شهدت الثلاثة شهور الماضية وتحديداً منذ بداية آيار 2109، تعيينات لنساء في مواقع قيادية هامة، ومن بينها وزيرة تطوير الآداء المؤسسي (ياسرة غوشة) ورئيسة ديوان التشريع والرأي (فداء الحمود)، وعضوتان في مجلس الأعيان (هند الأيوبي وضحى عبدالخالق)، وأمينة عامة لديوان الخدمة المدنية (بدرية البلبيسي)، وأمينة عامة لوزارة الخارجية (سجى المجالي).
وتبارك جمعية معهد تضامن النساء الأردني “تضامن” لجميع النساء مواقعهن القيادية الجديدة ولكل النساء العاملات في مختلف مواقعهن وفي جميع القطاعات، وتعرب “تضامن” عن ثقتها بأن النساء وخاصة الشابات قادرات على الأداء المتميز وترك بصمات إيجابية إستناداً إلى مؤهلاتهن وخبراتهن، وإن إشراكهن بمواقع صنع القرار سيسهم في تمهيد الدرب أمام مزيد من النساء للوصول إلى المشاركة الفعالة في إدارة الشأن العام كمواطنات قادرات وعازمات على تحمل المسؤولية العامة، متمتعات بكامل الحقوق المكفولة لهن بموجب الدستور الأردني والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
إن الإرادة السياسية لتمكين النساء حاضرة وبقوة، وتم التعبير عنها بوسائل عدة منها سلسلة الأوراق النقاشية التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني بهدف تحفيز الحوار الوطني حول الإصلاحات السياسية والتحولات الديمقراطية التي يشهدها الأردن، وتبرز أهمية الأوراق النقاشية جميعها في تشديدها على دور النساء الأردنيات في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، وإعتبارهن جزءاً لا يتجزأ من عمليات الإصلاح والتطوير والتغيير نحو مستقبل أفضل ، وأن عليهن واجبات ولهن حقوق تفرضها المواطنة الفاعلة وتدعمها الرؤية الملكية الثاقبة والحكيمة.
الذاكرة التاريخية للحركة النسائية في الأردن حافلة بالمحطات المهمة التي تبين مدى تقدم النساء في مختلف المجالات، منذ عقد أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي بإعتبارة نواة لمطالبات الحركة النسائية المستمرة حتى وقتنا الحالي. وقادت رابطة اليقظة النسائية (عام 1952) نضال النساء الأردنيات للمطالبة بحقوقهن السياسية إلا أن قرار حكومي قام بحلها بعد وقت قصير من إنشائها. وفي عام (1954) وبإصرار عدد من الأردنيات على المطالبة بحقوق النساء خاصة السياسية منها، تم إنشاء إتحاد المرأة العربية في الأردن الذي تقدم بالعديد من المذكرات إلى مجلس الوزراء والأعيان والنواب مطالباً فيها بمنح المرأة حقوقها السياسية ، وإتسعت المطالبات فيما بعد لتشمل النواحي الإقتصادية والإجتماعية والتعليمية والصحية.
وشهد عام 1969 تعيين أول امرأة كسفيرة، وحصلت النساء على حقوقهن السياسية بالإنتخاب والترشح عام (1974)، وعينت عام 1979 أول وزيرة أردنية، وشهد عام 1993 فوز أول امرأة أردنية لعضوية مجلس النواب، وعام 1996 تم تعيين أول قاضية. وبدأت بعد ذلك النساء بأخذ أدوارهن في مواقع صنع القرار وإن كان دون الطموح وبإجراءت التدابير المؤقتة في بعض الأحيان (التمييز الإيجابي/ الكوتا).
وعلى المستوى المؤسسي، فقد أنشئت اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة عام 1992، وأسست العديد من مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق النساء كجمعية معهد تضامن النساء الأردني، وإتحاد المرأة الأردنية، وتجمع لجان المرأة، والإتحاد النسائي الأردني العام، وجمعية النساء العربيات، وملتقى البرلمانيات الأردنيات، والملتقى الإنساني لحقوق المرأة، بالإضافة الى العديد من المؤسسات خاصة في المجتمعات المحلية. وتبنت هذه المؤسسات مجموعة من المطالب يتم تحديثها بإستمرار، وتتشارك في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للمرأة الأردنية (2013-2017). إضافة الى إعتماد الإطار الوطني لحماية الأسرة من العنف (2016)، والإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة (2014-2017)، والإستراتيجية الإعلامية لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي (2015)، وخطة النوع الاجتماعي والتغير المناخي (2011)، وإنشاء وحدة مكافحة الإتجار بالبشر (2012).
وأحرز الأردن تقدماً في مجال الإصلاح التشريعي لتعزيز حماية النساء وحقوقهن، كقانون الضمان الاجتماعي (2014)، ونظام تسليف النفقة (2015)، ونظام الخدمة المدنية (2013)، والقانون الجديد للحماية من العنف الأسري (2017)، ونظام دور إيواء النساء المعرضات للخطر (2016)، ونظام العمل المرن (2017) في القطاعين العام والخاص، وخطة تحفيز النمو الاقتصادي (2018-2022)، وتعديل قانون العقوبات (2017) الذي ألغى المادة التي تتيح للمغتصب الزواج من ضحيته والإفلات من العقاب (المادة 308)، ومنع إستخدام العذر المخفف بحق مرتكبي الجرائم بذريعة “الشرف” (المادة 98)، وعزز الحماية الجزائية لذوات الإعاقة.
وعلى الرغم من وجود عدد من التحديات التي تحول دون تحقيق تقدم كبير بحقوق النساء، كاللجوء السوري (1.3 مليون)، وإستنزاف الأنظمة الصحية والتعليمية والبنى التحتية، وإنعكاس ذلك على المجتمع الأردني الذي زادت بينه معدلات الفقر والبطالة (28.7% معدل البطالة بين النساء في الربع الأول 2019)، إلا أن الأردن يسعى الى تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 وعلى وجه الخصوص الهدف الخامس المتعلق بتمكين كافة النساء والفتيات.
ومع التأكيد على أن النساء يتأثرن ويؤثرن في جميع أهداف التنمية المستدامة 2030 وليس الهدف الخامس فقط، فإن الأردن وخلال السنوات القادمة مدعو لإجراء إصلاحات تشريعية إضافية من شأنها تعزيز المساواة بين الجنسين وتمنع التمييز من خلال موائمة التشريعات مع الإتفاقيات الدولية الموقع عليها كإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وإتفاقية حقوق الطفل.