شهر رمضان.. محطة استزادة إيمانية تعين على مواجهة مصاعب الحياة
بترا- بشرى نيروخ
بترحيب وفرح عارمين، يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك، ذلك الشهر الذي فضله الله على سائر الشهور، ففيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وتتآلف القلوب وتتنزل الرحمات وتستشعر النفوس الصائمة الصلة برحمة الله تعالى وكرمة الذي يفيض على عباده في هذا الشهر الفضيل.
ويقتنص المسلمون هذه الفرصة العظيمة للتزود بالإيمان والتقوى، وتطهير قلوبهم من آثار الذنوب والآثام، فيعيدون تهيئة نفوسهم، وترتيب أوراقهم، وبرمجة أوقاتهم، والإكثار من الدعاء والطاعات؛ لتعينهم على مواجهة مصاعب الحياة، فتشد الهمم للوصول إلى أعالي القمم.
علماء بينوا في أحاديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن المسلمين يحتفون بقدوم هذا الشهر لما فيه من خيرات حسان لا تجتمع إلا في شهر رمضان، وأنه على المسلم استغلال هذه الأوقات المباركة بالعزيمة والهمة العالية بالطاعات والعبادات لتزكية النفوس واتقاء المعاصي، وعدم الانشغال بما لا فائدة فيه بإضاعة الوقت والجهد والمال.
سماحة مفتي عام المملكة الدكتور أحمد الحسنات، قال، “عاد شهر رمضان واستدار الزمان دورته الفلكية المعتادة، واستبشرت قلوب المسلمين بعودته مرة أخرى بمصابيح القربات والطاعات، مستذكرين فرحة النبي -صلى الله عليه وسلم- باستقبال الضيف الكريم وهو يقول: (اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربنا وربك الله)”.
وأضاف: لقد أقبل الضيف الكريم بأنواره وبركاته، والواجب على المسلمين أن يعرفوا قدره، وأن يكرموا وفادته، وقد وكل الله تعالى مناديا ينادي عند حلول أول ليلة منه: “يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أدبر”، فيكون اللقاء الطيب بين المسلم ورمضان موعدا للتوبة من الحوبة، والعودة إلى الصراط المستقيم، والعزم على استئناف الأعمال الصالحة، والتخلص من الآثام الماضية ونزغات الشياطين.
وأكد أن شهر رمضان فرصة نادرة يمنحها الله تعالى للإنسان؛ لأنها نفحة من نفحات الرحمة الإلهية التي تستوجب منا التعرض لها من أجل استئناف حياة إيمانية جديدة، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:(تعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده)، فباستثمار الوقت واغتنام فرصة الشهر الكريم، يستطيع الإنسان أن يعدل وضعه، ويعوض خسارته وينتشل نفسه من آثام الخطايا والذنوب التي لحقته طوال عامه.
وقال إن الخير في مجتمعنا كبير، وكثير من الناس يستأنفون حياتهم الطيبة في رمضان، ويجددون التوبة مع الله -عز وجل- ويقلعون عن المعاصي والآثام، ويعزمون على عدم العودة إليها، ويتدربون في هذا الشهر الكريم على الخير وممارسة الطاعات، فيكون لهم فرصة للتصحيح، والمراجعة والأمل بالحصول على الجائزة العظمى ألا وهي الجنة.
وبين أن من يصوم رمضان إيمانا واحتسابا، ويتدرب فيه على عمل الطاعات وتقديم المساعدات، ويقرأ القرآن ويحفظ اللسان، فهو قادر على العمل المنتج، وقادر أيضا على كبح جماح شهواته وملذاته، وينطلق الصائم نحو الخير والفضيلة، وهذا هو التحدي الذي تواجهه الأمة الإسلامية في كل زمان ومكان، قال صلى الله عليه وسلم:(من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
ولفت إلى أن الصائم الطائع لله تعالى، يستشعر مراقبة الله تعالى له في كل مجالات حياته، ويحاسب نفسه على ما تقدم من فعلها، وهو بذلك يكون قد بدأ في أول مراتب الإصلاح وعلاج النفس وشهواتها، ذلك أن للصوم مهمة تربوية أخلاقية تغير السلوك في الإنسان، تغييرا حقيقيا صحيحا، كما يجب أن يشعر الصائم بهذا التغيير، ويشعر الآخرون به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث حينئذ ولا يصخب، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، إني امرؤ صائم).
