صدور موسوعة الجنسانية العربية والإسلامية قديما وحديثا للدكتور بني يونس
الكتاب الأول :بحوث ودراسات نقدية عامة
مجموعة من الباحثين
إعداد وإشراف: أ. د. محمد عبد الرحمن يونس
الطبعة العربية الأولى، حزيران، يونيو 2018 م
الناشر: دار إي ـــ كتب e-kutub
لندن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الباحثون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـــــ. د. أشرف صالح محمد سيد. Dr. Ashraf Salih Mohamed Syed
2 ـــــ أ. جعفر كمال. Jaafar Kamal
3 ـــــ د. زينب بن هلال. Dr: zaineb BENHELLAL
4ـــــ أ.د. م. سعيد عبد الهادي المرهج. Dr.Saeed Almurhij
5 ــــ أ.م . د. عايدة حوشي. Dr Haouchi Aida
6ـــ أ.د. م. فريدة مولى Farida Moulla . Dr
7 ــــ أ. د. محمد عبد الرحمن يونس .
Mohammad Abdulrahman younes professor :
8 ــــ أ.معينة سليمان عبود ـ Mueena Solaeman Aboud
9 ـــ أ. المهدي نقوس. Mehdi NAQOS
10 ــــ أ.د.هند عباس علي الحمادي.Dr.Hind Abbas Ali Alhumady
الإهداء
نهدي هذا الجزء الأول من هذه الموسوعة إلى
الأصدقاء الأعزاء:
الأستاذ الدكتور تيسير عبد الجبار الآلوسي، رئيس جامعة ابن رشد في هولندا.
الأستاذ الدكتور حسين الفراجي, رئيس الجامعة العربية النمساوية في فينا.
الأستاذ الدكتور سعيد عبد الهادي المرهج ، معاون عميد كلية دجلة الجامعة في بغداد.
عربون وفاء ومحبة لهؤلاء الأصدقاء الباحثين المثقفين التنويريين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة الكتاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
الجنسانية مشروعا معرفيا ونقديا في الكتابات القديمة، وفي الدراسات والبحوث الحديثة .
أ. د. محمد عبد الرحمن يونس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجسّد الجنسانية العربية والإسلامية ظاهرة مهمة جدا في تراثنا العربي القديم، وعلى الرغم من حساسية البحث في أصولها و مظاهرها، و أسباب وجودها و تدوينها، و تدوين أخبار نسائها و رجالها في الخطابات التاريخية الإسلامية و الفقهية، الكلاسيكية الأدبية، فإنّ هذا لم يمنع شيوخا أجلاء، وأئمة مساجد، وفقهاء أصوليين من البحث فيها، وتدوينها، و الحديث عنها بحرية و جرأة معرفية كبيرة، و هذه الجرأة دليل على فسحات الحريّة الفكرية و المعرفية التي عايشها هؤلاء الشيوخ و الفقهاء الأجلاء مقارنة بفسحات الحريات الضيقة في عالمنا العربي المعاصر.
و على الرغم من الخوف و الحذر المعاصرين في كشف مظاهرها، و دورها في حياة المجتمعات العربية المعاصرة، و توظيفها في الخطابات الأدبية، إلاّ أننا نجد أن هناك كتابا، رجالا ونساء، خرقوا هذا الخوف و هذا الحذر، و انتقلوا بها من حقلها التاريخي و الفقهي و الكلاسيكي، ليوظّفوها في خطاباتهم الإبداعية المعاصرة، سواء أكانت شعرا أم قصة أم رواية أم مسرحا، توظيفا على غاية عالية من الجرأة، بلغت أحيانا حدّ الوصف الإيروتيكي الصريح لطبيعة العلاقة الإنسانية و الجمالية بين الرجال والنساء، و أحيانا أخرى بدت محتشمة و خائفة، و تنحو منحى في الترميز، تتخفّى وراءه، خوفا من عدّة مواضعات اجتماعية وسياسية أحيانا، و دينية و أخلاقية أحيانا أخرى.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن مجلة الناقد التي كانت تصدر في لندن، كانت هي الرائدة من بين المجلات العربية، التي اجترأت، و طرحت موضوع الجنسانية بتعدد مظاهرها و حالاتها في الكتابات التاريخية، و الكلاسيكيات الإسلامية و الفقهية، و كذلك في التراث القصصي العربي، وكانت مساهمتي في هذا العدد ببحث موسوم بـــ (( عن مجتمع” ألف ليلة و ليلة” وجدل الجنس والسلطة: ثقب الروح و البكارة))(1) ،بداية للتفكير بإنجاز كتب عن مظاهر الجنسانية في التراث الحكائي القديم، و تحديدا في حكايات ألف ليلة و ليلة.
و قد دفعني هذا الاهتمام و التفكير إلى أن أسهم في إنجاز بحوث جديدة في هذه الظاهرة المعرفيّة المهمة جدا، و الخطيرة و المعقّدة تارة، و المثيرة الجذابة تارة أخرى. و كان عليّ قبل ذلك أن أجد ناشرا ينشر ما أكتبه، إذ لا جدوى من تأليف أي كتاب إن لم يجد ناشرا له، لأن قيمة النصّ الأدبي و الفكري تزداد أهميتها بتعدد قرائه و تداوله، و إفادة الدارسين منه، و خاصة طلاب الدراسات العليا في شعبتي الماجستير و الدكتوراه.
و بطريق المصادفة تعرّفت على دار نشر: إي ـــ كتب في لندن، و تحديدا على السيدة الكريمة شموس الصراف، المسؤولة في هذه الدار، ثمّ نشرت في ما بعد كتابا لدى هذه الدار بعنوان: (( أسطورة شهريار وشهرزاد في الخطاب الشعري العربي المعاصر))(2) . و بعد نشر كتابي هذا اقترحتُ على السيدة الصراف نشر كتاب بعنوان: الجنسانية العربية والإسلامية ـــ قديما وحديثا، على أن يكون هذا الكتاب عملا مشتركا، بيني و بين أصدقائي من الباحثين و الكتاب الأكاديميين الذين ينتمون إلى جامعات و مراكز بحث علمي عربية، و الذين لهم خبرات سابقة في التأليف و النشر، فما كان من هذه السيدة الكريمة إلا الموافقة على نشر الكتاب، حين الانتهاء منه.
و كما هو معروف في مشروع التأليف الجماعي، من حيث أن المشرف على المشروع يستدعي أصدقاءه المقربين جدا، و الذين يجد فيهم رحابة عقلية، و فسحة من الحرية في التعامل و الحوار والنقاش المعرفي و العلمي، و فضاء ثقافيا، يلتقي بأبعاده المعرفية و الفكرية مع فضائه المعرفي الخاص، كان عليّ أن أقترح مشروع كتابنا هذا على مجموعة من أصدقائي المقربين الذين تربطني بهم أواصر صداقة و احترام عميقين، كوننا عملنا معا في جامعات واحدة، أو نشرنا معا في مجلات أكاديمية واحدة، أو التقينا معا في مؤتمرات و ندوات أدبية تهتم بالأدب و النقد الأدبي.
و في البداية كنت مترددا و خائفا من عرضي هذا لأنه قد لا يجد صدى طيبا، وقبولا منهم، أو ربّما يستنفر بعضهم لومه و تقريعه على اختياري هذا الموضوع الذي تُعدّ الكتابة فيه محرّمة، و ضربا من الخوف و ا لقلق و الحذر، إلاّ أن خوفي هذا سرعان ما تبدد حين لاقت فكرة مشروعي قبولا طيبا، و استحسانا كريما من هؤلاء الأصدقاء الكتاب الذين كتبوا معي، باستثناء أستاذ جامعي، كاتب صديق ، إذ لامني على هذا المشروع، و نهاني عنه، لأنّه ربّما قد يسبب لي متاعب في المستقبل، و بخاصة في الوسط الأكاديمي الجامعي الذي عملت معه سابقا، و أعمل معه حاليا، ونبّه إلى خطورة هذا المشروع لأنّ الوسط الاجتماعي الذي نشأت فيه، و تربيت، سيكيل لي التهم المتعددة التي لن أسلم منها.
و بدأنا الكتابة، و تركت لهؤلاء الأصدقاء اختيار المواضيع التي يرون أن البحث فيها يقدّم فائدة أو جديدا، و من دون أن أتدخّل أبدا في فرض أي بحث أو موضوع أرى أن البحث فيه مهما، و يضيء جوانب مهمة في كتابنا.
إن كتابنا هذا يضمّ أبحاثا لكتاب وأكاديميين من: العراق و مصر وسوريا والجزائر و المغرب، و هؤلاء الكتاب هم: سعيد عبد الهادي المرهج ، و هند عباس علي من العراق، و: أشرف صالح محمد سيد من مصر، و : محمد عبد الرحمن يونس، و معينة سليمان عبود من سوريا، و: عايدة حوشي، و فريدة مولى، و زينب بن هلال من الجزائر، و: المهدي نقوس من المغرب، و: جعفر كمال، الأديب العراقي المقيم في لندن.
