المسلسلات والأفلام.. عندما يتحدى السيناريو عقولنا
كتب :عمران السكران
من الواضح أن بعض صُنَّاع المسلسلات والأفلام لديهم قناعة راسخة بأن المشاهد ساذج، وإلا فكيف نفسر تلك المشاهد غير المنطقية التي تُعرض علينا يوميًا على الشاشات؟ تخيلوا مثلًا أن عصابتين تتبادلان إطلاق النار وسط حي سكني؛ الرصاص يتطاير، والجثث تتساقط، والمشهد أشبه بحرب شوارع، لكن المفاجأة والغريب حقًا هو أن الحي كله غارق في النوم! لا صوت لسيارة شرطة، ولا صفارة إسعاف، ولا حتى جار فضولي يطل من النافذة ليرى ما يحدث، كأن هذه المجزرة تقع في كوكب مهجور! ثم بعد دقائق، يأتي بطل العمل ليدخن سيجارته بهدوء فوق الجثث، وكأنه يتفرج على مباراة كرة قدم وليس في قلب معركة!
ثم هناك «الوصفة السحرية» للثراء السريع؛ يكفي أن يكون البطل وسيماً، ويمتلك سيارة فارهة، ولا نعرف أصل ثروته، لكنه بالتأكيد إمبراطور تجارة غير مشروعة، يقتل خصومه بسهولة، يخرج من السجن كأنه في نزهة، ويظل طوال الحلقات يوزع الأموال يمينًا ويسارًا دون أي مبرر درامي حقيقي، وفي النهاية، تكتشف أن هذا المجرم هو الطيب الذي يجب أن تتعاطف معه!
أما عن مشاهد القتل، فلا تسأل عن المنطق، البطل يمكنه قتل عشرة أشخاص دون أن تتسخ ملابسه، وإذا طُعن في مشهد درامي، فسينهض، لا تقلق، بعد لحظات معدودة وكأن شيئًا لم يحدث، بل قد يذهب لتناول العشاء مع حبيبته في نفس اليوم!
وأيضًا، أصبحت القصص والمشاهد مكررة، ويعرفها المشاهد عن ظهر غيب حتى نهاية العمل الفني، وهذا ليس فقط في الدراما العربية، بل الأجنبية أيضًا، التي أصبحت تعتمد على المشاهد المبهرة والتصوير الاحترافي لمحتوى مرئي يشد المشاهد للحظات الأخيرة بتقنيات حديثة ضمن إطار فني جميل يعتمد على الفنتازيا الدرامية، ولكن بدون مضمون أو فكر أو قضية عادلة، بهدف كسب الإعلانات وزيادة المشاهدة، حيث يتسبب كل مقطع درامي في سيل من الإعلانات التي تنسيك حيثيات المشهد الأخير، حتى «حليب أمك»، عليك أن تقف برهة من الوقت لتتذكر ما جرى في المشهد الأخير لتستأنف المشاهدة قبل أن يأتي السيل الثاني من الإعلانات.
والأعجب من كل ذلك؟ هذه الأعمال تتصدر المشاهدات، وتصبح «ترند»، ويتحدث الناس عنها وكأنها أعمال عظيمة! لكن الحقيقة أن بعض كتاب السيناريو باتوا يعتمدون على الصدمة لا القصة، وعلى المشاهد الاستعراضية لا المنطق، فالمهم هو أن يبقى المشاهد مشدوهًا، متسائلًا: «كيف حدث هذا؟» لكنهم يراهنون على أن هذا السؤال لن يمنعنا من متابعة العمل حتى النهاية.
نحن لا نطلب معجزات، فقط سيناريو يحترم عقولنا، وأحداثًا لا تتعامل معنا كأننا مجموعة من السذج.. لكن يبدو أن هذا مطلب صعب في زمن أصبحت فيه المشاهد غير المنطقية، والأبطال الخارقون الذين لا يموتون، والجرائم التي لا يعاقب عليها أحد، هي الوصفة السحرية للنجاح!
للأمانة، أحيانًا أشعر أن بعض من يقفون وراء المسلسلات والأفلام العربية وحتى الأجنبية يروننا، نحن المشاهدون، مجرد جمهور يبتلع أي شيء دون تفكير، كيف يمكن أن نفهم غير ذلك ونحن نشاهد يوميًا مشاهد تتحدى أبسط قواعد العقل؟