الشبول : الفصل بين وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بات ملحاً
عقد في بيروت، الخميس، مؤتمر بعنوان “وضع الاعلام في العالم العربي اليوم”، بمشاركة المدير العام لوكالة الانباء الاردنية (بترا) الزميل فيصل الشبول ومديري وكالات انباء عربية واجنبية وشخصيات سياسية واعلامية.
وقال الزميل الشبول في كلمة بالمؤتمر “ان الفصل بين وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تشريعيا، بات امرا ملحا اليوم، وأن الاعلاميين مطالبون بالضغط لانجاز تشريعات تحمي الاعلام بغية الوصول الى معادلة واضحة ترسم حدود اللقاء والافتراق بين هذه الوسائل وشبكات التواصل الاجتماعي التي صارت تشكل خطرا حقيقيا على مهنة الاعلام وعلى مداخيل وسائل الاعلام في الوقت ذاته”.
وقال الشبول الذي كان ضيف الجلسة الاولى من المؤتمر بعنوان” السلطة الرابعة بين الاعلام التقليدي ومنتديات التواصل الاجتماعي”، وشارك فيها ايضا رئيس تحرير “جريدة اللواء” اللبنانية صلاح سلام، وادارتها الاعلامية اللبنانية نتالي عيسى، ان التشابه بين الاعلام والتواصل الاجتماعي ياتي بالدرجة الاولى من الوسائل التي يستخدمها الطرفان وكذلك من المضامين التي ينقلها كل منهما عن الاخر لغايات الترويج، ولكن الفوارق بينهما كثيرة، فالاعلام تحكمه قوانين خاصة تحدد مواصفاته ومسؤولياته، وله قواعد مهنية تحدد محتويات واشكال المضامين الاعلامية التي تقدم للجمهور وكذلك اخلاقيات تلك المضامين كالاخبار والصور والمقالات والتعليقات وغيرها مما لا تلتزم به وسائل التواصل الاجتماعي بالضرورة.
واضاف انه وبالرغم من وجود قوانين تحكم النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي (قوانين الجرائم الالكترونية) واخرى تحكم عمل الصحافة والاعلام المرئي والمسموع، الا ان تلك القوانين لم تعد كافية وحدها لحماية المجتمع والصحافة والصحافيين.
واستدرك قائلا ان قوانين النشر الالكتروني تجرم الاعتداء على الاشخاص والمؤسسات بالنشر عبر الانترنت، لكنها لا تجرم وسائل التواصل الاجتماعي عند نشرها لمضامين مشوهة او فاضحة او للتحريض على العنف والتطرف اما لعدم اختصاص المكان او لعدم الادعاء بالحق الشخصي”.
وتابع الشبول قائلا: “اصبحت مشكلة الصحافة والصحافيين تتعمق يوما فيوما، ليس من حيث اوضاعها الاقتصادية فحسب، بل ولسببين رئيسيين اخرين اولهما دخول الالاف من غير المؤهلين الى مهنة الاعلام خارج اطار القانون وتحت مسميات كثيرة، وثانيهما استخدام الدول والتنظيمات والافراد وسائل التواصل الاجتماعي في تنفيذ سياسات وحملات لا تستطيع تبنيها من خلال وسائل الاعلام”.
ورأى “ان الفصل بين وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تشريعيا، بات امرا ملحا اليوم”، داعيا الجامعات ومعاهد التعليم في عالمنا العربي للتركي .بترا
وتالياً نص الكلمة التي القاها الشبول في المؤتمر :
ايها الحفل الكريم .
تقوم مداخلتي على فكرة اساسية هي ضرورة الفصل تشريعيا واكاديميا ما بين وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي قبل فوات الاوان ، اي قبل ان تدفع وسائل الاعلام ثمنا اغلى مما تدفعه اليوم ، وقبل ان تعاني مجتمعاتنا مزيدا من الالم جراء هذا التشابك والخلط في اذهان العامة في تعاملها مع هذه الوسائل وتلك .
وبالرغم من ان المهمة تبدو غاية في الصعوبة ، الا انها ليست مستحيلة ، فنحن لا نبدأ من فراغ ولا من نقطة الصفر لان العالم المتمدن المعني بحق الناس في الاعلام وحرية الاعلام قد قطع شوطا على هذا الطريق .
والاعلاميون مطالبون اليوم ، وقبل غيرهم ، في السعي نحو تحقيق هذا الهدف والضغط بكل السبل المتاحة من اجل انجاز تشريعات تحمي الاعلام بغية الوصول الى معادلة واضحة ترسم حدود اللقاء والافتراق بين هذه الوسائل وتلك .
واذا كان السؤال الاهم منذ النصف الاول من القرن الماضي وحتى اليوم عن كيفية حماية وسائل الاعلام من السلطة ، ثم السؤال عن كيفية حماية المجتمع من سلبيات الاعلام ، فقد بات السؤال ملحا اليوم عن اهمية حماية وسائل الاعلام من شبكات التواصل الاجتماعي التي صارت تشكل خطرا حقيقيا على مهنة الاعلام وعلى مداخيل وسائل الاعلام في الوقت ذاته .
قبل نحو عام ، وبالتحديد في شهر كانون اول ( ديسمبر ) 2016 كنت مع زملاء في جولة على ثلاث دول اوربية ، وهي دول تحتل مراتب متقدمة في حرية الصحافة على مستوى العالم ، وكانت البداية من السويد التي تحتل المرتبة الاولى . كان الهدف من الزيارة الاطلاع على تجارب التنظيم الذاتي للاعلام بعيدا عن سلطات الدولة الاخرى .
في السويد تحدث الاعلاميون عن قضيتين اساسيتين تخصان حديثنا اليوم : الاولى عن قانون جديد للنشر الالكتروني كان مقررا ان يصدر في شهر تموز (يوليو) الماضي (وقد يخبرنا مدير المعهد السويدي في الاسكندرية المزيد عنه ) يجيز القانون الاحالة للقضاء بدلا من الهيئات التنظيمية المهنية التي تحكم بالتعويض او اعادة النشر فقط . اما الثانية فهي قلق هيئة الناشرين السويدية على مصير الصحافة بعد ان وصلت نسبة الاعلانات التي تذهب لوسائل التواصل الاجتماعي 64% من حصة الصحافة في سوق الاعلان السويدي .
علينا ، اذا ، ان نتعلم من هذه التجربة لا سيما وان السويد تضع الاعلام وحريته في مقدمة اولوياتها وهي الدولة التي تفخر بانها انجزت اول قانون لحرية الاعلام قبل 250 عاما.
مثال اخر كان الاسبوع الماضي وتحديدا في الثالث من الشهر الجاري عندما اعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن نية حكومته تعديل قانون الاعلام الفرنسي خلال العام الحالي لمحاربة ما اسماه ” الاخبار الكاذبة في وسائل التواصل الاجتماعي ” التي اعتبر انها ” تهدد الديمقراطيات الليبرالية ” ، علما بان فرنسا تدعم وسائل الاعلام ماليا من خلال موازنة الدولة باعتبارها جزءا اساسيا من الديمقراطية الفرنسية .
اذا ، فان دعوتي للفصل تشريعيا واكاديميا بين وسائل الاعلام من جهة ووسائل التواصل الاجتماعي تنطلق من مبدأ حماية وسائل الاعلام والاعلاميين وبالتالي حماية الجمهور جراء الخلط بين هذه الوسائل وتلك ودون ان يكون المقصود من هذا الطرح ان وسائل الاعلام على حق فيما الوسائل الاخرى هي التي تاتي بالشرور .
لقد انجزت البشرية خلال القرن الماضي في مجال الاعلام والاتصال ما لم تنجزه منذ ملايين السنين ، من ازدهار الطباعة وحتى الراديو فالتلفزيون فالاقمار الصناعية وصولا الى شبكة الانترنت ، فيما اطل علينا القرن الحالي بانفجار التواصل الاجتماعي الانساني عبر العالم ، وهنا بدأت المشكلة .