وأحب أن أشير إلى أن ترتيب موضوعات الكتاب جاء بحسب الترتيب الألفبائي لأسماء البحوث المنشورة في الكتاب، و ليس بحسب أسماء المؤلفين، و هذا نظام معمول به في كثير من الموسوعات والكتب المنجزة بشكل جماعي.
و أرى أن هذه الموضوعات التي كتبها زملائي الباحثون على غاية من الأهمية و التميّز في طرح كثير من القضايا المعرفية، و المظاهر الاجتماعية و الإنسانية والأخلاقية المرتبطة بموضوع الجنس و الجنسانية، سواء أكانت هذه الجنسانية مبثوثة في الخطابات الفقهية و التاريخية، و الحكائية القديمة، أو في الخطابات الإبداعية المعاصرة، و تحديدا في الخطاب القصصي، والروائي العربي المعاصرين.
وقد جاء ترتيب الموضوعات في الكتاب على الشكل التالي:
1 ـــ الأبعاد والدلالات في الألفاظ الجنسانية في ذكريات ومواجع على ضفاف عدن للقاص محمد عبد الرحمن يونس .
أ. د.هند عباس علي / العراق.
2 ــــ تمظهرات الجنسانية الأنثوية بين الشبقية والطهرانية ـــ رواية “نساء كازانوفا” لواسيني الأعرج /أنموذجا. د. زينب بن هلال / الجزائر.
3 ـــ الجنس بين الكبح وسقوط المحرمات . المهدي نقوس / المغرب.
4 ــــ الجنسانيّة في السينما العربية، السينما المصرية ( أنموذجا)
معينة سليمان عبود ـ / سورية .
5 ــــ الحب والجنس في كتابات الفقهاء والشيوخ. أ.د. محمد عبد الرحمن يونس ./ سورية
6 ــــ دلائلية الخطاب الجنسي في روايات: التفكك/ عرس بغل / سوناتا لأشباح القدس ـ بين المشهدية الجنسية والتظهير ـ د/ عايدة حوشي/ الجزائر.
7 ــــ الشخصية الإشكاليّة المادية في الرواية العربية رواية: لحظة القبض على حشاش ، أنموذجا . أ. جعفر كمال / لندن.
8 ــــ سعار الشبقي والجنساني في حياة ملوك ألف ليلة وليلة وسلاطينها ـــــ دراسة نقدية في متن بعض حكايات ألف ليلة وليلة . أ.د. محمد عبد الرحمن يونس/ سورية.
9 ـــــ الشذوذ الجنسي في مصر خلال عصر سلاطين المماليك
سلوك العامة نموذجًا (1250 – 1517م). د. أشرف صالح محمد سيد./ مصر.
10 ــــ صورة المرأة في مرويات العصور المتأخرة ــ قراءة سيميائية في كتاب ابتلاء الأخيار بالنســاء الأشرار. أ.د. م: سعيد عبد الهادي المرهج./ العراق.
11 ــــ قراءة في كتاب: الحب بين المسلمين والنصارى في التاريخ العربي. : أ. د. محمد عبد الرحمن يونس
12 ــــ الماهية الأنثوية بين الخطابات الشبقية والخطابات الصوفية. أ.د. م. فريدة مولى /الجزائر.
و نشير في هذه المقدمة إلى أهم ما جاء في هذه الأبحاث من مضامين و رؤى معرفية وفكرية، تناولها الباحثون بالدراسة والنقد والتحليل.
في بحثها الموسوم بــ: (الأبعاد والدلالات في الألفاظ الجنسانية في ذكريات ومواجع على ضفاف عدن)، تدرس الدكتورة هند عباس علي لغة القاص محمد عبد الرحمن يونس, من خلال بعدها الجنسي المكلل بالسخرية والامتعاض من سلوك الشخوص أبطال قصصه و إدانتها لمظاهر الانحراف التي وسمت سلوك هؤلاء الأشخاص و تصرفاتهم، و رؤيتهم للحياة و الكون ، وترى أن المرأة هي الثيمة الأولى الحاضرة في قصصه، و هي المحور الرئيس لكثير من قصصه, ومن خلال وجودها يدين و يرفض الكثير من الظواهر الاجتماعية غير الإنسانية الموجودة في عالمه المحسوس , وترى الباحثة أن القاص اعتمد في خطابه القصصي لغة عالية فصيحة تشير إلى ذائقة جمالية و وعي فكري وفني، استطاع من خلاله أن يجذب القارئ نحو إبداعه , و رأت أن سرده القصصي يتشكّل من خلال منظومتين لغويتين:
1- منظومة لغوية ذات مستوى معياري وهي تضم لغة الأدب , ولغة الأفراد ممن هم من الطبقة المعرفية العالية .
2- منظومة لغوية ذات مستوى عام تضم المفردات الدخيلة والمعرّبة , والمفردات الأجنبية , والمفردات اليومية الدارجة .
وقد ركزت في بحثها على دراسة المفردات الجنسانية وفق منظومتين : منظومة المفردات الجنسانية الصريحة, ومنظومة التراكيب الجنسانية الصريحة ، و ذلك من خلال علاقة الرجل بالمرأة، و تحديدا علاقة الحبّ و الجنس في صورها الرمزية تارة، والصريحة تارة أخرى.
أما بحث الدكتورة زينب بن هلال الموسوم بــ ((((تمظهرات الجنسانية الأنثوية بين الشبقية والطهرانية ـــ رواية “نساء كازانوفا” لواسيني الأعرج)) ، فإنه يهدف إلى التركيز على أهم مظاهر جنسانية الأنثى العربية والإسلامية من خلال دراسة نص رواية الروائي الجزائري واسيني الأعرج ، ( نساء كازانوفا)، هذا النص الذي يحمل حمولات معرفية يركز عليها السرد الروائي ليظهر من خلالها خطاب الجنسانية الأنثوية في المجتمعات العربية، و تحديدا في المجتمع الجزائري المعاصر، و قد أفاضت الباحثة في مقدمة بحثها بالتركيز على ثنائية( الذكر/ الأنثى)، و( المقدس و المدنس)، لتوضّح من خلالها ذلك الشرخ القائم بين الشريعة الإلهية و الشريعة البشرية، هذا الشرخ الذي أدّى إلى تباين المفاهيم و الإدراكات ، وأسهم في تشويه الكثير من القيم الإنسانية مما نتج عنه اختلالٌ في موازين القوى واعتلالٌ في البناء الاجتماعي للمجتمعات العربية، و من خلال هذه الاختلال تقوم الباحثة بدراسة الرواية منطلقة من وحدات سردية بعينها، طغت عليها مفردات الجنسانية الشبقية، وقد كانت هذه الوحدات السردية هي الفضاء المعرفي الذي جسّد مظاهر الجنسانية الشبقيّة السائدة لدى الشخوص الروائية، ذكورا وإناثا في المجتمع الجزائري المعاصر، و من خلال دراستها وتحليلها ألقت الباحثة الضوء على الحياة الجنسانية المتهتكة والشاذة في آن، والسائدة في أوساط الرجال والنساء معا.
أمّا الباحث المغربي الأستاذ المهدي نقوس، فقد ركّز في بحثه الموسوم بـــ:(( الجنس بين الحظر و سقوط المحرّمات)) على ظاهرة الجنس، وعدّها من أهم المواضيع التي أرقت الوعي الإنساني، وأراقت العديد من المداد بين التناول والإباحة، والحظر والكبح، فقد عدّها البعض سببا في انحطاط المجتمعات والشعوب، في ما أخذها بعضهم مأخذ جد، ولذا نجدهم قد احتفوا بالجسد الأنثوي وتضاريسه الفاتنة، وقدرته الخارقة على الإغواء والإثارة الشهوية، وتذكر الأديان والأساطير بأن مجمل الحروب التي دارت منذ بداية الخلق، كانت بسبب امرأة، ولم يخل مجتمع وعصر من العصور قط من الكتابة في أوصاف هذه الجسد و شهوانيته، وقد وصلتنا نماذج قديمة، قدم التاريخ البشري، وهي عبارة عن تماثيل وجداريات وألواح ونقوش لأعضاء تناسلية عارية. و تشير الميثولوجيات إلى أن العديد من البغايا قد امتهن الجنس، ورأين فيه ظاهرة مقدّسة هدفها التقرّب إلى الآلهة بغية إرضائهم وحمايتهم لهن. وقد شهدت العصور الإسلامية منذ ثلاثة عشر قرنا حركة تأليف نشيطة، وولادة العديد من المصنفات التراثية التي تناولت علم (الباه) والعشق بكل أنواعه، ولم يتحرج أصحاب تلك الكتب من وصف النساء، وأوضاع الجماع، وذكر الأعضاء التناسلية للذكر والأنثى، وتسميتها بمسمياتها الصريحة .
