليس غريبا أن يستدعيه نادي روما للأبحاث ليكون رئيسا له وسبق في رئاسته مجموعة من كبار العلماء، للمشاركة في وضع سيناريوهات مستقبلية للعالم.
وقد حدد يسين محاور النقاش خلال الندوة بثلاثة هي:
– مستقبل المنطقة ومستقبل النظام العربي.
– دور المجتمع المدني في بناء جبهة ضد التطرف في المنطقة.
ــ تجديد الخطاب الديني.
خطاب الكراهية
أكد الأمير الحسن أنه لم يأت لإطلاق تصريحات أو اتخاذ مواقف وإنما هي رؤية بسيطة تجاه المحاور التي تناقشها الندوة، وشدد على ضرورة أن ننتقل من خطاب الكراهية إلى خطاب الرحمة، وأن ننتقل من إدارة التوحش إلى الإدارة الإنسانية، وكيف ننتقل من حديث الوقوف جبهة في وجه أمر ما، وتحدث الأمير عن وجوب تأسيس برلمان للثقافات وهي فكرة مستجدة من حيث استثمار العطاء الحقيقي للإنسان وجديرة بالاهتمام، وأوضح أننا نعيش حاليا عصر الغزاة والطغاة والغلاة والبغاة، وأشار إلى أنه خلال كلمته في الأزهر الشريف قال إننا في حاجة إلى تعريف الصالح العام، وإن المشتركات الإقليمية بطبيعة الحال هي التي توضح الصالح العام، ومنها مشتركات حيادية إذا اعتبرنا أن الثقافة حيادية، وإن كنت شخصيا ـ الأمير الحسن ـ لا أعتبر الثقافة مشتركا حياديا، بل بالعكس أقول إن الحملة على الهوية العربية والهوية الإسلامية معا هي جزء من العداء ليس فقط للإسلام ولكن للعروبة بما فيها من ثقافة مسيحية عربية، وربما يهودية إذا اتجهنا ناحية المغرب العربي.
المآلات المرتقبة
وحول المحور الأول من محاور الندوة مستقبل المنطقة ومستقبل النظام العربي أوضح الأمير الحسن بن طلال أننا بحاجة إلى وقت للتفكير خارج الصندوق، وأعتقد أننا نحتاج لإيقاع جديد لتناول الأفكار بعيدا عن التشويش والضوضاء، ودلل على ذلك بالمشهد الانتخابي الأمريكي وأنه حتى في كبريات الدول وعلى المستوى العالمي تناول الأحداث يجانبها الموضوعية وتحمل طابعا غير مألوف وغير مسبوق في هذه الحدة في التعامل، إلا أننا في منطقتنا العربية نعرف أن هناك مواقف محددة هي إما معي أو ضدي، وهو ما يمثل احتكارا للحقيقة، ونحن نتعامل معه بأسلوب المواربة، وعندما طرحنا في العام 1981 فكرة الدعوة للنظام الإنساني العالمي الجديد تناولنا موضوعات رئيسية هي الإنسان وأخوة الإنسان في مواجهة الحروب الريلات المتفرعة والمآلات المرتقبة للحروب.
توظيف الدين
وأوضح الأمير الحسن أن ما يجري الآن في الساحة العربية هو تجزئة وشرذمة للهوية العربية الإسلامية الإثنية الدينية الطائفية، ولا أحد يستطيع أن يدرك حقيقة ما يجري في سوريا من دون الاستناد إلى الخرائط المعقدة للصراعات، فنجد سوريا مقسمة إلى ملل ونحل، ونجد الإدارة في كل جيب من الجيوب إدارة ثنائية وثلاثية، فهناك زعيم الطائفة المقاتلة من جهة والميليشيات من جهة أخرى، بالإضافة إلى إدارة المصالح التي تمتد من تجارة المخدرات إلى تهريب البشر والسلاح وكلها توفر المادة المباشرة للتعامل مع احتياجات الإنسان بغية توظيفه لخدمة أغراض محددة، والذين يتم توظيفهم يكونون في سن مبكرة للقيام بأعمال انتحارية، وأرى أن النظام العربي لا يوجد فيه ما يمكن أن يقابل تلك الأفعال، فأي نظام عربي وإسلامي هذا الذي يفتقر لبنك إقليمي لإعادة البناء والتعمير بعد الحروب في البلاد التي تشهد صراعات، ونحن ننادي من ثلاثين عاما مضت بوجوب إقامة صندوق عالمي إنساني للزكاة والتكافل، فالزكاة ركن من أركان الدين الإسلامي، فلماذا لا يكون هناك إطار لعالمية وإنسانية العطاء بإقامة مؤسسة للزكاة من أجل المواطنة الحاضنة للاجئين.
