وقفات سعيد التل
فهد الخيطان
بعد مسيرة حافلة بالعطاء،توقف الدكتور سعيد التل ليمضي عمره المديد متأملا في عقود وسنوات طويلة مرت عليه وعلى بلادنا، فاختار أن يلخص تلك الرحلة بوقفات ترصد محطات تاريخية ومفصلية من حياته.
لم يشأ الدكتور التل أن يسمي كتابه الذي صدر حديثا بالمذكرات، بل وقفات يدون فيها مايعتقد أنها المفاصل الأهم في حياته. وعلى ثراء تجربته ورحلته في العمل العام، يحافظ سعيد التل على تواضعه على خلاف ساسة يعتقدون أنهم صاغوا التاريخ والأحداث المهمة، ولهذا يقول في توطئة الكتاب إن هذه المواقف والاعمال ليست مميزة، ذلك أن نسبة غير قليلة من المواطنين الأردنيين عاشوا أو قاموا بمثلها،ولو وثقوا هذه المواقف والأعمال لشكلت جانبا مهما من الذاكرة الوطنية الأردنية .
سعيد التل ابن عائلة أردنية كان لرجالها دور مركزي في كل مراحل التاريخ الأردني الحديث، عائلة قدمت شهيد الأردن الكبير وصفي التل، شقيق سعيد وتوأم روحه،وأعطتنا قامة شعرية ليس لها مثيل، والد سعيد ووصفي شاعر الأردن عرار مصطفى وهبي التل .
لوالده تأثير ملحوظ في شخصيته، يرصد في الكتاب جوانب عدة لهذا التأثير من خلال مواقف وأحداث عايشها برفقته. لكن في حياة سعيد حادثان مزلزلان تركا أثرا بالغا على شخصيته، وربما جعلا منه شخصا متأملا على الدوام، حادث في الصغر وآخر في الكبر.
الأول فقدان شقيقه شاكر طفلا صغيرا بعد أن قضى في حادث غرق بساحة منزل العائلة. ذكرى شاكر لم تفارقه حتى يومنا هذا ويظهر ذلك جليا في صفحات الكتاب. الحادث الثاني استشهاد وصفي،بكل مايمثله من قيمة وطنية وسند شخصي له.
يستعرض الدكتور سعيد في وقفاته سيرته مع التعليم والعلم، وهو الأكاديمي الذي نال شهادة الدكتوراة من الجامعات الأميركية، بعد تجربة دراسية في جامعة القاهرة نال خلالها شهادة البكالوريوس.
لم يكن سعيد ابن عائلة ميسورة، لكنها دون شك عائلة تقدر قيمة العلم، وتسعى إليه بكل جدية، فالوالد شاعر، والأشقاء جميعهم نالوا مراتب علمية مرموقة. وفي مسيرته مع العلم تدرج سعيد في كل المواقع القيادية بوزارة التربية والتعليم إلى أن بلغ قمتها وزيرا، ثم تقلب على مواقع وزارية أخرى؛تعليم عال وإعلام في عدة حكومات.وخلال هذه المسيرة توثقت صلته بالملك الراحل الحسين،وانخرط في الفريق السياسي للدولة شريكا في صناعة السياسات، وصياغة المشاريع الفكرية والسياسية من منطلق إيمانه بالدولة ونظامها السياسي وانفتاحه على التجارب الديمقراطية للدول المتقدمة.
وفي مسيرته التربوية ترك بصمات ماتزال حاضرة حتى يومنا هذا، يروي في كتابه ظروف ولادتها، ليذكرنا بزمن العطاء لأجيال من رجالات الدولة الأردنية.
لكن سعيد يقف عند محطات وأحداث خطيرة وحساسة في تاريخ الأردن ويروي تفاصيل لم يسبقه إليها أحد بحكم قربه من وصفي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
يبدو أن الدكتور سعيد حرص على اصدار هذا الكتاب لا ليروي سيرته فقط، بل ليقدم شهادة تاريخية منصفة بحق الشهيد وصفي التل للرد على محاولات البعض لتشويه مواقفه، أو النيل من ولائه للملك حسين.وهنا يسهب أبو نواف في تحليل المشهد السياسي في الأردن قبيل وبعد أحداث السبعين، وعلاقة وصفي بالمقاومة الفلسطينية، وموقفه من دورها العسكري والسياسي في الأردن. ويكشف الكتاب عن موقف وصفي من عرضين تقدم بهما ضباط بالجيش ومبعوث من فصائل فلسطينية، كان شاهدا عليهما. وفي رد وصفي يتجلى الانتماء الخالص والنقي للأردن وللنظام الهاشمي باعتباره الركن الركين للدولة الأردنية.
لن أفسد على المهتمين بمعرفة التفاصيل الجوانب المثيرة لهذه الأحداث وأترك لهم متعة القراءة والتأمل.
الغد