أمّا بحث الأستاذة معينة سليمان عبود الموسوم بــــ: ((الجنسانيّة في السينما العربية، السينما المصرية /أنموذجا)). فقد تناول الفن السينمائي نظرا لكونه عنصرا من أهم عناصر الثورة العلمية، ورأت الكاتبة في بحثها أنّ الفن السينمائي تحوّل مع تطوّر صناعة السينما إلى فن الإثارة والعنف والإباحيّة في صورٍ من الشذوذ الفاقع، بشتى أشكاله وانحرافاته في سلوك الناس و طبيعتهم, شذوذ خرج من صالات العرض ليدخل قنوات التلفزيون، ثم سكان البيوت، ثم هواتفهم النقّالة.
و كانت السينما المصريّة ،بتقنياتها المتطورة، نموذجا لبقية السينما العربية ، نظرا لكونها أول سينما عربيّة تواكب السينما الأوروبية سواءً بالعروض أو بالإنتاج . كما أنها أول سينما عربيّة تورطت بتسويقِ أفلام الجنس العربية :الطبيعية والشاذة منها في الآن نفسه، وقد تزامن عرض هذه الأفلام مع عرض الأفلام الأوربية المستوردة التي كانت مليئة بالإثارة الجنسية والشذوذ الجنسي.
وفي بحثها هذا تختار الباحثة نماذج من الأفلام المصرية التي لاقت رواجا كبيرا، و إقبالا شديدا عند الشباب المكبوت والمحروم، المتعطش إلى إرواء دوافعه الغريزية، وتقوم بتحليلها مبينة مظاهر الجنسانية فيها، و دور هذه المظاهر في انحراف المشاهد العربي، وتأجيج نزعاته الشهوانية، و تغييب بنيته المعرفية الواعية في الآن نفسه، ومن هذه الأفلام: فلم ( شباب امرأة)، من إخراج صلاح أبو سيف، وبطولة شكري سرحان و تحية كاريوكا، وفلم( الصعود إلى الهاوية)، من إخراج كمال الشيخ، وبطولة : مديحة كامل و ليز سركسيان، وفلم:( حمام الملاليطي) من إخراج صلاح أبو سيف، وبطولة: محمد العربي و شمس البارودي، وغيرها من الأفلام الأخرى التي ضجّت بالمشاهد الجنسية والصور النسائية العارية.
و يكتب الدكتور محمد عبد الرحمن يونس بحثا بعنوان: ((الحب والجنس في كتابات الفقهاء والشيوخ ))، يدرس فيه أهم ما جاء من مظاهر الحب و الجنس في كتابات الشيوخ و الفقهاء والقضاة الإسلاميين، و ذلك من خلال مصنفاتهم العديدة الجريئة التي بدت أقرب إلى الأدب الإيروتيكي، المكشوف والصريح، وقد تركّز خطاب هذه الكتب حول تقوية الباه، والحب الجنساني الإباحي، والعلاقة الميكانيكية الجسديّة بين الرجل والمرأة، وتقاطيع الجسد الأنثوي، ووصف أجزائه المكشوفة والمستورة وصفا واضحا، لا تلميح ولا ترميز فيه، و من هنا فقد كان هذا الخطاب خطابا جريئا خارقا للبنيّة الثقافية المتزمتة التي تربّى عليها كثير من الناس المعاصرين، مثقفين وكتابا، وقراء عاديين. و يقول الدكتور يونس في بحثه: ((ولم يكن هؤلاء الشيوخ والفقهاء يجدون أي عيب أو حرج حين الحديث عن الحب أو الجنس، أو ذكر لأعضاء الجسد المثيرة جنسانيا، فذكرها ليس منكرا ولا حراما، و لا يشكل إثما، وكانوا يطلقون على الفعل الجنسي في كتاباتهم مصطلحات محددة: النكاح، النيك، الجماع، الإتيان، المواقعة، أما استخدامهم لكلمة حب التي تشير إلى الفعل الجنسي فهو استعمال نادر، فالإثارة الجنسية عندهم هي مفتاح للوصول إلى الرعشة الميكانيكية الجنسية ، وليس إلى الحب، لأن الحب حالة تعصف بالنفس البشرية ، وتجعل أصحابها شغوفين عاشقين ولهين، وقد تقودهم هذه الحالة إلى الجنون، وليس شرطا أن توصلهم إلى اللذة الجنسانية)).
و قد عمل الباحث في بحثه إلى دراسة وتحليل أهم مظاهر الجنسانية في الكتب الكلاسيكية التالية:
(الروض العاطر في نزهة الخاطر) للشيخ محمد بن أبي بكر النفزاوي، وكتاب: ( نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب) للقاضي التونسي الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي القيسي، و كتاب: ( تحفة العروس و متعة النفوس) لمؤلفه الشيخ التونسي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي القاسم التجاني، وكتاب: ( رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه ) ، لمؤلفه الشيخ الإمام أحمد بن سليمان بن كمال باشا.
و من الكتب المعاصرة التي يعرض لها الباحث كتاب: الحب عند الفقهاء، ( عرض ــ دراسة ـــ تحليل) للأستاذ الدكتور محمد حامد شريف من مصر، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دمياط الجديدة،هذا الكتاب انهمك مؤلفه في ذكر أخبار الحب، والمحبين، رجالا ونساء ، عند الشيوخ والفقهاء، وابتعد عن نصوصهم الإيروتيكية ابتعادا واضحا، واقتصر على نصوص الحب، والحب العذري وأخبار العاشقين عبر التاريخ، ولم يعرض لنص جنساني واحد.
و تكتب الدكتورة عايدة حوشي بحثا بعنوان: ( دلائلية الخطاب الجنسي في روايات: التفكك/ عرس بغل / سوناتا لأشباح القدس ـ بين المشهدية الجنسية والتظهير)، وترى من خلال بحثها: أنّ الجنس (sex) في الخطاب الروائي الجزائري يشكّل موضوعا معرفيا وثقافيا صعب المسلك لطالما نفر منه النقاد نظرا لما يلفه من ضوابط؛ إما سلطوية، أو قانونية أو ما شابه. وعلى الرغم من التابو الذي يفرض جنسا مسكوتا عنه تارة، أومبالغا في التصريح به تارة أخرى؛ فإن بحثها هذا يأتي ليسلط الضوء على دلائلية الجنسانية (sexuality) في الخطاب الجنس (sexualdiscourse)بوصفها ظاهرة نصية في الرواية الجزائرية ممثلة – على سبيل الحصر لا السرد – بأهمّ كتّابها المرموقين، وهم: رشيد بوجدرة، والطاهر وطّار، و واسيني الأعرج، وذلك من خلال دراستها للروايات التالية:التفكك لـ: رشيد بوجدرة،عرس بغل لـ: الطاهر وطار، وسوناتا لأشباح القدس لـ :واسيني الأعرج؛ وقد توقّفت عند صور الجنس في رواية: (التفكك) بكل ما تتضمنه من شذوذ، وانحلال، وتمرد على العرف والقوانين الرمزية نصيا. في حين تمّ تركيزها على خصوصية توظيف الجنس إيديولوجيا في رواية: (عرس بغل) من خلال رمز المرأة وفعل البغاء؛ ناهيك عن دلائلية الجسد في رواية : (سوناتا لأشباح القدس)، وكيفية توظيفها جنسيا بين المشهدية والتظهير الأيقوني…
إنّ معالم الخطاب الجنسي في دراسة الدكتورة عايدة حوشي هو موضوع بحثها الذي يسعى إلى مقاربة التظهير الجنساني بوصفه دليلا نصيا يحمل البعد الرمزي الأيقوني، ويهدف إلى تصويره ظاهرة نصية تختلف نسبة توظيفها بين الكتّاب، وتطبع كل نص بطابع يميزه عن الآخر.
و يكتب القاص و الناقد والشاعر جعفر كمال بحثا بعنوان: (الرواية العربية ـــ الشخصية الإشكاليّة المادية في رواية: ((لحظة القبض على حشاش))، يحلل من خلاله رواية ( لحظة القبض على حشاش) للروائي العراقي عبد الباقي شنان، دارسا أهم السمات الاجتماعية و النفسيّة التي تسم الفضاء الروائي، بعلاقاته وشخوصه، و كذلك أهم مظاهر السلوكيات الجنسية، سواء أكانت سوية أم شاذة، والتي يمارسها أبطال الرواية. و يستعين في تحليله النقدي بمرجعيات معرفيّة متشعبة، من فكر وفن و فلسفة و علم نفس، توغل بعيدا في نظريات ابستيمولوجية، ونقدية متعددة تنهل من خورخي لويس بورخيس، و ميخائيل باختين، و من فلسفة رينيه ديكارت و أرسطو و فريديريك نيتشه و من نظريات علم الاجتماع ممثّلة برائد علم الاجتماع العربي المعاصر الدكتور علي الوردي، و برائد الفلسفة العربية المعاصرة الدكتور عبد الرحمن بدوي، و من نظريات علم النفس التي جاء بها سيجموند فرويد، و غيرهم.