واستشهد الأمير الحسن بأنه من المفارقات التي صادفته، أنه قد وقع عليه الاختيار في إحدى الفترات كي يكون مفوضا ساميا للاجئين، والمفاجأة كانت في معارضة دول إسلامية لكي لا يتبوأ هذا المنصب وتلك المسؤولية بالرغم من أن 80 % من لاجئي العالم من المسلمين، وأن 31 صراعا من أصل 32 صراعا إقليميا في العالم تدور على أرض إسلامية، ونشكو أننا أقلية في دول أخرى ونتجاهل مأساتنا في أن الدول ذات الأغلبية الإسلامية تشهد باستمرار اشتعال وتجدد اشتعال الحروب.
مؤسسة الأهرام ونقطة البدء
وتطرق الأمير الحسن إلى نقطة جوهرية يجب أن ينتبه إليها النظام العربي وهي كيف نبدأ التشبيك فيما بيننا أو التوحد والتواصل، وأوضح الأمير أن هناك رغبة لديه لتكون نقطة البدء مع مؤسسة الأهرام خاصة بعد استضافتها الملتقى الثقافي المصري اللبناني، وأشار إلى أنه قد آن الأوان في العالم العربي لأن نتجاوز مرحلة الزعامات والشخصنة والشعبنة لأن المساومات على مستقبل أمتنا كثيرة وهناك الكثير من الأطماع المحدقة بمنطقتنا.
وأوضح الحسن أن إيران قد قفزت فوق النظام العربي وتوغلت في دول إفريقيا من خلال تمددها هناك على حساب المصالح العربية، وأن المذهب الشيعي يتوسع في مناطق مختلفة من الحاضرة العربية والإسلامية، والشركات الإسرائيلية مقتحمة للمجالات التي تخدم تصنيع السلاح والتقنية المتقدمة، ولا ننسى أن الإدارة الأمريكية الحالية قبل أن تودعنا التزمت بتوقيع صفقة من السلاح التي تؤمن مستقبل التفوق العسكري الإسرائيلي، ويتساءل ماذا فعل النظام العربي في مواجهة تلك الأحداث من حوله؟
الكراهية تجتاح العالم
أما المحور الثاني المتعلق بدور المجتمع المدني في بناء جبهة ضد التطرف في المنطقة فقال الأمير الحسن إننا مقلون في تعريف فاعليات المجتمع المدني إزاء قضايا أمنية منها ما أصبح مقبولا لدى الدول وهي الأمن النووي وهناك اتجاه للتوسع فيه من دول مثل مصر وتركيا والسعودية، وحتى الأردن أصبح موضوع الطاقة النووية مدرجا كأولوية، لقد أصبحنا جزءا من هذا المختبر الكبير للأسلحة والتوحش بكل أشكاله، واتساع موجة الكراهية التي تجتاح العالم ومنه العالم العربي، ونتحدث عن مجتمع مدني فأي مجتمع مدني يمكنه التعبير عن تلك المسألة؟ تجاوز الطائفية وأصبح قضية حياتية أن نكون أو لا نكون، فمثلا منطقة مثل منطقة البحر الأحمر هل يوجد مجتمع مدني في تلك المنطقة، وأشار إلى أن منتدى الفكر العربي دعا إلى نظام اجتماعي عربي واستقينا الحقيقة من 2000 شاب عربي من مختلف الدول، وتساءل عن إمكانية بناء فهم مشترك حول القضايا التي تشغلنا حول الشكل المقبول للمجتمع المدني، وهل لنا أن نفكر في مبادرة سلمية للمجتمع المدني.
وفيما يتعلق بالمحور الثالث وهو تجديد الخطاب الديني، أوضح الأمير الحسن بن طلال أننا نفتقد في عالمنا للحوار خاصة الحوار الثقافي، ودعا إلى أن يكون الحوار المصري اللبناني بداية لحوارات أخرى نفتقدها بشدة، وقال ليكن هناك حوار مصري لبناني سوري فلسطيني أردني بين النخب المثقفة، كما دعا إلى بناء أسس مدنية استشرافية للمستقبل معتمدة على مراجعة المناهج، والإعلام ووضوحه، وعلى قواعد المعلومات والمعلوماتية والمعرفة.
السيد يسين: الأهرام لديها طموح لتأسيس برلمان ثقافي عربي
سمو الأمير الحسن اقترح برلمانا ثقافيا، ونحن لدينا طموح في الأهرام أن نؤسس برلمانا ثقافيا عربيا، لأن النخبة الثقافية العربية يجب أن تتجدد، وأن تكتسب رؤية عصرية لما يحدث في العالم ،هناك مشكلة كبرى في العالم، نسميها حقبة الاضطراب العالمي، ومعرفة أبعاد هذه الحقبة بالغة الأهمية، ومن هنا يمكن القول إن مستقبل المنطقة يحكمه صراع القوى العظمى، وهناك جرائم حرب ارتكبت ضد الشعوب العربية بدوافع متعددة، ومن هنا يجب معرفة أسباب الصراع الدولي في هذه اللحظة، أما مستقبل النظام العربي فيجب أن نلتفت إلى ظاهرة انهيار الدولة الوطنية العربية. ليبيا واليمن وسوريا انهارت، وعندنا مشكلة قادمة ، هل نستطيع بناء هذه الدول من جديد أم لا، وهناك توحش في المنطقة والعالم، كيف نخرج من ذلك ونعيد بناء الدول ونحافظ على الدول التي لم تسقط بعد، وهناك انفصال حقيقي بين أجيال الشباب والنظم السياسية العربية بدون استثناء ومن هنا كان اقتراحنا ضرورة التواصل مع الشباب مهما كانت اتجاهاتهم ويبقى التطرف وتجديد الخطاب الديني وهما موضوعان بالغا الأهمية ـ وفيهما مشكلات وألغام متفجرة لا حدود لها.
نبيل عبدالفتاح: مستقبل المنطقة يخضع للتدخلات الخارجية.. وتمدد تركيا وإيران يشعل الصراع الديني
مستقبل المنطقة والنظام العربي بات خاضعا للأسف الشديد ليس فقط لتدخلات الدول الكبرى وإنما لأن بذور التفكك موجودة داخل البنية الداخلية، وكأننا نعود الآن بعد انهيار الدولة الوطنية في أكثر من بلد عربي إلى ما قبل نشوء الدولة الوطنية كما تشكلت في أوروبا فقد برزت الحرب الدينية، وأستطيع أن أقول إنها حرب داخل الإسلام ، وحرب من خارج الإسلام، الحرب داخل الإسلام من خلال صراع المؤسسات الدينية العربية مع بعضها البعض، وصراع المذهبية المسيسة ودور بعض الدول والفواعل الدينية في المنطقة في إشعال أوار الصراع الديني ـ الديني والديني المذهبي، في حين أن بعض المجتمعات العربية ـ على سبيل المثال ـ ومنها الأردن ومصر تشهد حالة من حالات التعايش إلى حد ما، نظرا لوجود تقاليد للتعايش الديني بين مكونات المجتمع في البلدين، نحن على سبيل المثال في الثقافة الدينية المصرية والدين الشعبي لم نشهد كثيرا صراعات على أساس مذهبي، لا في داخل الإسلام ولا في داخل المسيحية المصرية، فإذن هذا السمت من التعايش التاريخي الذي تم أعتقد أنه يتعرض الآن للصراعات المذهبية ـ المذهبية داخل الإسلام، وهي صراعات ليست في الفقه فقط، ولكن الفقه يبرر ويسوغ إطلاق النار، وتمددات دول الإقليم كإيران على سبيل المثال. ومن ناحية أخرى تركيا ، البلدان على سبيل المثال اللذان يجاوران العالم العربي يحاولان التمدد تمددا كبيرا داخل بنية المجتمعات والدول العربية، والبعض في الإقليم يساعدهما، وهذا يشكل في حقيقة الأمر أحد العوامل التي تؤدي إلى إشعال السوق الدينية في العالم العربي.
