الوزير الطويسي ..قائدا ورائدا وفلاحا منذ البواكير
كتب: د. نضال القطامين
التعليم العالي يسير نحو العالمية… كان هذا العنوان مُفتتح محاضرة معالي الأستاذ الدكتور عادل الطويسي وزير التعليم العالي في معهد الدوحة إبّان زيارته الأخيرة لدولة قطر. لقد كان معاليه فيها وزيراً وسفيرا ورجل دولة رفيع الأداء وعميق التجربة.
أعرفه منذ زمن بعيد: قائدا ورائدا ومبادرا وفلاحا منذ البواكير، صانعاً من عراقة البترا وتلال الوادي المرتفعة فخرا وعزّة، ومتخذاً من شظف البدايات أسلوب قيادة حداثي متقدّم، فعرفه الناس تبعاً لذلك: في جامعة الحسين بن طلال مؤسساً وفي جامعة مؤتة وفي الجامعة الأردنية مبتكرا للريادة وقيادة التعليم العالي، وفي مجلس الأمة تميّزا وكفاءة، وفي كل مواقعه الوطنية: سياسياً وأكاديميا في طليعة المتميزين في الوعي وفي الأخلاق وفي العمل.
إن من الإنصاف القول – في نظرة فاحصة لمسيرة التعليم العالي الأردنية – بأن عملية إصلاح مؤسسات التعليم العالي تسير وفق الخطط والاستراتيجيات، رغم بعض المعيقات التي لا تنفصل أبدا عن التحديات التقليدية التي تواجه القطاع بشكل عام.
لقد وضعت دراسة مستفيضة أجراها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بعنوان إصلاح التعليم العالي في الأردن يدها على كل تفصيلات التحديات التي تواجه التعليم العالي في الأردن، وهي دراسة مهمة وتؤسس لحالة مختلفة تعيد مسيرة التعليم العالي في الأردن نحو مساهمتها المهمة في تطوير الاداء المؤسسي للدولة بشكل كامل، بوصف التوظيف التنموي والسياسي لمخرجات التعليم العالي ركنٌ أساسي في بناء الدولة واستدامة النمو فيها.
وتعرض الدراسة لواقع التحديات التي تمنع التعليم العالي من أداء واجبه على الشكل المطلوب، والتي تتوزع بين استقلالية الجامعات وتحدي الحاكمية فيها ومثالب التوسع الكمي في عدد الجامعات وفي تنوع التخصصات والتشابه والتكرار فيها وتشوّه نظام القبول، وضعف ممارسات ضبط الجودة وتحدي المواءمة مع سوق العمل، فضلا عن أسئلة مهمة عن بناء أعضاء هيئة التدريس وتكوينهم.
لقد أوصت الدراسة المشار إليها بجملة حزم ضمن خارطة طريق واضحة لإصلاح التعليم العالي في الاردن تبدأ باستقلالية الجامعات لتكون جامعات ذات استقلالية كاملة وفق القانون، وإعادة النظر بسياسات القبول والتخصصات والبرامج الدراسية لتوفير فرص تعليم عالٍ عادلة وذات جودة، وإعادة بناء الهيئات التدريسية والبحثية بتكوين هيئات تدريسية كفؤة قادرة على انتاج المعرفة ونقلها، والسعي لأن تكون الجامعات قادرة على الإستدامة الذاتية وعلى الإستمرار في التطوير.
إزاء هذا الملخّص لخارطة طريق إصلاح التعليم العالي في الأردن، أضيف بأن التنفيذ الفعّال يتطلب أدوات فعّالة بالضرورة.
إن وجود وزير مهني متخصص ذو تجربة عميقة على رأس هذه الأدوات يؤمن قيادة العمل واستدامته بشكل مؤسسي .
لا أحد يستطيع تجاهل الدور المحوري والهام الذي يؤسس فيه معالي الوزير لهيكلة شاملة تستوعب كل أفكار الاصلاح وخططه، ومن المفيد كذلك الإستعجال في تنفيذ توصية مهمة من التوصيات الواردة في دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، تلك المتضمنة انتقال دور وزارة التعليم العالي من الدور الرقابي والإشرافي إلى الدور التنظيمي.
تأخذ أهمية هذا الإنتقال أولوية مهمة . نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى فصل الإستثمارات التعليمية عن البيروقراطية الحكومية وعن العنتريات الفردية المغرضه غير المفيدة بل والطاردة للإستثمار.
لم يعد الزمن مناسبا لفتل العضلات، ولا لبعض الممارسات الرقابية غير المسؤولة على مؤسسات ومكاتب تعنى بالتعليم العالي تصل استثمارات البعض منها إلى الملايين وتشغل العديد من الأردنيين، هذه قوى شدٍ عكسي وعائق كبير أمام النهوض بمؤسسات التعليم العالي.
وريثما نصل إلى نهاية مسيرة الإصلاح، فإن أضعف الإيمان تحلّي المفتشون والمراقبون وفرسان تنفيذ التعليمات والانظمة والقوانين، ببعض الحكمة وبعض الرشد وبعض النصح ، وأن تكون لدى البعض منهم الكفاءة والتجربة والخبرة والتأهيل في الرقابة والتفتيش، وأن يتدرّج في استعمال صلاحياته الفضفاضة، تلك التي لا يقيدها قانون ولا تعليمات، وأن يبدأ بالتوجيه والإرشاد والنصح، قبل أن ينتضي قلمه فيسطّر إنذاراً من أول زيارة .
معالي الوزير النابه عادل الطويسي، ابن هذا الوطن من أقصاه إلى اقصاه، لا نجامل ولا نشهد بغير الحقيقة، أنت فارس التعليم العالي وربّانه وقائده، ومهمتك في السير بالتعليم العالي نحو العالمية هي مهمة وطنية ترتبط أساسا بالتنمية بكل أشكالها، وتعتني بتحضير القواعد للتميز والابداع .