و لم يكن همّ هذه الدراسة الأول دراسة مظاهر الجنسانية، و تجسّداتها في خطاب رواية( لحظة القبض على حشاش) فحسب، بل تعددت مناحي هذه الدراسة، و تشعّبت، لتنقل النص الروائي من كونه خطابا سرديا حكائيا إلى أن يصبح خطابا معرفيا و فلسفيا و اجتماعيا يتوزّع على البنية العامة للرواية. و قد اتسّم هذا البحث بلغة نقدية عالية محكومة بمصطلحات نقدية عديدة تنهل من كثير من المدارس النقدية المتباينة، سواء أكانت قريبة أم حديثة .
و يكتب محمد عبد الرحمن يونس دراسة بعنوان: ((سعار الشبقي والجنساني في حياة ملوك ألف ليلة وليلة وسلاطينها ـــــ دراسة نقدية في متن بعض حكايات ألف ليلة وليلة))، ويحاول في هذه الدراسة أن يشير إلى أهم مظاهر خطاب الحب و الجنس في ثلاث حكايات من حكايات ألف ليلة ولية، وهذه الحكايات هي : ((حكاية الخليفة هارون الرشيد مع زوجته السيدة زبيدة))، و: (( حكاية السقاء وزوجة الرجل الصائغ))، و((حكاية الملك الذي ذهب مستخفيا إلى إحدى القرى))، باعتبار هذا الخطاب خطابا ناميا ، متشعبا في جوانبه العديدة، من حيث شمولية النظرة والاتجاه، وكذلك البعد النفسي لشخوص حكايات ألف ليلة وليلة، ومواقفهم إزاء شهواتهم الجنسانية المتحفزة دائما لعشق النساء الجميلات، ومحاولة كسب ودهنّ، والحصول عليهنّ كزوجات، أو عشيقات خليلات.
كما تحاول هذه الدراسة أن تفهم أبعاد هذا الخطاب، ودوره في بناء الحكايات، على المستوى القصصي والسردي، ودوره في بناء لغة وصفيّة خاصّة، تجسّد طبيعة العلاقة العاطفيّة والجنسانيّة بين الرجال والنساء في حكايات الليالي، كما تحاول أن تعرّج على الخطاب السردي الساخر الذي يبثّه رواة ألف ليلة وليلة في السرد القصصي، ويسخرون من خلاله بأفراد الطبقة الحاكمة في الليالي، وفق إيديولوجية معرفية خاصّة تدين هؤلاء الأفراد، و تعتبرهم منتهكين لحقوق مواطنيهم، ومن جهة أخرى تركّز على البعد الجمالي الأخلاقي لبعض نساء ألف ليلة وليلة الفاضلات اللواتي يرفضن الخيانة الزوجية، باعتبارها فعلا لا أخلاقيا، ومنافيا لأخلاق الدين الإسلامي ، وقيمه المعرفيّة والتشريعيّة.
و يتناول الدكتور أشرف صالح محمد سيد. في بحثه الموسوم بـــ: ((الشذوذ الجنسي في مصر خلال عصر سلاطين المماليك – سلوك العامة أنموذجًا(1250 – 1517م).)) ظاهرة الشذوذ الجنسي في فترة دولة المماليك، هذه الفترة الحاسمة في تاريخ الحضارة الإنسانية بصفة عامة والعربية الإسلامية بصفة خاصة، ففي هذه الفترة الكثير من الأحداث الكبيرة، التي شكّلها العديد من السلاطين العظام الذين تركوا لهم بصمات واضحة على صفحات التاريخ المملوكي. فقد استطاع المماليك أن يشيدوا إمبراطورية ضخمة حققت وزنًا في السياسة العالمية في العصور الوسطى، إلا أن عصر المماليك هذا كانت له مساوئ و آثار سلبية مدمّرة في عدة ميادين.
ويحاول الدكتور أشرف في دراسته هذه أ ن يعرض، بكثير من البحث والاستقصاء، لإحدى هذه المساوئ وهي ظاهرة انحرافات المجتمع وشذوذ أفراده الجنساني ، من خلال ما ذكرته المصادر التاريخية عن الشذوذ الجنسي لدى العامة، و من خلال ما وصلنا من أخبار هذا الشذوذ، برجاله ونسائه، و ذلك من واقع الفنون الشعبية وكتب الأدب المكتوبة في هذه الفترة. وقد اعتمد الباحث في بحثه المنهج التاريخي الوصفي التحليلي، من خلال جمع المعلومات والروايات التاريخية بالرجوع إلى مصادرها ومراجعها، و من ثمّ تحليل هذه المعلومات بشكل موضوعي في سياق حركة المجتمع المملوكي، الذي تورّط نساؤه و رجاله في ارتكاب جميع مظاهر الشذوذ الجنسي، حتى تلك التي بلغت حدّ ممارسة الجنس مع الحيوانات.
ويكتب الباحث والناقد العراقي الدكتور سعيد عبد الهادي المرهج بحثا بعنوان: (( صورة المرأة في مرويات العصور المتأخرة ــ قراءة سيميائية في كتاب ابتلاء الأخيار بالنســاء الأشرار)) لمؤلفه : إسماعيل بن نصر السلاحي (ابن القطعة )، وقد جاء هذا البحث على قسمين: الأول محاولة تعريف بآليات المنهج السيميائي الكريماسي (السيمياء السردية) قدّم فيه الباحث تعريفا بهذا المنهج ، فضلا عن الإشارة إلى مصادره الرئيسة. والقسم الثاني ركّز فيه على الإجابة عن سؤال التجنيس (ذكورة/ أنوثة) في التراث العربي، و قد بيّن فيه من خلال هذا المنهج أننا أمام معرفتين: معرفة دينية محضة أعطت للمرأة حقوقا لم يعرفها زمن البعثة وما بعده، حتى عصر الحداثة العربي. ومعرفة اجتماعية بَقيَت المرأة فيها محصورة في دائرة المهمّش، وكانت الحكاية (فعل القص) ذاتها جزءا من آليات تعزيز التهميش.
وهذا ما أُثبته الباحث بجلاء من خلال قراءة المدونة التراثية المدروسة (ابتلاء الأخيار بالنساء الأشرار). تلك المدونة التي سعى كاتبها إلى جمع مختلف أشكال المعرفة التراثية فيها؛ وبجانبيها الرئيسين: الشعري والعلمي. فكأنه بسيره على الطريق ذاته الذي سلكه عصر المعرفة الموسوعية العربي، إنما حاول أن يقدّم موسوعة تجمل المعرفة بعالم المرأة ، ليست معرفة عصره فحسب، بل المعرفة العربية منذ لحظة الإمساك بها في عصر التدوين حتى عصره.
و يكتب محمد عبد الرحمن يونس مقالا بعنوان: (( قراءة في كتاب : الحب بين المسلمين و النصارى في التاريخ العربي))، لمؤلفه الأستاذ عبد المعين الملوحي، شيخ الكتاب السوريين المعاصرين، و يحاول فيه أن يعرض لأهم ما جاء في هذا الكتاب، الذي يعدّ من أهم الكتب العربية المعاصرة التي سجلت أخبار الحب والعشق و الزواج في علاقات المسلمين بالمسيحيين، من خلال تاريخهم الاجتماعي والإنساني والثقافي و المعرفي. فقد نشأت بين الرجال والنساء في المجتمعين الإسلامي والمسيحي علاقات حب قوية أدّت في بعض حالاتها إلى الزواج، وكان لهذه العلاقات دور في امتزاج المجتمعين الإسلامي والمسيحي، وبالتالي دور في بنية هذين المجتمعين على المستوى الإنساني والحضاري والاجتماعي والثقافي.
ويأتي هذا الكتاب ليلقي ضوءاً على بنية علاقات الحب هذه، هذين المجتمعين، وليقلّب صفحات طويلة من كتب التراث العربي التي سجلت أخبار هذه العلاقات.
