يصعب عليّ، أن أكتب ما أكتب، فهو عن منزلين قضيت فيهما أكثر من نصف حياتي المهنية، وأراهما يتداعيان الآن، ولا أقول إنّهما آيلان للسقوط، فالترميم ممكن، والحديث هو عن صحيفتيّ :الدستور” و “الرأي” والترتيب مقصود، من حيث تاريخ الوجود…
والمناسبة واضحة، فالصحيفتان الرائدتان تتبادلان الاتهامات بشأن نشر الإعلانات القضائية، التي تواصلان رمق الحياة منها، بشأن خرق الاتفاقات الموقعة بينهما برعاية نقابة الصحافيين، في يوم نُشر فيه إعلان قضائي في الأولى يتعلّق بالبيع بالمزاد العلني للثانية…
الإعلان المحزن، يتضمّن بيعاً خلال أسبوعين لكلّ موجودات الحبيبة “الرأي”، من كومبيوترات، ومكاتب، وخزائن، ومقاعد، وكلّ ما يعنيه الوجود اليومي، وحتى ما يجلس عليه الرؤساء والمدراء فهو معروض للبيع في مزاد علني، وكلّ ذلك بمبلغ لا يصل إلى خمسين ألف دينار.
هذا هو حال “الرأي”، اليوم، وفي حقيقة الأمر فـ”الدستور” ليست في حال أحسن، وإذا لم تُنشر أخبار مزاد علني عنها، فلأنّها لا تملك شيئاً من الموجودات، وتستأجر المكان الذي كانت تمتلكه، والحديث يطول عم هذا الأمر.
نستطيع، هنا، أن نتلاوم، ونلقي الاتهامات لهذا أو ذاك. أفراداً وجهات، باعتبارهم المتسببين في الوصول إلى هذا الواقع المؤسف، ولكنّ التاريخ يشي بحقيقة لا مجال عن تغييب ذكرها، وهي أنّ الأمر لم يأت صدفة، وظلّ التراجع واضحاً للعيان يوماً بعد يوم، وليس شهراً بعد شهر، أو سنة بعد سنة، ولم نبخل لا نحن ولا غيرنا بالتحذير، ودقّ ناقوس الخطر.
لا نريد ذلك التلاوم، والتشفّي بالقاء المسؤوليات على أصحابها، ولكنّنا نبحث عن حلّ من داخل الصندوق، لأنّ خارجه يقول بتصفية الشركتين قانوناً، وعدم الاستمرار بخسارات تلحقها خسارات، وتشريد مئات الموظفين، لنصل إلى مبضع الجراح الذي يُزيل الأجزاء المريضة، ويُبقي على صحيفة أردنية مطبوعة بكل تفرعاتها الالكترونية والرقمية، وتمثّل الأردن بما فيه كم حرية ومهنية ومصداقية.
كلّنا نتغنّى بالشهيد وصفي التل، ونحاول استحضار تجاربه الناجحة، وليس سرّاً أنّه كان وراء دمج الصحف الأردنية الرئيسية الأربع، في صحيفتين، وكان ذلك في العام ١٩٦٧، وإذا كان الواقع مختلفاً تماماً الآن، والأسباب الموجبة مختلفة أيضاً، فأنا أطرح على العلن الفكرة نفسها، بدمج الصحيفتين “الرأي” و”الدستور”، والخروج بتجربة رائدة تحمل إسماً واحداً، هو :”الأردن”، ويمكن أن يحمل تحته عنواناً صغيراً:” تحالف “الرأي” و”الدستور”، وسيطغى في آخر الأمر إسم :”الأردن”، في ذهن القارئ.
كانت هناك صحيفة تحمل إسم “الأردن” لصاحبها الراحل خليل نصر، واندثرت، وعاد الراحل موسى الكيلاني لاصدار صحيفة تحمل الاسم نفسه، واندثرت، وربّما أنّ الثالثة ثابتة بتحالف قوّي صارم بين “الرأي” و ”الدستور”، برعاية ملكية، وكما جرى في قناة “المملكة” التي أحدثت فرقاً في الاستقلالية والمهنية، أن يكون لـ”الأردن” الصحيفة الشيئ نفسه.
في المسائل الإجرائية يمكن حلّ الأمور بسهولة، فمؤسسة الضمان الاجتماعي التي استفادت من الصحيفتين، وحصلت عبر التاريخ على عشرات الملايين، يمكنها أن تطفئ الديون على الصحيفتين بعد التسوية على الموجودات، والدخول إلى مرحلة جديدة
وفي المسائل الإجرائية، أيضاً، ففي يقيني أنّ الصحافيين والإداريين الموجودين في الصحيفتين قادرون على إنتاج الفكرة بمهنية وتقدّمية توصل إلى صحيفة أردنية مطبوعة متنوعة الوسائط، ومعبّرة عن الأردن والأردنيين، وبكلّ ما تحمله الرؤية الملكية لذلك…
وفي المسائل الإجرائية، أيضاً، وأيضاً، فيمكن أن تتبنّى هذه الفكرة الحكومة، التي تملك أذرعاً طويلة، فتصدر القرار التاريخي الذي لن يجعل من صحافي أو عامل خارج وظيفته، وفي مطلق الأحوال فهذا تفكير داخل الصندوق، وضمن الواقع الحقيقي، أمّا الذين سيعارضون من أجل الحفاظ على كراسيهم الهزازة، فلهم دين ولي دين، ويبقى أنّ هناك صحفاً خاصة لها وجودها، ودون وجود للضمان الاجتماعي، فستظلّ قائمة عامرة بالتنافس المهني، وللحديث بقية!