عوني الداوود
غريب جدًا ما يرتكب من قرارات تضرّ بالصحافة الورقية، في وقت لا زالت فيه هذه الصحف ورغم كل ما تعرضت له من تراجع في الايرادات لاسباب لا يتسع المقام لذكرها.. لا زالت هذه الصحف الورقية تحديدا تشكل الركيزة الاساسية وخط الدفاع الاول والموثوق لدى كافة جهات الرصد الاقليمية والدولية لتوجهات الدولة ورسائلها الداخلية والخارجية.. ولا زالت تحظى – بالاضافة الى وسائل الاعلام الرسمية – بالمصداقية وبثقة الجمهور.
يوم أمس..وفي الوقت الذي أبدى فيه كثير من السادة النواب امتعاضهم مما يرتكب من جرائم الكترونية باتت تتطلب تغليظا للعقوبات، اتخذ قرار يفتّ من عضد مداميك الصحافة الورقية التي كانت ولا زالت تقف – أكرر رغم الظروف الصعبة التي تمر بها – في مقدمة الصفوف الأولى في الذود عن قضايا الوطن والمواطنين والأمة.
إقرار «المعدل لقانون الشركات2022» يوم أمس حرم الصحف الورقية ونقابة الصحفيين من ايراد مهمّ كان يتأتى من «الاعلانات الصادرة عن مراقبة الشركات».. وقبلها بأسابيع أعيد طرح قانون أثار ضجّة حين صدوره في العام 2018 يتعلق بالاعلانات «القضائية الالكترونية «، لم يتم تفعيله في ذلك الحين بعد تحرك ادارات الصحف ونقابة الصحفيين وتجاوب الحكومة السريع آنذاك دعماً للصحف.
اليوم..ورغم كل التصريحات الحكومية والنيابية التي تتحدث عن أهمية ودور الاعلام المسؤول والرزين في مواجهة الفضاء الإلكتروني والفوضى الخلاّقة والذباب الالكتروني وتزايد الجرائم الالكترونية..لا يلمس القطاع الإعلامي على أرض الواقع ما يؤكد أو يترجم تلك الأقوال إلى دعم بالأفعال، بل ان الواقع يؤكد عكس ذلك.
المشكلة في التعاطي مع الإعلام الأردني عموما والصحف الورقية خصوصا يمكن تلخيصه ببعض النقاط منها:
1 -عدم وجود رؤية استراتيجية واضحة للإعلام الذي نريد على مستوى الدولة..فما يجري أقرب إلى «العزف المنفرد المتقطّع»، حكومة تدعم، وأخرى غير معنية، قرار لحكومة يلغي اشتراكات الصحف ثم قرار لحكومة يعيدها، قرارات ترفع سعرالاعلان الحكومي بالكلمة من 65 فلسا الى 100 فلس ثم الى 250 فلسا وصولا الى 550 فلسا ثم الى دينار.. وبجهد متعاقب لنقابة الصحفيين على مدى سنوات سابقة ومتابعات رؤساء التحرير وإدارات ومجالس إدارات وحتى الصحفيين أنفسهم وجميع العاملين في الصحف.. ثم تأتي قرارات صادمة تهدّ كل هذا الجهد، وكأنها تلغي تلك القرارات بصورة غير مباشرة وتحرم الصحف من إيرادات إعلانات مراقبة الشركات و»الإعلانات القضائية الالكترونية».. على الرغم من أن أثمان تلك الاعلانات لا تدفعها الحكومة.
2 – ندرك تماما في المقابل أن مثل هذه التشريعات والقوانين لم تظهر فجأة، وكان يجب متابعتها مبكرا من قبل كافة الجهات المعنية والمتضررة من نتائجها النهائية، كما ندرك ضرورة دور المؤسسات الإعلامية والصحفية تحديدا في البحث عن بدائل لإيراداتها ومواكبة التحول الرقمي والالكتروني وولوج عالم الذكاء الاصطناعي..وغير ذلك، لكن كل هذا يحتاج بداية الى دعم حكومي ونيابي ومجتمعي حتى تتمكن هذه الصحف الوطنية من مواكبة كل تلك التطورات ولتبقى قادرة على أداء رسالتها في خدمة الوطن وقضاياه داخليا وخارجيا.
3 – الدراسات التي تشير إلى تراجع الصحف الورقية من حيث (اعداد الطباعة والتوزيع والإيرادات) تشير معظمها ايضا الى حقائق تؤكد الى انها لا زالت مؤثرة في صناعة الرأي العام وأن أكثر من 80 % من محتوى الإعلام الإلكتروني والفضائي والصوتي ومنصات التواصل الاجتماعي أساس مصادره «الورقي» وجلّ من يصنع محتواها صحفيو الورقي.
لست هنا بصدد التوسع في الحديث حول جدلية الصحافة الورقية مع إشارة أخيرة الى أن دولا أكثر منّا تقدما في الإعلام الإلكتروني لا زالت فيها الصحف الورقية متألقة ومؤثرة وتحظى بدعم تلك الدول (مالياً ومعنوياً) إدراكاً منها بأن دورالصحف لا يزال مهمّا وضروريا والشواهد على ذلك كثيرة..ولذلك علينا في الاردن أن نجيب عن سؤال يتكرّر دون اجابة عملية : هل لا زلنا نريد و/ أو نحتاج الى صحف ورقية؟ واذا كان الجواب (نعم) نسأل: لماذا لا يتم دعمها؟ أمّا كيف ندعمها فالخطط والتصورات التي قدمت من الصحف تملؤ أدراج الحكومات المتعاقبة.
باختصار: إنقاذ الصحف الورقية لا يحتاج لأكثر من جلسة (جادّة) بين كل الجهات المعنية لتقرّر وتنفّذ.. وان لم يتحقق (الدعم) فعلى الأقل لا داعي لـ( هدم) ما تحاول الصحف بناءه وسط أعاصير من التحديات.