أما الدكتورة فريدة مولى فتكتب بحثا بعنوان:((الماهية الأنثوية بين الخطابات الشبقية والخطابات الصوفية)) ، تطرح فيه قضية الماهية الأنثىوية من منظور الفكر البطريركي الذي يعزز الجنس الذكوري السَّني على حساب الجنس الأنثوي الدّني، وبالتحديد الفكر الذي أنتج خطابات شبقية تحصر الماهية الأنثوية في مفهوم الشكل والجسد، وترسّخ صورة المرأة كأداة إيروتيكية لإثارة الغرائز، وتتعرض لجسدها بشكل مستقل عن كينونتها الإنسانية بتغييب عقلها وفكرها والأهم من ذلك إلغاء حضورها الإنساني، وبالمقابل يكشف كيف تجلت الماهية الأنثوية في الخطابات الصوفية التي اتخذت من الصورة الوجودية للمرأة/الأنثى نموذجا يجمع بين الجمال الإلهي والحكمة والفتوة الصوفية بأجلّ معانيها، فقد نأى الخطاب الصوفي عن الخطابين الفقهي والجنسي اللّذين ميّزا بين الذكورة والأنوثة كماهيتين منفصلتين لكل ماهية خاصياتها الوجودية والميتافيزقية، وارتقى فوق التصنيف البيولوجي للمرأة والرجل،وسوّى بينهما، كما حاول تخليص المرأة من الحصار الأخلاقي والرقابة الإديولوجية اللذين مورسا عليها داخل الخطابات الأخرى، وقد اكتسي حضور الأنثى في الخطابات الصوفية بشكل عام وفي خطاب “ابن عربي”بشكل أخص مكانة مميزة، إذ تقف المرأة في كتاباتهم شاهدا على الذوق الرفيع للمتصوفة الذين ناشدوا جمالها الروحي إلى جانب جمالها الجسدي، رادين بذلك الاعتبار للجسد الأنثوي الذي همّش واحتقر في الكتابات الفقهية، وامتهن وسخّر في الكتابات الشبقية.
إن كتابنا هذا يشكّل الجزء الأول من مشروعنا البحثي الذي نأمل أن نكلمه، و هو موسوعة كبيرة متنوّعة في طرحها وأهدافها و مواضيعها، أطلقنا عليها اسم: موسوعة الجنسانية العربية و الإسلامية، قديما و حديثا، و نأمل أن ننجز منها جزءا في كل عام، نخصصه للخطابات الجنسانية ، سواء أكانت قديمة أم حديثة، و دور هذه الخطابات و تأثيرها في الكتابات العربية المعاصرة من جهة، و دورها في أن تشكّل حقلا سوسيولوجيا و ثقافيا، يمكننا، من خلاله، أن نفهم الذهنية المعرفية السائدة في بنية مجتمعاتنا العربية و الإسلامية، فكرا و سلوكا، و أخلاقا من جهة ثانية.
و نطمح في أن تكون هذه الموسوعة مرجعا مهما للباحثين في حقل الجنسانية العربية، و للقرّاء المهتمين بهذا الجانب المعرفي، شديد الحساسية، و للدارسين من طلابنا الأعزاء، و بخاصة في شعبتي الماجستير و الدكتوراه، في أقسام الدراسات العليا في جامعاتنا العربية، و في الجامعات الأجنبية التي عملنا بها سابقا، و نعمل بها حاليا.
كما نأمل أن تكون هذه الموسوعة قادرة على كشف ما هو مستبد مظلم متخلّف، و أناني فردي ضيّق متحكّم في طبيعة العلاقات الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية المعاصرة، و بخاصة في علاقات الرجال بالنساء، على المستوى الجنساني والعاطفي من جهة، و على مستوى الاضطهاد و الطبقيّة والتبعيّة الجنسية من جهة أخرى.
و الله ولي التوفيق.
أ. د.محمد عبد الرحمن يونس
بغداد في أيار ، مايو 2018م .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب في مكتبة أمازون
صدور موسوعة الجنسانية العربية والإسلامية قديما وحديثا للدكتور بني يونس
الكتاب الأول
بحوث ودراسات نقدية عامة
مجموعة من الباحثين
إعداد وإشراف: أ. د. محمد عبد الرحمن يونس
الطبعة العربية الأولى، حزيران، يونيو 2018 م
الناشر: دار إي ـــ كتب e-kutub
لندن .
الباحثون
1 ـــــ. د. أشرف صالح محمد سيد. Dr. Ashraf Salih Mohamed Syed
2 ـــــ أ. جعفر كمال. Jaafar Kamal
3 ـــــ د. زينب بن هلال. Dr: zaineb BENHELLAL
4ـــــ أ.د. م. سعيد عبد الهادي المرهج. Dr.Saeed Almurhij
5 ــــ أ.م . د. عايدة حوشي. Dr Haouchi Aida
6ـــ أ.د. م. فريدة مولى Farida Moulla . Dr
7 ــــ أ. د. محمد عبد الرحمن يونس .
Mohammad Abdulrahman younes professor :
8 ــــ أ.معينة سليمان عبود ـ Mueena Solaeman Aboud
9 ـــ أ. المهدي نقوس. Mehdi NAQOS
10 ــــ أ.د.هند عباس علي الحمادي.Dr.Hind Abbas Ali Alhumady
الإهداء
نهدي هذا الجزء الأول من هذه الموسوعة إلى
الأصدقاء الأعزاء:
الأستاذ الدكتور تيسير عبد الجبار الآلوسي، رئيس جامعة ابن رشد في هولندا.
الأستاذ الدكتور حسين الفراجي, رئيس الجامعة العربية النمساوية في فينا.
الأستاذ الدكتور سعيد عبد الهادي المرهج ، معاون عميد كلية دجلة الجامعة في بغداد.
عربون وفاء ومحبة لهؤلاء الأصدقاء الباحثين المثقفين التنويريين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة الكتاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
الجنسانية مشروعا معرفيا ونقديا في الكتابات القديمة، وفي الدراسات والبحوث الحديثة .
أ. د. محمد عبد الرحمن يونس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجسّد الجنسانية العربية والإسلامية ظاهرة مهمة جدا في تراثنا العربي القديم، وعلى الرغم من حساسية البحث في أصولها و مظاهرها، و أسباب وجودها و تدوينها، و تدوين أخبار نسائها و رجالها في الخطابات التاريخية الإسلامية و الفقهية، الكلاسيكية الأدبية، فإنّ هذا لم يمنع شيوخا أجلاء، وأئمة مساجد، وفقهاء أصوليين من البحث فيها، وتدوينها، و الحديث عنها بحرية و جرأة معرفية كبيرة، و هذه الجرأة دليل على فسحات الحريّة الفكرية و المعرفية التي عايشها هؤلاء الشيوخ و الفقهاء الأجلاء مقارنة بفسحات الحريات الضيقة في عالمنا العربي المعاصر.
و على الرغم من الخوف و الحذر المعاصرين في كشف مظاهرها، و دورها في حياة المجتمعات العربية المعاصرة، و توظيفها في الخطابات الأدبية، إلاّ أننا نجد أن هناك كتابا، رجالا ونساء، خرقوا هذا الخوف و هذا الحذر، و انتقلوا بها من حقلها التاريخي و الفقهي و الكلاسيكي، ليوظّفوها في خطاباتهم الإبداعية المعاصرة، سواء أكانت شعرا أم قصة أم رواية أم مسرحا، توظيفا على غاية عالية من الجرأة، بلغت أحيانا حدّ الوصف الإيروتيكي الصريح لطبيعة العلاقة الإنسانية و الجمالية بين الرجال والنساء، و أحيانا أخرى بدت محتشمة و خائفة، و تنحو منحى في الترميز، تتخفّى وراءه، خوفا من عدّة مواضعات اجتماعية وسياسية أحيانا، و دينية و أخلاقية أحيانا أخرى.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن مجلة الناقد التي كانت تصدر في لندن، كانت هي الرائدة من بين المجلات العربية، التي اجترأت، و طرحت موضوع الجنسانية بتعدد مظاهرها و حالاتها في الكتابات التاريخية، و الكلاسيكيات الإسلامية و الفقهية، و كذلك في التراث القصصي العربي، وكانت مساهمتي في هذا العدد ببحث موسوم بـــ (( عن مجتمع” ألف ليلة و ليلة” وجدل الجنس والسلطة: ثقب الروح و البكارة))(1) ،بداية للتفكير بإنجاز كتب عن مظاهر الجنسانية في التراث الحكائي القديم، و تحديدا في حكايات ألف ليلة و ليلة.
و قد دفعني هذا الاهتمام و التفكير إلى أن أسهم في إنجاز بحوث جديدة في هذه الظاهرة المعرفيّة المهمة جدا، و الخطيرة و المعقّدة تارة، و المثيرة الجذابة تارة أخرى. و كان عليّ قبل ذلك أن أجد ناشرا ينشر ما أكتبه، إذ لا جدوى من تأليف أي كتاب إن لم يجد ناشرا له، لأن قيمة النصّ الأدبي و الفكري تزداد أهميتها بتعدد قرائه و تداوله، و إفادة الدارسين منه، و خاصة طلاب الدراسات العليا في شعبتي الماجستير و الدكتوراه.