أمينة شفيق: تجديد الخطاب الديني
يركز على النصوص ..والفكر على البشر
أود التأكيد على نقطة أساسية وهي أن تجديد الخطاب الديني يركز على النصوص أما تجديد الفكر الديني فيركز على البشر، وهناك خلاف في مصر غير خاف بين الأزهريين الذين يظنون أنهم أصحاب التغيير ولا أحد سواهم، وبين مثقفين آخرين يفهمون الدين ونصوصه ويريدون أن يشاركوهم في التغيير، وهذا الأمر جزء من الصراع الديمقراطي الموجود بالمنطقة وفي مصر، وأنا كمصرية من حقي أن أشارك في تجديد الخطاب الديني، لأنه ليس حكراً على الأزهريين أو المشايخ، وأنا أختلف مع سمو الأمير في قضية الزكاة، أنا من مدرسة العدالة الاجتماعية، والمجتمع العربي بمثقفيه وقادته السياسيين لم ينجح في استكمال بناء الدولة المدنية الحديثة، ومن هنا كان الخلل، وعلينا أن نناضل في سبيل بناء الدولة الديمقراطية الوطنية المدنية الحديثة في ظل الظروف الموجودة حاليا، وهي ظروف صعبة للغاية.
فاروق جويدة: الواقع العربي مؤلم..
والأسرة العربية منقسمة على نفسها
أحيي سمو الأمير الحسن كمثقف عربي مهتم بقضايا وطنه وأمته، كما أقدر دورك عبر تاريخك الطويل ومساهماتك الفكرية من أجل إنسان عربي أكثر وعيا وترفعا، الواقع العربي أكثر من مؤلم، والتفاؤل أصبح مهمة صعبة جدا.. تكلم الأمير الحسن عن التوحش الغربي فماذا عن التوحش العربي،، أين ثروة العالم العربي . أراك تتحدث بمنطق ومفهوم إنساني أقدره كثيرا، لكن عن أي إنسانية نتحدث، عما يجري في سوريا أم ليبيا ، أين يقف العالم العربي الآن وسط العالم يحسب على من؟ هل يحسب على الدول المتقدمة المتطورة الديمقراطية؟ أم يحسب على أقليات ينهي بعضها بعضا، نحن نعيش الآن زمن الأقليات العربية، تتحدثون عن دولة مدنية، تحدثوا أولا عن أقليات عربية، كل إنسان عربي الآن في بيته يشعر بالغربة كفرد وأسرة ، الأسرة العربية اليوم انقسمت على نفسها ما بين إخواني وسلفي ووطني وتقدمي وتأخري، حتى النخبة المثقفة وقعت في فخ الانقسامات. العالم العربي الآن يحتاج إلى لملمة هذه الشظايا، كل الدول العربية تشهد اليوم انقسامات، على مستوى الشعوب والواقع الاجتماعي كله .
دكتور أنور مغيث: مستقبلنا لن يتحقق
إلا إذا اقترن بتحقيق الكرامة الإنسانية
في حديث سمو الأمير الحسن استشراف لآفاق المستقبل، وقد أكد أن مستقبلنا لن يتحقق إلا إذا كان مقترنا بتحقيق الكرامة الإنسانية ، ولكن في نهاية الأمر نحن مثقفون، ليس لدينا أموال، ولسنا في مكان اتخاذ القرار، فما هي وسيلتنا كي نحول أفكارنا إلى واقع، كيف نستطيع أن نتحول إلى جماعة ضغط، أو سلطة أخلاقية، أو دوافع ومحفزات للأحزاب لكي تكون هذه نقاط لبرامجها، خاصة أننا إذا نظرنا إلى ميزانيات الدول العربية فإن حصص التعليم والثقافة ضئيلة للغاية، ومن يملكون السلطة والقرار لا يحبذون أو لا يميلون إلى ذلك، والمثقفون غير قادرين، فما هي الوسائل أو الآليات التي يمكن عبرها دفع بلادنا في هذا الاتجاه؟.