ان التشابه بين الاعلام والتواصل الاجتماعي ياتي بالدرجة الاولى من الوسائل التي يستخدمها الطرفان وكذلك من المضامين التي ينقلها كل منهما عن الاخر لغايات الترويج ، ولكن الفوارق بينهما كثيرة ، فالاعلام تحكمه قوانين خاصة تحدد مواصفاته ومسؤولياته كما ان له قواعد مهنية تحدد محتويات واشكال المضامين الاعلامية التي تقدم للجمهور وكذلك اخلاقيات تلك المضامين كالاخبار والصور والمقالات والتعليقات وغيرها مما لا تلتزم به وسائل التواصل الاجتماعي بالضرورة .
وقد اصبحت شركات التواصل الاجتماعي شركات عملاقة ويتركز وجودها في بلد واحد (الولايات المتحدة) وساعد انتشارها في العالم في استحواذها على الحصص الكبرى من اسواق الاعلان المحلية في كل بلد بحيث اصبحت الصحافة مهددة بسبب تراجع مداخليها .
واضافة الى الاستحواذ على سوق الاعلان ، فان هذا الامر بات يؤدي الى استنزاف العملة الصعبة كما ان الانفاق عليه يكون خارج القوانين الضريبية المحلية اضافة الى اسعاره الرمزية .
ان محتوى وسائل التواصل الاجتماعي ياتي من مساهمات الافراد مباشرة او من انتاج الشركات او من وسائل الاعلام وعلى سبيل المثال فان النسبة الاكبر من محتوى (يوتيوب) تأتي من التلفزيون ،ومن هنا صار الخلط كبيرا في اذهان العامة بين هذه الوسائل وتلك .
وساهم الانتشار الهائل لخدمات الانترنت والاقمار الصناعية في وصول تلك المضامين بسهولة الى كل اصقاع الارض ، وصار الملايين من الناس ينشرون مضامين لا اخلاقية تبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي فأصابت تلك العدوى بعض وسائل الاعلام الحديثة كصحافة الانترنت وقنوات البث الفضائي .
وبالرغم من وجود قوانين تحكم النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي (قوانين الجرائم الالكترونية) واخرى تحكم عمل الصحافة والاعلام المرئي والمسموع الا ان تلك القوانين لم تعد كافية لوحدها لحماية المجتمع والصحافة والصحافيين .
فقوانين النشر الالكتروني تجرم الاعتداء على الاشخاص والمؤسسات بالنشر عبر الانترنت ، ولكنها لا تجرم وسائل التواصل الاجتماعي عند نشرها لمضامين مشوهة او فاضحة او للتحريض على العنف والتطرف اما لعدم اختصاص المكان او لعدم الادعاء بالحق الشخصي .
وبسبب كل ما تقدم اصبحت مشكلة الصحافة والصحافيين تتعمق يوما فيوما ليس من حيث اوضاعها الاقتصادية فحسب ، بل ولسببين رئيسيين اخرين هما :
الاول : دخول الالاف من غير المؤهلين الى مهنة الاعلام خارج اطار القانون وتحت مسميات كثيرة من بينها “المواطن الصحفي” وتغولهم على المهنة والمهنيين بمخالفاتهم المستمرة للقانون ومواثيق الشرف وابتزازهم للافراد والمؤسسات والشركات وضغطهم على سوق الاعلان ، وبالتالي تشويه صورة المهنة وثقافة المجتمع .
الثاني : استخدام الدول والتنظيمات والافراد لوسائل التواصل الاجتماعي في تنفيذ سياسات وحملات لا تستطيع تبنيها من خلال وسائل الاعلام ، وقد كانت تلك الوسائل افضل سلاح للتنظيمات الارهابية في التجنيد والتمويل على سبيل المثال .
كل ذلك لا يعني ان الاعلام بخير او انه كان بخير قبل وسائل التواصل الاجتماعي فما نشاهده اليوم من ممارسات تبتعد عن جوهر الاعلام ورسالته :
– فما الذي تقدمه اكثر من 1500 قناة فضائية عربية او ناطقة بالعربية ؟؟
– من يملك هذه القنوات ولا سيما الموجهة منها عبر القطرية ، اخبارية كانت ام منوعة ؟
– هل ارتضينا بحرية الصراخ وحرية الشتم عبر الفضائيات بديلا عن حرية الاعلام .