و بطريق المصادفة تعرّفت على دار نشر: إي ـــ كتب في لندن، و تحديدا على السيدة الكريمة شموس الصراف، المسؤولة في هذه الدار، ثمّ نشرت في ما بعد كتابا لدى هذه الدار بعنوان: (( أسطورة شهريار وشهرزاد في الخطاب الشعري العربي المعاصر))(2) . و بعد نشر كتابي هذا اقترحتُ على السيدة الصراف نشر كتاب بعنوان: الجنسانية العربية والإسلامية ـــ قديما وحديثا، على أن يكون هذا الكتاب عملا مشتركا، بيني و بين أصدقائي من الباحثين و الكتاب الأكاديميين الذين ينتمون إلى جامعات و مراكز بحث علمي عربية، و الذين لهم خبرات سابقة في التأليف و النشر، فما كان من هذه السيدة الكريمة إلا الموافقة على نشر الكتاب، حين الانتهاء منه.
و كما هو معروف في مشروع التأليف الجماعي، من حيث أن المشرف على المشروع يستدعي أصدقاءه المقربين جدا، و الذين يجد فيهم رحابة عقلية، و فسحة من الحرية في التعامل و الحوار والنقاش المعرفي و العلمي، و فضاء ثقافيا، يلتقي بأبعاده المعرفية و الفكرية مع فضائه المعرفي الخاص، كان عليّ أن أقترح مشروع كتابنا هذا على مجموعة من أصدقائي المقربين الذين تربطني بهم أواصر صداقة و احترام عميقين، كوننا عملنا معا في جامعات واحدة، أو نشرنا معا في مجلات أكاديمية واحدة، أو التقينا معا في مؤتمرات و ندوات أدبية تهتم بالأدب و النقد الأدبي.
و في البداية كنت مترددا و خائفا من عرضي هذا لأنه قد لا يجد صدى طيبا، وقبولا منهم، أو ربّما يستنفر بعضهم لومه و تقريعه على اختياري هذا الموضوع الذي تُعدّ الكتابة فيه محرّمة، و ضربا من الخوف و ا لقلق و الحذر، إلاّ أن خوفي هذا سرعان ما تبدد حين لاقت فكرة مشروعي قبولا طيبا، و استحسانا كريما من هؤلاء الأصدقاء الكتاب الذين كتبوا معي، باستثناء أستاذ جامعي، كاتب صديق ، إذ لامني على هذا المشروع، و نهاني عنه، لأنّه ربّما قد يسبب لي متاعب في المستقبل، و بخاصة في الوسط الأكاديمي الجامعي الذي عملت معه سابقا، و أعمل معه حاليا، ونبّه إلى خطورة هذا المشروع لأنّ الوسط الاجتماعي الذي نشأت فيه، و تربيت، سيكيل لي التهم المتعددة التي لن أسلم منها.
و بدأنا الكتابة، و تركت لهؤلاء الأصدقاء اختيار المواضيع التي يرون أن البحث فيها يقدّم فائدة أو جديدا، و من دون أن أتدخّل أبدا في فرض أي بحث أو موضوع أرى أن البحث فيه مهما، و يضيء جوانب مهمة في كتابنا.
إن كتابنا هذا يضمّ أبحاثا لكتاب وأكاديميين من: العراق و مصر وسوريا والجزائر و المغرب، و هؤلاء الكتاب هم: سعيد عبد الهادي المرهج ، و هند عباس علي من العراق، و: أشرف صالح محمد سيد من مصر، و : محمد عبد الرحمن يونس، و معينة سليمان عبود من سوريا، و: عايدة حوشي، و فريدة مولى، و زينب بن هلال من الجزائر، و: المهدي نقوس من المغرب، و: جعفر كمال، الأديب العراقي المقيم في لندن.
وأحب أن أشير إلى أن ترتيب موضوعات الكتاب جاء بحسب الترتيب الألفبائي لأسماء البحوث المنشورة في الكتاب، و ليس بحسب أسماء المؤلفين، و هذا نظام معمول به في كثير من الموسوعات والكتب المنجزة بشكل جماعي.
و أرى أن هذه الموضوعات التي كتبها زملائي الباحثون على غاية من الأهمية و التميّز في طرح كثير من القضايا المعرفية، و المظاهر الاجتماعية و الإنسانية والأخلاقية المرتبطة بموضوع الجنس و الجنسانية، سواء أكانت هذه الجنسانية مبثوثة في الخطابات الفقهية و التاريخية، و الحكائية القديمة، أو في الخطابات الإبداعية المعاصرة، و تحديدا في الخطاب القصصي، والروائي العربي المعاصرين.
وقد جاء ترتيب الموضوعات في الكتاب على الشكل التالي:
1 ـــ الأبعاد والدلالات في الألفاظ الجنسانية في ذكريات ومواجع على ضفاف عدن للقاص محمد عبد الرحمن يونس .
أ. د.هند عباس علي / العراق.
2 ــــ تمظهرات الجنسانية الأنثوية بين الشبقية والطهرانية ـــ رواية “نساء كازانوفا” لواسيني الأعرج /أنموذجا. د. زينب بن هلال / الجزائر.
3 ـــ الجنس بين الكبح وسقوط المحرمات . المهدي نقوس / المغرب.
4 ــــ الجنسانيّة في السينما العربية، السينما المصرية ( أنموذجا)
معينة سليمان عبود ـ / سورية .
5 ــــ الحب والجنس في كتابات الفقهاء والشيوخ. أ.د. محمد عبد الرحمن يونس ./ سورية
6 ــــ دلائلية الخطاب الجنسي في روايات: التفكك/ عرس بغل / سوناتا لأشباح القدس ـ بين المشهدية الجنسية والتظهير ـ د/ عايدة حوشي/ الجزائر.
7 ــــ الشخصية الإشكاليّة المادية في الرواية العربية رواية: لحظة القبض على حشاش ، أنموذجا . أ. جعفر كمال / لندن.
8 ــــ سعار الشبقي والجنساني في حياة ملوك ألف ليلة وليلة وسلاطينها ـــــ دراسة نقدية في متن بعض حكايات ألف ليلة وليلة . أ.د. محمد عبد الرحمن يونس/ سورية.
9 ـــــ الشذوذ الجنسي في مصر خلال عصر سلاطين المماليك
سلوك العامة نموذجًا (1250 – 1517م). د. أشرف صالح محمد سيد./ مصر.
10 ــــ صورة المرأة في مرويات العصور المتأخرة ــ قراءة سيميائية في كتاب ابتلاء الأخيار بالنســاء الأشرار. أ.د. م: سعيد عبد الهادي المرهج./ العراق.
11 ــــ قراءة في كتاب: الحب بين المسلمين والنصارى في التاريخ العربي. : أ. د. محمد عبد الرحمن يونس
12 ــــ الماهية الأنثوية بين الخطابات الشبقية والخطابات الصوفية. أ.د. م. فريدة مولى /الجزائر.
و نشير في هذه المقدمة إلى أهم ما جاء في هذه الأبحاث من مضامين و رؤى معرفية وفكرية، تناولها الباحثون بالدراسة والنقد والتحليل.
في بحثها الموسوم بــ: (الأبعاد والدلالات في الألفاظ الجنسانية في ذكريات ومواجع على ضفاف عدن)، تدرس الدكتورة هند عباس علي لغة القاص محمد عبد الرحمن يونس, من خلال بعدها الجنسي المكلل بالسخرية والامتعاض من سلوك الشخوص أبطال قصصه و إدانتها لمظاهر الانحراف التي وسمت سلوك هؤلاء الأشخاص و تصرفاتهم، و رؤيتهم للحياة و الكون ، وترى أن المرأة هي الثيمة الأولى الحاضرة في قصصه، و هي المحور الرئيس لكثير من قصصه, ومن خلال وجودها يدين و يرفض الكثير من الظواهر الاجتماعية غير الإنسانية الموجودة في عالمه المحسوس , وترى الباحثة أن القاص اعتمد في خطابه القصصي لغة عالية فصيحة تشير إلى ذائقة جمالية و وعي فكري وفني، استطاع من خلاله أن يجذب القارئ نحو إبداعه , و رأت أن سرده القصصي يتشكّل من خلال منظومتين لغويتين:
1- منظومة لغوية ذات مستوى معياري وهي تضم لغة الأدب , ولغة الأفراد ممن هم من الطبقة المعرفية العالية .
2- منظومة لغوية ذات مستوى عام تضم المفردات الدخيلة والمعرّبة , والمفردات الأجنبية , والمفردات اليومية الدارجة .
وقد ركزت في بحثها على دراسة المفردات الجنسانية وفق منظومتين : منظومة المفردات الجنسانية الصريحة, ومنظومة التراكيب الجنسانية الصريحة ، و ذلك من خلال علاقة الرجل بالمرأة، و تحديدا علاقة الحبّ و الجنس في صورها الرمزية تارة، والصريحة تارة أخرى.