ليلى تكلا: تصحيح أوضاعنا في العالم
العربي لن يتأتى إلا بالاهتمام بالثقافة والفكر
لماذا نحن هنا ولماذا اجتمعنا، نحن مجموعة من المثقفين والمفكرين نحاول أن نتصدى معا لعلاج مشكلات أوطاننا، والأدوات التي نملكها هي الثقافة والفكر، وأعتقد أننا إذا استطعنا الوصول لمفاهيم مشتركة نكون قد خطونا خطوة جيدة في هذا المجال. وهناك مفهوم سائد أن الثقافة هي المسرح والفنون والكتابة والشعر إلى آخره، إن الثقافة ليست عملية ترفيه، الثقافة هي نمط الحياة، فما نفعله يأتى من ثقافة معينة، فاحترام الوقت ثقافة وكذلك الانضباط في الشارع ثقافة، ومثلها النظرة للمرأة وتقييم المال واحترام التعددية، وكل ما نفعله ينبع من الثقافة، وإذا أردنا تغيير السلوك فلابد من تغيير الثقافة، وإذا أردنا تصحيح أوضاعنا في العالم العربي فعلينا الاهتمام بهذا العامل الثقافي. وأنا ألاحظ أننا في العالم العربي فهمنا العلاقة بين الثقافة والسلوك من ناحية الكلام فقط، نقول نريد ثقافة الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان وقبول التعددية، لكننا لا نتجاوز الحديث إلى العمل وإلى الآليات التي يمكن أن تضخ ثقافة جديدة، بحيث أن هذه الثقافة الجديدة يمكن أن تغير السلوك، هذه الآليات هي التعليم والإعلام والخطاب الديني والمرأة والجمعيات الأهلية والمثقفون أنفسهم فهم من آليات تعديل الثقافة، وبصراحة التعليم في أغلب الدول العربية يدعو إلى دولة دينية، وقد قمت بأبحاث كثيرة في هذا المجال، فالمنهج والمدرسة والمعلم تحتاج إلى تحديث، والمثقفون ماذا يستطيعون أن أن يفعلوا؟ أقول عليهم استخدام التعبيرات الثقافية من الشعر والفن والمسرح.
د. سليمان عبد المنعم: قانون جاستا
يحاكم ثقافة العرب وتاريخهم
عبر عن تقديره لإطلالة الأمير الحسن التي تتميز بالشمول، وقال إنه كثيرا ما يشارك في حلقات نقاشية يخرج منها منتشيا، ولكن يتساءل ماذا بعد، وأوضح أن هناك واقعا لأي أزمة أو مشكلة وهناك تشخيص للواقع، وهناك وسائل للمواجهة، وأريد أن أميز بين مستويات النقاش الثلاثة. فالواقع أن العرب اليوم في عين الإعصار، الذي يجتاح المنطقة يفككها ويعيد تركيبها من جديد هذا هو الواقع ليس هناك جديد. وبالنسبة للتشخيص هناك مستويات متعددة للتشخيص، وأنا خلال السنوات الأخيرة بدأت أؤمن بالجذور الثقافية للصراعات الدولية، ومن أمثلة ذلك قانون جاستا الأمريكي، فهذا القانون له جذور ثقافية وإن كان لا يصرح بها بطبيعة الحال، فهذا القانون يحاكم ثقافة العرب وجغرافيتهم. الصراع الدولي الآن له جذور ثقافية، وأما بالنسبة لوسائل المواجهة فلدينا قوى، منهما اثنتان نحملهما أكثر مما يحتلمون لو طلبنا منهم أن يكونوا أصحاب دور في مواجهة الإعصار العالمي، فالأنظمة العربية مثقلة بتعقيدات وتراكمات ، ثم إنها في بعض الأماكن جزء من الأزمة،وكذلك التيار الديني الذي كان لوصوله للسلطة في مصر جالبا لكثير من المشكلات، وبالتالي فإن هاتين القوتين لا يعول عليهما كثيرا، وبالتالي بقي دور التعليم والثقافة.
السيد يسين: نتحدث عن وضع استراتيجية ثقافية عربية يسهم في وضعها المثقفون العرب.
الأمير الحسن : يوجد قانون حرب في العالم ولا يوجد قانون للسلم، أقترح لجنة دولية لإقامة نظام عالمي إنساني جديد، لماذا لا تأتي مقترحات من الإقليم ، ونتحول لمجموعة ضغط؟
الدكتور عدنان بدران: المواطنة أساس الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على العدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون .
من المهم جدا أن نتكلم عن الدولة المدنية والمواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على العدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون، والمواطنة فيها الأساس، وهناك مشكلات عديدة اجتماعية تجابهنا هذه الأيام، لأننا لم نعرف المواطنة ولم تتحقق للجميع. التعليم أساسي، وعندما نتكلم عن الثقافة ونريد أن نجدد ثقافتنا ونحدثها، باعتقادى التعليم والأسرة عنصران أساسيان في هذا الشأن، ولكن ليس أي تعليم، ودعوني أكون صريحا معكم، فهناك ضرر كبير لحق بالأردن من خلال بعض المتعلمين، ماذا نريد في التعليم، نريد الاقتراب في التعليم من الدولة المدنية، لأن كثيرا من مشكلاتنا جاء بها بعض المثقفين والمتعلمين، الواقع أن منتدى الفكر العربي أنهى الميثاق الاجتماعي وعممه على جميع أنحاء العالم العربي، وأنهى الميثاق الاقتصادي، وهو بصدد وضع ميثاق ثقافي، وأنا أؤيد مقترح وضع استراتيجية ثقافية عربية لأن ذلك يدعم توجه منتدى الفكر العربي للبدء بوضع ميثاق ثقافي عربي.
السفير محمد حجازي: المنطقة العربية وقضية شح المياه
للأمير الحسن باع كبير في العديد من القضايا السياسية، وفي مقدمتها قضية المياه، وأحب أن أسأل كيف لمنطقة تتعرض لشح المياه أن تتعامل، هل منظور التعامل الإقليمي مفروض. والسؤال الثاني مرتبط بالتوجهات الإقليمية الإيرانية والتركية، السؤال الثالث مرتبط بالإقليم والتطورات في سوريا.
محمد هاشم غوشة: القدس
في الضمير مشروع حضاري فكري إبداعي
قدمت إليكم من القدس الحاضرة في المشروع الذي أطلقه الأمير الحسن تحت عنوان القدس في الضمير ، وهو مشروع حضاري فكري إبداعي ، القدس اليوم بحاجة إليه وبحاجة إلى أن يعمم لأنه يفصلنا اليوم عاما عن الخامس من يونيو 1967، خمسون عاما غابت فيه القدس عن الوعي العربي وعن الذاكرة العربية وخرجت أجيال من الشباب لاتعرف القدس ولا تعرف قيمتها.
ولا فضائلها ولا تاريخها، ونحن كلما نستذكر القدس نستذكر ماضينا ونحترم حاضرنا ونقدر مستقبل اولادنا، إنني أخشى ما أخشاه أن نلمح في يوم ما في صفحة داخلية بصحيفة مغمورة إعلان نعي لفاضلة يقول رحم الله القدس وأسكنها فسيح جناته وتقبل التعازي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، أرجو ألا يأتي هذا اليوم وأنتم كصحفيين وكتاب ومفكرين عليكم عبء كبير بأن تنهضوا بالأمة بأن تدخلوا القدس إلى الضمير العربي وإبقاءها حية.
الدكتور محمد أبو حمور: مشكلات الوطن العربي
أساسها غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية
نحن ننظر في مشكلات الوطن العربي إلى الأعراض دون تقصي الأسباب، ولعل الأسباب الحقيقية تكمن في غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتكافؤ الفرص وتوزيع الثروات، لذلك المواطن أصبح الغربة في وطنه في ظل غياب المؤسسية للمؤسسات، وهذا يضعنا تحت عنوان كبير هو إذا لم يكن لديك خطة فأنت جزء من خطة الآخرين، الوطن العربي متشرذم وليس لدينا خطط للمستقبل بطريقة تليق بالمواطن العربي، هذا أدى لأن نكون جزءا من مخططات الغرب ودورنا ينحصر في التنفيذ ، وتغير دورنا من سياسة الفعل لسياسة رد الفعل وتحليل الفعل من الطرف الآخر، وقد وجهنا الأمير الحسن في منتدى الفكر العربي لعمل الميثاق الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والسياسي والثقافي قريبا ومشروع نهضوي عربي فكري هذا المشروع سيضم كل المواثيق السابقة بحيث نعطي بذرة أمل في هذا الواقع المحبط لدى الوطن العربي.
