أطلق البنك الدولي اليوم تقرير مرصد الاقتصاد الأردني في عدد ربيع 2020 بعنوان “مواجهة العاصفة” خلال اجتماع افتراضي استضافه منتدى الاستراتيجيات الأردني بالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي. يناقش التقرير أحدث التطورات الاقتصادية ويسلط الضوء على بعض التحديات الرئيسية التي تواجه سياسات الاقتصاد الكلي في المملكة لا سيما الآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة فيروس كورونا المستجد التي مسّت بشدة حياة المواطن الأردني وسبل عيشه.
وبين التقرير أن جائحة فيروس كورونا COVID-19 تشكل صدمة اقتصادية واجتماعية شديدة على جميع البلدان على حد سواء، والأردن ليس بمنأى عن هذه الصدمة. ومع تباطؤ النمو الذي كان يشهده الأردن ما قبل الجائحة وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والنساء، فإنه من المتوقع أن تكون هذه الصدمة أكثر حدية.
وتشير التوقعات إلى أن الجائحة ستؤدي على الأرجح إلى ركود عالمي عميق على المدى الطويل، يعزى جزئيًا إلى استمرار المخاطر الصحية. ووفق التقرير، فمن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الأردني بنسبة 3,5% عام 2020، بالمقارنة مع الانكماش المتوقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 4,2%، وما نسبته 5,2% للاقتصاد العالمي، وفقًا لتقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر عن البنك الدولي في حزيران 2020.
وبالنسبة إلى الأردن، من المتوقع أن يمس هذا التأثير السلبي عدد من القطاعات المختلفة لا سيما التجارة و الحوالات والسياحة وقطاع الخدمات. ومما يزيد من حدية هذه التوقعات مواجهة بعض البلدان صعوبات في السيطرة على الموجة الأولى من الجائحة، في حين قد تواجه بلدان أخرى موجة ثانية. ونظرًا لطبيعة الاقتصاد الأردني المعتمد على قطاع الخدمات، فمن المتوقع أن تتعافى المملكة تدريجيًا ولكن دون مستوى التوقعات ما قبل الجائحة.
وتعقيباً على التقرير، قال المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جها: “إن الاضطرابات العالمية والمحلية التي طرأت مؤخراً بسبب جائحة فيروس كورونا أثّرت بشدة على الاقتصاد الأردني وآفاقه. إن البنك الدولي ملتزم بدعم الأردن في اتخاذ إجراءات سريعة لحماية الفقراء، والحفاظ على توفير الخدمات الأساسية، واستعادة النشاط الاقتصادي، والحفاظ على رأس المال البشري”.
وتتطلب الاستجابة لهذه الأزمة حشد موارد مالية كبيرة. ونظرًا لانكماش السيولة عالمياً، فمن المرجّح أن تكون الاحتياجات التمويلية الإضافية الناشئة عن أزمة كورونا كبيرة على المدى المتوسط، مما سيزيد من اعتماد الأردن على التمويل الخارجي.
وفي هذا الصدد، قالت سعدية رفقات، وهي خبيرة اقتصادية أولى في البنك الدولي ومؤلفة التقرير، “إن إعادة تحفيز النمو وخلق فرص العمل على المدى المتوسط، والذي له تأثير مباشر على الحد من معدلات الفقر على المدى الطويل، سيعتمد على وتيرة الانتعاش العالمي ومناعة الاقتصاد الأردني.”
لقد كان الأردن سباقاً في إعداد مصفوفة الإصلاحات (2018-2022) والتي تهدف إلى تحقيق نمو أكثر استدامةً وشمولاً خصوصاً فيما يتعلق بخلق فرص العمل للشباب والنساء. وقد حققت المملكة، بمساندة من البنك الدولي، تقدماً في تنفيذ الإصلاحات الرئيسية على عدة أصعدة منها تنظيم سوق العمل، وشبكات الأمان الاجتماعي، والقدرة التنافسية للقطاع الخاص، والحوكمة. وفي ظل صدمة فيروس كورونا، فمن الضروري مواصلة الالتزام بتحقيق الاصلاحات الهيكلية لتسريع انتعاش الاقتصاد الأردني وتعزيز قدرته على الصمود، وخصوصاً في قطاعات الزراعة والسياحة وتسهيل التجارة ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والتحول الرقمي، بالإضافة إلى تحسين بيئة الأعمال والوصول إلى التمويل.
وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي، الدكتور وسام الربضي “مع بداية جائحة فيروس كورونا، سارع الأردن باتخاذ إجراءات صارمة لاحتواء تفشي الفيروس للحفاظ على صحة وأرواح المواطنين في الدرجة الأولى.” كما أضاف الدكتور الربضي “كان لاستراتيجية الحكومة في الاستجابة للجائحة أثر كبير في الحد من أعداد حالات المصابين والوفيات، مما مكننا من إعادة فتح معظم القطاعات الاقتصادية خلال فترة قصيرة. إن التحدي الرئيسي الذي يواجه العالم بأسره، بما فيه الأردن، هو التعافي الاقتصادي من أثر هذه الصدمة بسرعة وكفاءة لضمان نمو اقتصادي أكثر استدامة وشمولاً.”
من جهته بيّن الدكتور إبراهيم سيف، المدير التنفيذي لمنتدى الاستراتيجيات الأردني بأن التقرير تناول محاور مهمة تتعلق بأداء الاقتصاد خلال الربع الأول من العام ومصادر النمو والافاق الكامنة، حيث بين سيف بأن المؤشرات الواردة في التقرير أظهرت استقرار ونمو “متواضع ” الا ان تلك التطورات اصطدمت خلال الربع الثاني بحلول جائحة كورونا وما نجم عنها، فبات من الصعب الحفاظ على تلك الديناميكية في النمو سواء محلياً او في الأسواق الخارجية على صعيد التصدير.
كذلك أكد سيف على أن التطورات الإقليمية انعكست على السوق المحلي من ناحية حوالات العاملين او استيعاب جزء من العمالة الأردنية ومستوى الصادرات الاردنية إلى دول المنطقة.
وقال سيف بأن هنالك فجوة بين فرص العمل التي يولدها الاقتصاد الأردني والمهارات المتوفرة وذلك نتيجة لطبيعة هيكل الاقتصاد الأردني، وقال سيف بأن المشاركة الاقتصادية المتدنية للمرأة في الأردن رغم ارتفاع المستوى التعليمي للإناث يعزى الى جملة من الأسباب التي تتعلق بغياب بيئة جاذبة، سواء من ناحية الأجور او وسائل النقل والحضانات وغيرها من العوامل المساعدة على زيادة مشاركة الاناث في سوق العمل وهو ما يعكس خللاً جوهريا يعالج من خلال اطار متكامل من السياسات التمكينية لمشاركة المرأة ودورها في العملية الإنتاجية.
من جهته قال الدكتور رضوان شعبان، كبير الاقتصاديين في البنك العربي أن نجاح الأردن باتخاذ اجراءات احترازية قوية ومبكرة لاحتواء انتشار فيروس كورونا ساعد في إعادة الفتح التدريجي للقطاعات الاقتصادية، مما أعطى كلا من المستهلكين وقطاع الأعمال الثقة في إعادة الانخراط في النشاط الاقتصادي ومكّن الحكومة بأن تكون قادرة على الاستجابة بشكل كاف في حال حدوث انتشار مستقبلي للفيروس.
هذا الامر سيساعد الاقتصاد الأردني على التعافي بوتيرة أسرع. وأضاف شعبان إن هذا التعافي المتوقع سيستفيد كذلك من متانة القطاعات الاقتصادية الرائدة مثل قطاع الأدوية وتكنولوجيا المعلومات/ الاتصالات وصناعة الأسمدة والزراعة. كذلك فإن التطور المستمر في بيئة الأعمال، والتي كان الأردن رائداً فيها العام الماضي، يعد أمراً ضرورياً للمساعدة في التعافي الاقتصادي.