أما بحث الدكتورة زينب بن هلال الموسوم بــ ((((تمظهرات الجنسانية الأنثوية بين الشبقية والطهرانية ـــ رواية “نساء كازانوفا” لواسيني الأعرج)) ، فإنه يهدف إلى التركيز على أهم مظاهر جنسانية الأنثى العربية والإسلامية من خلال دراسة نص رواية الروائي الجزائري واسيني الأعرج ، ( نساء كازانوفا)، هذا النص الذي يحمل حمولات معرفية يركز عليها السرد الروائي ليظهر من خلالها خطاب الجنسانية الأنثوية في المجتمعات العربية، و تحديدا في المجتمع الجزائري المعاصر، و قد أفاضت الباحثة في مقدمة بحثها بالتركيز على ثنائية( الذكر/ الأنثى)، و( المقدس و المدنس)، لتوضّح من خلالها ذلك الشرخ القائم بين الشريعة الإلهية و الشريعة البشرية، هذا الشرخ الذي أدّى إلى تباين المفاهيم و الإدراكات ، وأسهم في تشويه الكثير من القيم الإنسانية مما نتج عنه اختلالٌ في موازين القوى واعتلالٌ في البناء الاجتماعي للمجتمعات العربية، و من خلال هذه الاختلال تقوم الباحثة بدراسة الرواية منطلقة من وحدات سردية بعينها، طغت عليها مفردات الجنسانية الشبقية، وقد كانت هذه الوحدات السردية هي الفضاء المعرفي الذي جسّد مظاهر الجنسانية الشبقيّة السائدة لدى الشخوص الروائية، ذكورا وإناثا في المجتمع الجزائري المعاصر، و من خلال دراستها وتحليلها ألقت الباحثة الضوء على الحياة الجنسانية المتهتكة والشاذة في آن، والسائدة في أوساط الرجال والنساء معا.
أمّا الباحث المغربي الأستاذ المهدي نقوس، فقد ركّز في بحثه الموسوم بـــ:(( الجنس بين الحظر و سقوط المحرّمات)) على ظاهرة الجنس، وعدّها من أهم المواضيع التي أرقت الوعي الإنساني، وأراقت العديد من المداد بين التناول والإباحة، والحظر والكبح، فقد عدّها البعض سببا في انحطاط المجتمعات والشعوب، في ما أخذها بعضهم مأخذ جد، ولذا نجدهم قد احتفوا بالجسد الأنثوي وتضاريسه الفاتنة، وقدرته الخارقة على الإغواء والإثارة الشهوية، وتذكر الأديان والأساطير بأن مجمل الحروب التي دارت منذ بداية الخلق، كانت بسبب امرأة، ولم يخل مجتمع وعصر من العصور قط من الكتابة في أوصاف هذه الجسد و شهوانيته، وقد وصلتنا نماذج قديمة، قدم التاريخ البشري، وهي عبارة عن تماثيل وجداريات وألواح ونقوش لأعضاء تناسلية عارية. و تشير الميثولوجيات إلى أن العديد من البغايا قد امتهن الجنس، ورأين فيه ظاهرة مقدّسة هدفها التقرّب إلى الآلهة بغية إرضائهم وحمايتهم لهن. وقد شهدت العصور الإسلامية منذ ثلاثة عشر قرنا حركة تأليف نشيطة، وولادة العديد من المصنفات التراثية التي تناولت علم (الباه) والعشق بكل أنواعه، ولم يتحرج أصحاب تلك الكتب من وصف النساء، وأوضاع الجماع، وذكر الأعضاء التناسلية للذكر والأنثى، وتسميتها بمسمياتها الصريحة .
أمّا بحث الأستاذة معينة سليمان عبود الموسوم بــــ: ((الجنسانيّة في السينما العربية، السينما المصرية /أنموذجا)). فقد تناول الفن السينمائي نظرا لكونه عنصرا من أهم عناصر الثورة العلمية، ورأت الكاتبة في بحثها أنّ الفن السينمائي تحوّل مع تطوّر صناعة السينما إلى فن الإثارة والعنف والإباحيّة في صورٍ من الشذوذ الفاقع، بشتى أشكاله وانحرافاته في سلوك الناس و طبيعتهم, شذوذ خرج من صالات العرض ليدخل قنوات التلفزيون، ثم سكان البيوت، ثم هواتفهم النقّالة.
و كانت السينما المصريّة ،بتقنياتها المتطورة، نموذجا لبقية السينما العربية ، نظرا لكونها أول سينما عربيّة تواكب السينما الأوروبية سواءً بالعروض أو بالإنتاج . كما أنها أول سينما عربيّة تورطت بتسويقِ أفلام الجنس العربية :الطبيعية والشاذة منها في الآن نفسه، وقد تزامن عرض هذه الأفلام مع عرض الأفلام الأوربية المستوردة التي كانت مليئة بالإثارة الجنسية والشذوذ الجنسي.
وفي بحثها هذا تختار الباحثة نماذج من الأفلام المصرية التي لاقت رواجا كبيرا، و إقبالا شديدا عند الشباب المكبوت والمحروم، المتعطش إلى إرواء دوافعه الغريزية، وتقوم بتحليلها مبينة مظاهر الجنسانية فيها، و دور هذه المظاهر في انحراف المشاهد العربي، وتأجيج نزعاته الشهوانية، و تغييب بنيته المعرفية الواعية في الآن نفسه، ومن هذه الأفلام: فلم ( شباب امرأة)، من إخراج صلاح أبو سيف، وبطولة شكري سرحان و تحية كاريوكا، وفلم( الصعود إلى الهاوية)، من إخراج كمال الشيخ، وبطولة : مديحة كامل و ليز سركسيان، وفلم:( حمام الملاليطي) من إخراج صلاح أبو سيف، وبطولة: محمد العربي و شمس البارودي، وغيرها من الأفلام الأخرى التي ضجّت بالمشاهد الجنسية والصور النسائية العارية.
و يكتب الدكتور محمد عبد الرحمن يونس بحثا بعنوان: ((الحب والجنس في كتابات الفقهاء والشيوخ ))، يدرس فيه أهم ما جاء من مظاهر الحب و الجنس في كتابات الشيوخ و الفقهاء والقضاة الإسلاميين، و ذلك من خلال مصنفاتهم العديدة الجريئة التي بدت أقرب إلى الأدب الإيروتيكي، المكشوف والصريح، وقد تركّز خطاب هذه الكتب حول تقوية الباه، والحب الجنساني الإباحي، والعلاقة الميكانيكية الجسديّة بين الرجل والمرأة، وتقاطيع الجسد الأنثوي، ووصف أجزائه المكشوفة والمستورة وصفا واضحا، لا تلميح ولا ترميز فيه، و من هنا فقد كان هذا الخطاب خطابا جريئا خارقا للبنيّة الثقافية المتزمتة التي تربّى عليها كثير من الناس المعاصرين، مثقفين وكتابا، وقراء عاديين. و يقول الدكتور يونس في بحثه: ((ولم يكن هؤلاء الشيوخ والفقهاء يجدون أي عيب أو حرج حين الحديث عن الحب أو الجنس، أو ذكر لأعضاء الجسد المثيرة جنسانيا، فذكرها ليس منكرا ولا حراما، و لا يشكل إثما، وكانوا يطلقون على الفعل الجنسي في كتاباتهم مصطلحات محددة: النكاح، النيك، الجماع، الإتيان، المواقعة، أما استخدامهم لكلمة حب التي تشير إلى الفعل الجنسي فهو استعمال نادر، فالإثارة الجنسية عندهم هي مفتاح للوصول إلى الرعشة الميكانيكية الجنسية ، وليس إلى الحب، لأن الحب حالة تعصف بالنفس البشرية ، وتجعل أصحابها شغوفين عاشقين ولهين، وقد تقودهم هذه الحالة إلى الجنون، وليس شرطا أن توصلهم إلى اللذة الجنسانية)).
و قد عمل الباحث في بحثه إلى دراسة وتحليل أهم مظاهر الجنسانية في الكتب الكلاسيكية التالية:
(الروض العاطر في نزهة الخاطر) للشيخ محمد بن أبي بكر النفزاوي، وكتاب: ( نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب) للقاضي التونسي الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي القيسي، و كتاب: ( تحفة العروس و متعة النفوس) لمؤلفه الشيخ التونسي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي القاسم التجاني، وكتاب: ( رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه ) ، لمؤلفه الشيخ الإمام أحمد بن سليمان بن كمال باشا.