دكتورة ماجدة عمر: حديث النخب الثقافية
لا يتضمن مضمونا ذا صلة بواقع قضايا الشباب
ما دفعني لتلك المداخلة هو ما أشارت إليه الدكتورة ليلى تكلا من حديث عن ديكارت ومقولته انا أفكر إذن أنا موجود، وأحب أن أضيف إليها ما قاله الفيلسوف كانت في مقالة ما هو التنوير كن جريئا في إعمال عقلك، وأريد أن أستند لفكرة طرحها الأمير الحسن حول شروط الحوار والخطاب وآدابه، وأنه فن في حد ذاته، وكيف يمكننا أن نصل للشباب استنادا لهذا الخطاب كوننا لا نتحدث معهم بلغتهم خاصة إذا كان حديث النخب الثقافية لا يتضمن مضمونا ذا صلة بالواقع الذي يتناول القضايا التي يعيشها هؤلاء الشباب وكذلك العامة بالمجتمع، وأود أن أشير إلى خبرة تتعلق بتدريس المسارات التي تتناول المنطق والتفكير الناقد ومدى نجاحها في بناء العقل المعرفي لدى الطلبة، بهذه الحالة أرجع إلى التعليم الذي له طرفان المعلم من جهة والطالب من جهة أخرى، فمهما حاولنا تطوير وتجديد المناهج ولم يكن هناك من يستطيع إيصال قيم التفكير الناقد إلى الطلبة من المعلمين لن تكون هناك نتائج إيجابية لتطوير تلك المناهج.
محمد السعيد إدريس: الإسلام السياسي فشل
فشلا ذريعا ولم يبق لنا إلا المشروع العربي
أود أن أختم الحوار بمجموعة من المستخلصات هو أننا لفترة طويلة كنا نعيش قضية العلاقة بين النظام العربي والنظام الإقليمي الشرق أوسطي وتأثير النظام العالمي على هذه العلاقة، الآن ونحن في مرحلة ذروة الأزمة للأسف نستطيع أن نقول إن النظام العربي يستلب ويذوب تماما في إطار نظام إقليمي أوسع هو نظام الشرق الأوسط، فلم تعد هناك قوة عربية فاعلة قادرة على الحفاظ على الذات العربية والهوية العربية، فالهوية العربية باتت مهددة ونحن أصبحنا الآن في زمن هويات الطوائف والعرقيات والإثنيات، وخلال الندوة لم أسمع كلمة الوطن العربي إلا مرة واحدة، أصبحنا نتكلم عن المنطقة العربية، فنحن لسنا في أزمة خطاب ديني ولسنا في حاجة فقط لتجديد الخطاب الديني، ولكننا أيضا بحاجة لتجديد الخطاب السياسي واللغة السياسية والثقافة السياسية العربية، فمشهد الصراع الراهن على الموصل على سبيل المثال والصراع على حلب كيف أن إيران وتركيا تتنازعان الصراع على الموصل، فمعركة تحرير الموصل هي معركة تشكيل مستقبل النظام العربي وكذلك معركة حلب، فتركيا تطالب بمراجعة المعاهدات وأن لها حقوقا في الموصل وحلب، فحدود الوطن العربي تراجع الآن، وكلمة من الخليج للمحيط تتبعثر، وما يحدث ليس بأيد غربية أمريكية روسية فقط، ولا بأيد إيرانية تركية فقط ولكن بأيد عربية بالأساس، فكيف نتكلم عن إعادة بناء الدولة الوطنية العربية ونحن ندمرها فسوريا تدمر بالفعل، فمسألة إعادة البناء مسألة صعبة نحن بحاجة لإعادة لملمة الوعي العربي، ومشروع الإسلام السياسي فشل فشلا ذريعا بكل جوانبه، ولم يبق لنا إلا الكلام عن المشروع العربي .
وشارك في الندوة من الاردن : د.عدنان بدران ــ رئيس الوزراء الأسبق ، ود. محمد أبو حمورــ الأمين العام لمنتدى الفكرالعربي ووزير المالية الأسبق ، ود.ماجدة عمر ــ المعهد الملكي لإدارة الحوار بين الأديان ، ود. محمد هاشم غوشة ــ الخبير بشؤون القدس الشريف ، ود. عامر الحافي ــ المعهد الملكي للدراسات الدينية ، وأيمن المفلح ــ المشرف على برامج اللاجئين .
ومن كتاب ومثقفي مصر: السفير محمد شاكر ، ليلى تكلا ، أمينة شفيق ، نبيل عبد الفتاح ،فاروق جويدة ، د.محمد السعيد إدريس ،د.سليمان عبد المنعم ، السفير محمد حجازي،د. أنور مغيث ، أنور عبد اللطيف ،سمير الشحات ،ونجلاء عبد الحافظ .