ينال البرماوي يكتب :
يتضح أن المخططات التي ضبطتها دائرة المخابرات العامة هي الأخطر من بين المخططات السابقة التي استهدفت المملكة، من حيث الدقة والسرية، والذهاب إلى أبعد تفكير للقيام من خلال ممارسات غير مشروعة وتضرّ بالأمن الوطني، أياً كانت مسوّغاتها وأهدافها.
الملك كان واضحاً في حديثه مؤخراً عن وجود جماعات تتلقى أوامر من الخارج – مستدركاً من استخدام كلمة «تعليمات» – للعمل ضد الأردن بأشكال مختلفة، ما عَدَّ تحذيراً وتنبيهاً جديداً من رأس الدولة لماهية الأخطار التي تُحدق بالوطن، وضرورة العمل بأقصى الطاقات للتصدي لها، وقطع الطريق على كافة المحاولات لضرب الأمن الداخلي واستهدافه فكرياً وعسكرياً، وإثارة الفوضى بما يخدم أهدافاً خارجية وأخرى ترتبط ببعض التنظيمات.
حجم ونوع الأسلحة والمعدات والمخططات وطرق التمويه التي تم الكشف عنها يعكس مرحلة متقدمة من التفكير والتخطيط، وصولاً إلى مرحلة التصنيع لأسلحة متطورة باستخدام تقنيات حديثة، وامتلاك صاروخ وأسلحة أوتوماتيكية، والقدرة على إنتاج أخرى، مما لا يدع مجالاً للتأويل والاجتهاد حول أهداف تلك التنظيمات.
يُسجَّل لدائرة المخابرات العامة، كما هي الأجهزة الأمنية الأخرى والقوات المسلحة، احترافيتها العالية التي قادت لإحباط تلك المخططات الخطيرة بأساليب متطورة، وعقليات أمنية بخبرات تراكمية في التعامل مع هكذا ظروف.
والأهم في عمل المخابرات العامة أن خيوط المخططات ليست وليدة اللحظة أو من عهد قريب، وإنما تعود إلى العام 2021، في الوقت الذي كانت الدولة بكافة أجهزتها منشغلة بمواجهة جائحة كورونا وتداعياتها، وتم التعامل بكل هدوء وضبط للنفس مع التيقظ لعمل الخلية الإرهابية وعناصرها ومتابعتها.
طيلة تلك الفترة كانت تلك الخلايا وأفرادها تحت المجهر، إلى أن اكتملت كافة العناصر التي أحاطت بجرمية هذه الأفعال التي تمس السيادة والأمن الوطني، وتعرض الأردن ومقدراته ومواطنيه للخطر، وإيجاد حالة من الفوضى والهلع بما يخدم الأجندات الإرهابية.
القدرة الفائقة للأجهزة الأمنية على كشف هكذا مخططات وضبطها وتتبعها، والإحاطة بكافة تفاصيلها، يعزّز الثقة بالأمن والاستقرار، وزيادة الطمأنينة لدى المواطنين وضيوف المملكة، ما ينعكس على البيئة الاستثمارية والموسم السياحي، رغم اضطرابات الإقليم والظروف الجيوسياسية العالمية، سيما وأن الإعلان عن التنظيم تم بكل شفافية وموضوعية، مدعوماً بوثائق ومعززات بالصوت والصورة واعترافات عدد من المتهمين.
الكشف عن مخططات مشابهة مستقبلاً تستهدف الأردن أمر غير مستبعد، لعدة أسباب، أهمها السعي لتقويض أمنه واستقراره، وإضعاف مواقفه الصلبة والداعمة للقضية الفلسطينية، ولا يتقدّم عليه أحد في مساعيه وضغوطاته لإقامة الدولة الفلسطينية، ووقف الحرب الإجرامية على قطاع غزة، ومحاولات التهجير، وفضح ممارسات الاحتلال في كافة المحافل الدولية.
مواجهة هذه المخططات وغيرها يحتاج إلى تمتين جبهتنا الداخلية والوطنية، وعدم الانجرار وراء كل ما يقصد أمن المملكة واستقرارها، والتي يقود بعضها الكيان المحتل ويقوم بتغذيتها، ووجوب الاحتكام إلى المؤسسات والقانون في القضايا التي قد تعكّر صفو النسيج الداخلي، والعزف على أوتار بالية لا تخدم إلا مصالح الاحتلال والأجندات الخارجية، والممارسات غير المشروعة لبعض التنظيمات.
كما يجب أن يُترك للدولة وأجهزتها المختصة إدارة كل ما يتصل بالقضية، بعيداً عن تداول معلومات وتكهّنات عن قرارات محتملة مرتبطة بالكشف عن تلك المخططات، حتى لا يتم إرباك المشهد العام والتأثير على عمل المؤسسات، فعقل الدولة يختزن كثيراً من القضايا والمنعطفات الصعبة التي مرّت بها المملكة، وتم تجاوزها على أساس تحقيق المصلحة الوطنية، وفي سياق المؤسسات والقانون، ولا شيء يعلو على أمن الوطن واستقراره.
الأردن قوي بقيادته وأجهزته الأمنية ومؤسساته وعزيمة أبنائه، وتتعاظم تلك القوة بارتفاع درجات الوعي والإدراك والفهم العميق لكل ما يُحاك على الأرض الأردنية وخارجها، والتمترس في خندق الوطن، وتجاوز أي شوائب في واقعنا السياسي والاجتماعي.
الحمد لله، الأردن بخير.
الدستور