– هل سنقبل المزيد من سلخ الالقاب على الخبراء والمتخصصين المزيفين والشتامين والمشعوذين والعرافين لتضليل الجمهور .
– ما الحكمة من وجود عشرات المحطات الدينية وسط كل هذه الفوضى ؟ اهي محطات للتنوير ام لبث الفرقة والترويج للطائفية والكراهية والخرافات .
ان الفصل بين وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تشريعيا ، بات امرا ملحا اليوم لكل الاسباب التي ذكرت واسوة بالعالم المتمدن من حولنا .
اما من الناحية الاكاديمية ، فان الجامعات ومعاهد التعليم في عالمنا العربي مدعوة اليوم للتركيز على هذا الجانب لانه استثمار في المستقبل ، فالاعلام حق عام من حقوق الانسانية في المعرفة تكفله القوانين والتشريعات حول العالم ، اما التواصل الاجتماعي فهو حق للافراد والجماعات فيما بينهم ولا يعني بالضرورة نشر محتوياته للعامة .
اعلم ان مهمة الاكاديميين ليست سهلة امام هذا التحدي الجديد ، ولكنها ليست مستحيلة كذلك .
وفي العودة الى عنوان هذه الجلسة : “السلطة الرابعة بين الاعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي ” ، ارى اننا وضعنا وسائل الاعلام التقليدية امام وسائل التواصل الاجتماعي وكأننا خلطنا بين هذه الاخيرة والاعلام الرقمي الحديث بما يشمله من مواقع اخبارية هي اشبه بالصحف ووكالات الانباء وكذلك المواقع الالكترونية للمؤسسات والمدونات الشخصية .
ان السلطة الرابعة ، وصاحبة الجلالة هما من تسميات القرن الماضي ، وهي تسميات مثالية لما يجب ان يكون عليه الاعلام بصرف النظر عن الواقع .
وارى ان اثر الاعلام والاتصال اليوم يتجاوز حدود ترتيبه كسلطة ، فهو يسبق السلطات الاخرى في كثير الاحيان . وقد رأينا فصولا من ذلك التأثير في الثورات العربية مؤخرا ، فلولا الاعلام والكاميرات المفتوحة لكان مصير الجماهير مختلفا .
ولكن السؤال الاهم اليوم، وفقا لهذا الواقع ، هو عن مدى اخلاقيات هذا السلطة . الاعلام العربي المؤثر اليوم هو سلطة بيد الاغنياء على الارجح ، تعبث بمستقبل اجيالنا في الترويج للفتن والحروب والكراهية او تقليد ثقافات اخرى وتقديمها بصورة سطحية مشوهة منفصلة عن واقع مجتمعاتنا .
هل هذه هي السلطة الرابعة ، صاحبة الجلالة اذا ؟
يقول الصادق النيهوم ان صاحبة الجلالة تكون كذلك اذا اقترنت بصاحب الجلالة راس المال . وفي غيابه تصبح سيدة من دون القاب . اما في غيابه وغياب الدخل الاعلاني فانها تصبح سيدة جائعة تعرض نفسها للبيع .
ختاما ، فانني ارى ان جزءا كبيرا من الامراض التي تعانيها السلطة الرابعة اليوم تأتي من ازدحام المنافسة غير المتكافئة اولا فيما بينها ، من حيث ملكياتها من جهة ، ومحدودية سوق الاعلان من جهة اخرى . وكذلك المنافسة غير المتكافئة ايضا ما بين وسائل الاعلام من جهة ووسائل التواصل الاجتماعي التي تملكها شركات اميركية عملاقة تمتد شرايين مداخيلها حول العالم باسعار رمزية لكنها تجمع منها المليارات فيما تتنافس وسائل الاعلام المحلية على ما يتبقى من سوق الاعلان.