كتب: بلال العقايلة
في عام ١٩٨٧ قدر لوالدي رحمه الله أن يستشهد في العراق، وفي ذلك الحين كنّا صغارا لا نعرف فلسفة الواسطة والتواصل ومخاطبة الجهات المعنية حول ظروف استشهاد الوالد، لكن وبعد فترة من الزمن و قعت بين يدي مخاطبات موشحة بتوقيع النائب الأستاذ يوسف العظم رحمه الله، موجهة لرئيس الوزراء في حينه زيد الرفاعي، وقرأت في ذلك ردودا إيجابية من الحكومة رغم أن مجلس النواب في تلك الأيام كان موجودا لكنه غير فاعل دستوريا، وكان الأستاذ أبو جهاد يتحرك بصفة شخصية وإنسانية لخدمة الناس ومتابعة قضاياهم، وظل دائم الحنين إلى معان والدفاع عنها والمطالبة بحقوقها، مثلما أنه كان نائب وطن يتمتع بالشجاعة والحكمة في آن معا، وأبوابه مشرعة للجميع، وأذكر له آخر زيارة للمدينة وقبل رحيله بقليل، والتي حظينا خلالها بشرف استضافته في نادي معان، على هامش تكريم له من الحركة الإسلامية في مبنى غرفة تجارة معان حينها وخلال التكريم استذكر العظم طفولته وشبابه في معان، وفي حواريها وكرومها، وعيونه تذرف دمعا صادقا لحميمية الذكرى وروحانية المكان في نفسه ووجدانه…
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد حدثني الزميل المصور الصحفي، بالتلفزيون الأردني أحمد موسى، وهو يبدي إعجابه بخطابات النائب يوسف العظم تحت القبة، إذ يقول: “كان العظم دائم المطالبة بحقوق معان والدفاع عنها وبكل قوة وصلابة” نعم هذا ديدن الشرفاء حين يملأون مواقعهم وكراسيهم، وهذا ما نعلمه عن الراحل الكبير أبي جهاد، لا سيما ونحن من الجيل الذي قرأ أشعاره وتعلمها في مناهجنا، قبل أن تأتي عليها جائحة السلام ووادي عربة.
ذات مرة زار المرحوم العظم مدينة معان كالعادة، ولم يلق الاستقبال اللائق من أحد كبار المسؤولين فيها، وحال عودته إلى العاصمة عمان كان ذاك المسؤول منقولا إلى محافظة أخرى… هكذا كان الرجال، وهكذا كانت هيبتهم واحترامهم بل وسطوتهم في الحق حين يتطلب الأمر.
رحم الله الفقيد الكبير أبا جهاد، وأسكنه فسيح جنانه، مع الأنبياء والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا، إنه سميع مجيب الدعاء.
