الإعلام واللغة العربية
كتب:الدكتور عثمان الطاهات
يقول المستشرق الإيطالي كارلو نالينو «اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقًا، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها» ، هذا الوصف هو من الآخَر المستمع الذي يتذوق العربية، إلى الحد الذي يجعله يقر بتفوقها، ومحاسنها، إذ يحمل الناطقون بها ولا سيَّما العاملين في المعترك الإعلامي، من الصحافيين والإعلاميين والكتاب، مسؤولية التوليف بين العربية العميقة والإعلام في نسق لغوي مميز يتسم بالبساطة والجمال وبلاغة التعبير، يطلق عليه «لغة الإعلام « .
علاقة الإعلام باللغة العربية علاقة ترابطية وثيقة الصلة، لا يمكن الفصل بينهما، فإذا كانت اللغة تمثل الجسم أو الهيكلية، فإن الإعلام هو الروح وأداتها. وانشغل بعض المهتمين باللغة الإعلامية، إذ شهدنا تحولًا كبيرًا في بيئتها في عصرنا الحديث، وهو ما يجعل العلاقة متبادلة نفعيًا بين اللغة والإعلام (علاقة التخادم).
إن اللغة عندما ساعدت على إنجاح وسائل الإعلام في مواكبتها لمتطلبات العصر، وإن كانت أداة فاعلة من أدوات الاتصال وذات تأثير مباشر في مشاعر الناس ومعتقداتهم وسلوكهم، فإنها في المقابل تأثرت بوسائل الاتصال، ما جعل المهتمين يعزون عملية التلقي بأسلوب سهل ومشوق من خلال هذه اللغة، يعود بالفضل لوسائل الاتصال والإعلام التي ساهمت في صقلها وبحثها عن الجمالية الوصفية والسردية ،وقد اختلف الباحثون في تعريف لغة الإعلام وفي تحديد مميزاتها، فأطلقوا عليها تسميات مختلفة، مثل اللغة الثالثة التي تتوسط الفصحى والعامية، أو فصحى العصر التي تواكب التطور الاجتماعي والمعرفي للعرب، أو اللغة العربية الجديدة التي تستند في أصولها إلى العربية القديمة، وتستجيب لمستجدات العصر والحاجات التعبيرية للناطقين بها.
وذهب بعضهم لوصفها بالنثر العملي الذي ظهر مع ظهور الصحافة، ويقع «في منطقة وسطى بين لغة النثر الفني، أي لغة الأدب، والنثر العادي، أي لغة التخاطب اليومي وهي اللغة التي تمتاز بالبساطة والوضوح، وتنأى ما أمكن عن صفات التعالي على القراء أو التقعر أو الغرابة.
وجاءت تسميتها فصحى العصر تمييزًا لها من فصحى التراث وعامية المثقفين والمتنورين، وهي جامعة لصحة الفصحى وسلامتها. وللغة في الاستخدام ثلاثة مستويات، هي : المستوى التذوقي الفني الجمالي، الذي يستعمل في الأدب والفن ، والمستوى العملي النظري التجريدي، الذي يستعمل في أداء العلوم والمستوى العملي الاجتماعي، الذي يستعمل في الإعلام؛ وهذا المستوى هو ما يهمنا في هذا المقال لأنه فرض نفسه مع الوقت على ألوان الاستخدامات اللغوية الأخرى. ومثلت لغة الإعلام القاسم المشترك لفروع المعرفة والأعمال.
ومن المتعارف عليه أن لغة الإعلام تأتي من ثلاثة مصادر هيالأول: اللغة العربية الفصحى أو فصحى التراث، وهي الأساس فيها، لأنها أعطتها المفردات ونظام التركيب ، الثاني: اللغات الأجنبية التي أّثرت في العربية مباشرة في مرحلة الاستعمار وفي حديث الذين درسوا في البلاد الأجنبية، وبصورة غير مباشرة من خلال الترجمة المستمرة والمتزايدة في فروع المعرفة كلهاالثالث: اللهجات العامية التي أخذت منها وسائل الإعلام مفردات وتراكيب، أحدثت أحيانًا تغييرًا في نظام الجملة.
إن الإعلام يؤدي مهمتين متعاكستين في لغة الأداء العربية: الأولى إيجابية: يخدم فيها اللغة العربية وينشرها ويعممها على المتعلمين والأميي والثانية سلبية: يشجع فيها المحكيات المحلية، وينشر أخطاء اللغة ويثبتها في الأذهان وعلى الألسنة، ويكرس الحالات الانفصالية بين البلدان العربية.