لم يكن دافعي لكتابة هذا المقال مجرد رد فعل عابر على بعض الأصوات التي خرجت مؤخراً تهاجم الأردن وتُقلل من دوره التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، بل هو إحساس عميق بالواجب الوطني لتبيان الحقيقة وسط موجات من التشويه المتعمد والافتراء الممنهج.
إنكار الفضل الأردني، وتجاهل التضحيات الكبيرة التي قدمها هذا البلد، لا يمكن اعتباره سلوكاً بريئاً. فالهجوم على الأردن وجيشه وأجهزته الأمنية ونسيجه الوطني، يأتي ضمن حملة أوسع هدفها تقويض الدور الأردني الذي لطالما كان صلباً، واضحاً، وعصيّاً على التزييف.
منذ عقود، والأردن يتصدر الصفوف الأمامية في الدفاع عن فلسطين، ليس بالشعارات، بل بالدماء والمواقف. شهداؤه في باب الواد واللطرون واللد والرملة والقدس هم شهود أحياء في ذاكرة الأمة، وفي مقدمتهم الملك المؤسس عبدالله الأول الذي ارتقى شهيداً على أبواب المسجد الأقصى، وحفيده الملك الحسين بن طلال، الذي حمل راية الدفاع عن القدس طوال حياته.
في معركة الكرامة، أعاد الأردن للأمة كرامتها، ولقن الاحتلال درساً لا يُنسى. واليوم، يعيد هذا الدور نفسه في ظل العدوان الغاشم على قطاع غزة والضفة الغربية. الأردن بقيادة الهاشميين لم يكتفِ بالإدانة، بل فتح جبهة استنزاف حقيقية عبر تحركات سياسية ودبلوماسية وعسكرية أربكت حسابات الاحتلال.
من ينكر هذا التاريخ، أو يحاول طمسه، إنما ينكر الحقيقة الواضحة كالشمس. فالقوات المسلحة الأردنية ليست مجرد مؤسسة عسكرية، بل هي درع الأمة، وعقيدتها متجذرة في الإيمان بعدالة القضية الفلسطينية وواجب نصرتها.
لم يكن موقف الأردن يوماً موقفاً طارئاً أو استعراضياً، بل هو امتدادٌ طبيعي لدور تأسس مع نشأة الدولة واستمر بتكامل مع الوجدان الشعبي الأردني، الذي يرى في فلسطين قضيته المركزية ومحراب نضاله.
اليوم، في زمن الضجيج الإعلامي والتسويق للخيبة والتخاذل، يظل الأردن وفياً للمبدأ، متمسكاً بالثوابت، صامداً أمام رياح التجني والتشكيك. وليس من الوفاء أن يُقابل هذا الثبات بالنكران، ولا من العدل أن يُهاجَم بلدٌ قدّم الكثير، وما زال، في وقت غابت فيه المواقف الصلبة.
ختاماً، سيبقى الأردن – رغم حملات التشكيك – صخرة تتكسر عليها أطماع الاحتلال، ودرعاً لا ينكسر في وجه المؤامرات. لأنه ليس مجرد دولة، بل إرث من الصمود، وإيمان راسخ بأن فلسطين ستبقى بوصلة الكرامة، وأننا باقون على العهد حتى التحرير.
