د.باسم طويسي
لم تصل الحزمة الأخيرة التي شملت إجراءات رسمية لتسهيل وتشجيع الاستثمار الخارجي أي إجراءات جدية تستهدف لفت انتباه المستثمرين وتوجه رؤوس الأموال إلى المحافظات، فمنذ أكثر من عقدين التفتت الدولة إلى حجم الفجوة التنموية التي تعاني منها المحافظات وخصت التشريعات التي وضعت منذ ذلك الوقت هذه المناطق بالعديد من الامتيازات، ولكنها لم تحدث تغييرا حقيقيا، ولم تأت بجديد، بل إن بعض تلك الامتيازات كيفت في مراحل ما وصبت في مصلحة استثمارات في المراكز التقليدية ولم تستفد منها المناطق التي سنت من أجلها.
في العام الماضي أعلنت هيئة الاستثمار خريطة استثمارية للمحافظات تتضمن 120 فرصة ومشروعا بقيمة تقديرية قدرت بنحو 302 مليون دينار، وعلى الرغم من تواضع هذه الكلف فإن تلك المشاريع التي قد تفهم على أساس أنها موجهة لمستثمرين محليين بالدرجة الأولى إلا أنها لا تتمتع بالابتكار التنموي ولا يمكن أن تخلق إزاحة حقيقية في أوضاع المجتمعات المحلية؛ طرحت مشاريع مثل إنتاج الزعتر ومصنع لأصابع البطاطا ومصنع لتجفيف البندورة ومصنع لتعبئة زيت الزيتون، وقس على ذلك من أفكار بعضها معقولة وأخرى تحتاج إلى نقاش مطول، وبعضها الآخر لإضاعة الوقت في الحديث حولها.
ما تزال منهجية التفكير في خلق بيئة محفزة للاستثمار في المحافظات الأردنية تراوح مكانها، على الرغم من طرح أفكار وخطط متعددة خلال آخر عقدين؛ إلا أن جاذبية المحافظات للاستثمار تدور في حلقة مفرغة، فقد تم إعلان ست مناطق تنموية في مختلف مناطق المملكة المفرق وإربد وعجلون والبحر الميت ومعان وعمان إضافة إلى العديد من المدن الصناعية، كما تم تأسيس صندوق لتنمية المحافظات، وما نزال ندور في الدائرة المفرغة ذاتها؛ فلا يعقل على سبيل المثال أن القانون ما يزال يحظر على الأجانب التملك في البتراء.
في مصر أعلنت خريطة استثمارية متزامنة مع الخريطة الأردنية وفرت دراسات إلى (4851) فرصة استثمارية منها 3843 في المحافظات المصرية. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن سكان مصر عشرة أضعاف الأردن فإن ما طرحته مصر من فرص استثمارية مدروسة تستهدف المحافظات أربعة أضعاف ما طرحه الأردن علاوة على نوعية الفرص والقيمة المضافة التي تحتملها، في بلد أفريقي آخر مثل كينيا يبلغ الناتج الإجمالي نحو 70 مليار دولار، والدين الخارجي في حدود 60 % من الناتج الإجمالي حافظ هذا البلد رغم مواسم الجفاف على معدلات نمو في المتوسط 5 % بفضل القدرة الكبيرة على جلب الاستثمارات الخارجية وتنمية قاعدة الإنتاج الوطنية حيث تقدم كينيا اليوم بيئة غير مسبوقة في أفريقيا في جلب الاستثمارات المتوسطة والصغيرة تحديدا في مجال تكنولوجيا المعلومات تجاوزت جنوب أفريقيا ومصر وأصبحت نيروبي والمدن الكينية واجهة للآلاف من المستثمرين الشباب، وخذ مثالا آخر، ما الذي يحدث في روندا؟ وكيف طور الرجال والنساء أسواقا جديدة بأفكار جديدة وجذابة للاستثمار جعل هذا البلد الذي خرج للتو من واحدة من أكبر كوارث الحروب الأهلية يحتل المكانة 52 عالمية في تسهيل الاستثمار يمكن لأصحاب المشاريع الجدد بدءَ تشغيل أعمالهم ومشاريعهم في ثلاثة أيام فقط في رواندا، مع رسوم تسجيل الشركات الرخيصة والمنخفضة.
تحدي تنمية المحافظات يعد اليوم أولوية وطنية لا تسبقها أولوية أخرى، فالاختلالات تقود إلى أشكال متعددة من التشوهات لا يستطيع أحد أن يتوقع مصيرها وتحولاتها. هناك ثماني محافظات تعاني ظروفا تنموية صعبة، ومنها أربع محافظات تحتاج أن تدخل في حالة طوارئ؛ عمليا لا يوجد في معظم هذه المحافظات مشروع اقتصادي واحد يعود للقطاع الخاص يستقطب أكثر من 50 عاملا وربما أقل. بالمعنى الاقتصادي؛ لا يوجد قطاع أعمال حقيقي في هذه المحافظات، وتكاد تكون حصتها من الاستثمارات الوطنية الوافدة معدومة، فيما حصة المجتمعات المحلية من الثروة الوطنية لا تكاد تذكر رغم كل ما نعرفه من كونها مستودع الموارد الوطنية الاستخراجية والاستراتيجية والتاريخية.