مساعد الأمين العام للتوجيه الإسلامي ومدير الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور إسماعيل فواز الخطبا، قال :”يطل علينا شهر رمضان، وقد ازداد شوقنا إليه، واشرأبت أعناقنا لرؤية هلاله، فهو شهر الخيرات والبركات، والرحمات والتوبات، فيه تمحص الذنوب، وتكفر الخطايا، وتعتق الرقاب من النار، وفيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار. وتصفد مردة الشياطين، وينادي يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر (فمرحبا بالوافد الكريم)”.
وبين أن من السنة في استقبال شهر رمضان أن يقول المسلم إذا رأى الهلال : ( الله أكبر. اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضا، ربي وربك الله). وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى هلال رمضان قال: ( هلال رشد وخير، هلال رشد وخير، آمنت بالذي خلقك).
ولفت إلى أن المسلمين يحتفون بقدوم هذا الشهر لما فيه من خيرات حسان لا تجتمع إلا في شهر رمضان، ولذلك كان -صلى الله عليه وسلم- يذكر أصحابه -رضي الله عنهم- بدخول شهر رمضان، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم).
وأوضح أن من لطائف استقبال شهر رمضان التهنئة بقدوم شهر القرآن والصيام. فيهنئ المسلم أهله وجيرانه وأصحابه والمسلمين بأن يقول:” جعل الله هذا الشهر مباركا علينا وعليكم، وأبشر بشهر مبارك علينا وعليكم”.
وقال إنه حري بنا بعد ثبوت هلال شهر رمضان المبارك أن نعقد العزم على التوبة؛ مما مضى من الذنوب، وأن نستقبل شهر رمضان بالطاعات، والتخلي عن السيئات، فإن قوله صلى الله عليه وسلم (أظلكم شهر كريم…) يحمل معاني الظل الظليل، بتصفيد الشياطين، وفتح أبواب الجنان، وتغليق أبواب النيران، ذلك لأن الناس تتسارع إلى الظل عند اشتداد الحر، فكأننا في الشهور التي سبقت رمضان أصابتنا نيران المعاصي، فلنسارع إلى ظل الطاعات لتكفير السيئات ونيل الدرجات في الجنات عند رب الأرض والسموات.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم في كلية الشريعة في جامعة آل البيت الدكتور عماد الخصاونة، قال، يستقبل المسلم شهر رمضان ليعيش حياة جديدة وطيبة ومباركة، تسمو به الروح، وتطمئن به النفس، هدفه الاعلام بفضل الله العظيم على هذه الأمة بهذا الشهر الفضيل لانه قد شرف ببدء نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأضاف: فلما كان نزول القرآن الكريم لقصد تنزيه الأمة وهديتها ناسب أن يكون التطهير والتنزيه في هذا الشهر المبارك، فيجب على المسلم استغلال الأوقات المباركة بالعزيمة والهمة العالية بالطاعات والعبادات لتزكية النفوس واتقاء المعاصي، وعدم الانشغال بما لا فائدة فيه بإضاعة الوقت والجهد والمال.
وأوضح أن رمضان وصفه الله -سبحانه وتعالى- بقوله ((أياما معدودات)) لا يحتمل التقصير في العبادات، ولا الفتور في الطاعات، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- قدوتنا بالاجتهاد في الطاعات والعبادات في نهار رمضان وليله، قال ابن عباس رضي الله عنه (( كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة )).