أياً كانت تصوراتك عن التوتر، فالحقيقة هي أن كيمياء الجسم حساسة وتتغير باستمرار وتنعكس تغيراتها على جهازك العصبي، وعند مستويات معينة يبدأ التوتر عمله في المخ.
ففي سياق الحياة اليومية، تحتاج كثيرا إلى الاستجابة إلى مواقف تتطلب انتباهاً فورياً، مثلاً: عندما تقترب منك سيارة مسرعة، أو يداهمك موعد نهائي يصعب عليك اللحاق به، أو تواجه هجوما عدائيا مفاجئاً من جانب شخص ما، أو اضطرارك إلى انجاز عمل ما بسرعة فائقة. ومثل هذه المواقف الضاغطة تحفز الغدة الكظرية لتفرز هرمون الأدرينالين. وفي خلال ثوانٍ ينبض قلبك بقوة، ويتغير معدل تنفسك، وتنطلق احتياطيات الغلوكوز إلى دمك، وتتوتر عضلاتك، وتتسع حدقتا عينيك، وتزداد كثافة دمك.
وربما تتساءل: «هل هذا كله ينتج عن الموقف في حد ذاته»؟ والإجابة هي: «كلا، بل لأسباب أوسع نطاقا». فقبل تعرضك إلى مثل ذلك الموقف، يكون الإنسان قد تعرّض إلى سلسلة من المواقف الضاغطة المتنوعة المحفزة لإفراز الأدرينالين الذي يجعلك جاهزاً إما للقتال وإما الهرب. ومتوسط كمية الأدرينالين التي تفرز في جسم سائق تعطلت سيارته في زحام المرور تكون كافية لتجعله يجري لمسافة ميل. وهذا سبب إطلاق الغلوكوز بكثافة، في الأغلب بتفكيك الغليكوجين المخزن في العضلات والكبد كي تستمد الخلايا الطاقة اللازمة لمساعدة الجسم على مواجهة التوتر الناجم عن الموقف الضاغط.
والواقع أن تأثيرات التوتر طويل الأمد تكون تدريجية. تخيل أن غدتك النخامية والكظرية وبنكرياسك وكبدك تضخ باستمرار الهرمونات لضبط مستوى السكر في حين أنك لست في حاجة لهذا الضبط. ويشبه جسمك السيارة التي تقاد بسرعة كبيرة، إذ يفقد توازنه سريعاً وتبدأ أجزاؤه في الإنهاك والتلف.
نتيجة لما سبق ينخفض مستوى الطاقة لديك، وتفقد تركيزك، وتصبح مشوشاً، وتصاب بنوبات من الإجهاد الذهني، وتشعر بالرغبة في النوم بعد الأكل، وتصبح متوتراً ومرتبكاً، ولا تستطيع النوم، ولا يمكنك الاستيقاظ، وتعرق كثيراً، وتشكو الصداع.
وكمحاولة للتغلب على مثل تلك الأمور، يلجأ معظم الناس إلى تناول المنبهات، سواء الشرعية المسموح بها أو المحظورة. فالمنبهات الشرعية تشمل القهوة والشاي والمشروبات الفوارة الحلوة التي تحوي الكافيين والشكولاتة والسجائر، وهناك أيضا المنبهات النفسية التي من بينها التسالي الخطرة، وأفلام وروايات الرعب، والصدمات العاطفية؛ أو أي شيء ينطوي على قدر عال جدا من الإثارة والتشويق. أما المنبهات المحظورة فتشمل عقاقير الأمفيتامينات والكوكايين، إلى جانب المنبهات النفسية المتمثلة في المغامرات الإجرامية كالسرقة والسطو وحتى القتل أحياناً.
وتكمن الخطورة في أن العيش من خلال الاعتماد دائما على المنبهات – أيا كان نوعها – يتسبب في إثارة مزيد من التوتر ويجعل من الصعب جداً تحقيق الاسترخاء. وكثير من الناس يقاومون ذلك عن طريق تعاطي أشياء لتغييب الوعي جزئيا أو كلياً، بما في ذلك الكحوليات والأقراص المنومة والمهدئات وبعض أنواع المخدرات. ورغم أن مثل تلك المواد قد تمنح متعاطيها استرخاء عاجلاً موقتاً، فإن تأثيراتها بعيدة المدى تكون في الغالب مزيداً من التوتر والقلق.