و من الكتب المعاصرة التي يعرض لها الباحث كتاب: الحب عند الفقهاء، ( عرض ــ دراسة ـــ تحليل) للأستاذ الدكتور محمد حامد شريف من مصر، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دمياط الجديدة،هذا الكتاب انهمك مؤلفه في ذكر أخبار الحب، والمحبين، رجالا ونساء ، عند الشيوخ والفقهاء، وابتعد عن نصوصهم الإيروتيكية ابتعادا واضحا، واقتصر على نصوص الحب، والحب العذري وأخبار العاشقين عبر التاريخ، ولم يعرض لنص جنساني واحد.
و تكتب الدكتورة عايدة حوشي بحثا بعنوان: ( دلائلية الخطاب الجنسي في روايات: التفكك/ عرس بغل / سوناتا لأشباح القدس ـ بين المشهدية الجنسية والتظهير)، وترى من خلال بحثها: أنّ الجنس (sex) في الخطاب الروائي الجزائري يشكّل موضوعا معرفيا وثقافيا صعب المسلك لطالما نفر منه النقاد نظرا لما يلفه من ضوابط؛ إما سلطوية، أو قانونية أو ما شابه. وعلى الرغم من التابو الذي يفرض جنسا مسكوتا عنه تارة، أومبالغا في التصريح به تارة أخرى؛ فإن بحثها هذا يأتي ليسلط الضوء على دلائلية الجنسانية (sexuality) في الخطاب الجنس (sexualdiscourse)بوصفها ظاهرة نصية في الرواية الجزائرية ممثلة – على سبيل الحصر لا السرد – بأهمّ كتّابها المرموقين، وهم: رشيد بوجدرة، والطاهر وطّار، و واسيني الأعرج، وذلك من خلال دراستها للروايات التالية:التفكك لـ: رشيد بوجدرة،عرس بغل لـ: الطاهر وطار، وسوناتا لأشباح القدس لـ :واسيني الأعرج؛ وقد توقّفت عند صور الجنس في رواية: (التفكك) بكل ما تتضمنه من شذوذ، وانحلال، وتمرد على العرف والقوانين الرمزية نصيا. في حين تمّ تركيزها على خصوصية توظيف الجنس إيديولوجيا في رواية: (عرس بغل) من خلال رمز المرأة وفعل البغاء؛ ناهيك عن دلائلية الجسد في رواية : (سوناتا لأشباح القدس)، وكيفية توظيفها جنسيا بين المشهدية والتظهير الأيقوني…
إنّ معالم الخطاب الجنسي في دراسة الدكتورة عايدة حوشي هو موضوع بحثها الذي يسعى إلى مقاربة التظهير الجنساني بوصفه دليلا نصيا يحمل البعد الرمزي الأيقوني، ويهدف إلى تصويره ظاهرة نصية تختلف نسبة توظيفها بين الكتّاب، وتطبع كل نص بطابع يميزه عن الآخر.
و يكتب القاص و الناقد والشاعر جعفر كمال بحثا بعنوان: (الرواية العربية ـــ الشخصية الإشكاليّة المادية في رواية: ((لحظة القبض على حشاش))، يحلل من خلاله رواية ( لحظة القبض على حشاش) للروائي العراقي عبد الباقي شنان، دارسا أهم السمات الاجتماعية و النفسيّة التي تسم الفضاء الروائي، بعلاقاته وشخوصه، و كذلك أهم مظاهر السلوكيات الجنسية، سواء أكانت سوية أم شاذة، والتي يمارسها أبطال الرواية. و يستعين في تحليله النقدي بمرجعيات معرفيّة متشعبة، من فكر وفن و فلسفة و علم نفس، توغل بعيدا في نظريات ابستيمولوجية، ونقدية متعددة تنهل من خورخي لويس بورخيس، و ميخائيل باختين، و من فلسفة رينيه ديكارت و أرسطو و فريديريك نيتشه و من نظريات علم الاجتماع ممثّلة برائد علم الاجتماع العربي المعاصر الدكتور علي الوردي، و برائد الفلسفة العربية المعاصرة الدكتور عبد الرحمن بدوي، و من نظريات علم النفس التي جاء بها سيجموند فرويد، و غيرهم.
و لم يكن همّ هذه الدراسة الأول دراسة مظاهر الجنسانية، و تجسّداتها في خطاب رواية( لحظة القبض على حشاش) فحسب، بل تعددت مناحي هذه الدراسة، و تشعّبت، لتنقل النص الروائي من كونه خطابا سرديا حكائيا إلى أن يصبح خطابا معرفيا و فلسفيا و اجتماعيا يتوزّع على البنية العامة للرواية. و قد اتسّم هذا البحث بلغة نقدية عالية محكومة بمصطلحات نقدية عديدة تنهل من كثير من المدارس النقدية المتباينة، سواء أكانت قريبة أم حديثة .
و يكتب محمد عبد الرحمن يونس دراسة بعنوان: ((سعار الشبقي والجنساني في حياة ملوك ألف ليلة وليلة وسلاطينها ـــــ دراسة نقدية في متن بعض حكايات ألف ليلة وليلة))، ويحاول في هذه الدراسة أن يشير إلى أهم مظاهر خطاب الحب و الجنس في ثلاث حكايات من حكايات ألف ليلة ولية، وهذه الحكايات هي : ((حكاية الخليفة هارون الرشيد مع زوجته السيدة زبيدة))، و: (( حكاية السقاء وزوجة الرجل الصائغ))، و((حكاية الملك الذي ذهب مستخفيا إلى إحدى القرى))، باعتبار هذا الخطاب خطابا ناميا ، متشعبا في جوانبه العديدة، من حيث شمولية النظرة والاتجاه، وكذلك البعد النفسي لشخوص حكايات ألف ليلة وليلة، ومواقفهم إزاء شهواتهم الجنسانية المتحفزة دائما لعشق النساء الجميلات، ومحاولة كسب ودهنّ، والحصول عليهنّ كزوجات، أو عشيقات خليلات.
كما تحاول هذه الدراسة أن تفهم أبعاد هذا الخطاب، ودوره في بناء الحكايات، على المستوى القصصي والسردي، ودوره في بناء لغة وصفيّة خاصّة، تجسّد طبيعة العلاقة العاطفيّة والجنسانيّة بين الرجال والنساء في حكايات الليالي، كما تحاول أن تعرّج على الخطاب السردي الساخر الذي يبثّه رواة ألف ليلة وليلة في السرد القصصي، ويسخرون من خلاله بأفراد الطبقة الحاكمة في الليالي، وفق إيديولوجية معرفية خاصّة تدين هؤلاء الأفراد، و تعتبرهم منتهكين لحقوق مواطنيهم، ومن جهة أخرى تركّز على البعد الجمالي الأخلاقي لبعض نساء ألف ليلة وليلة الفاضلات اللواتي يرفضن الخيانة الزوجية، باعتبارها فعلا لا أخلاقيا، ومنافيا لأخلاق الدين الإسلامي ، وقيمه المعرفيّة والتشريعيّة.
و يتناول الدكتور أشرف صالح محمد سيد. في بحثه الموسوم بـــ: ((الشذوذ الجنسي في مصر خلال عصر سلاطين المماليك – سلوك العامة أنموذجًا(1250 – 1517م).)) ظاهرة الشذوذ الجنسي في فترة دولة المماليك، هذه الفترة الحاسمة في تاريخ الحضارة الإنسانية بصفة عامة والعربية الإسلامية بصفة خاصة، ففي هذه الفترة الكثير من الأحداث الكبيرة، التي شكّلها العديد من السلاطين العظام الذين تركوا لهم بصمات واضحة على صفحات التاريخ المملوكي. فقد استطاع المماليك أن يشيدوا إمبراطورية ضخمة حققت وزنًا في السياسة العالمية في العصور الوسطى، إلا أن عصر المماليك هذا كانت له مساوئ و آثار سلبية مدمّرة في عدة ميادين.
ويحاول الدكتور أشرف في دراسته هذه أ ن يعرض، بكثير من البحث والاستقصاء، لإحدى هذه المساوئ وهي ظاهرة انحرافات المجتمع وشذوذ أفراده الجنساني ، من خلال ما ذكرته المصادر التاريخية عن الشذوذ الجنسي لدى العامة، و من خلال ما وصلنا من أخبار هذا الشذوذ، برجاله ونسائه، و ذلك من واقع الفنون الشعبية وكتب الأدب المكتوبة في هذه الفترة. وقد اعتمد الباحث في بحثه المنهج التاريخي الوصفي التحليلي، من خلال جمع المعلومات والروايات التاريخية بالرجوع إلى مصادرها ومراجعها، و من ثمّ تحليل هذه المعلومات بشكل موضوعي في سياق حركة المجتمع المملوكي، الذي تورّط نساؤه و رجاله في ارتكاب جميع مظاهر الشذوذ الجنسي، حتى تلك التي بلغت حدّ ممارسة الجنس مع الحيوانات.
ويكتب الباحث والناقد العراقي الدكتور سعيد عبد الهادي المرهج بحثا بعنوان: (( صورة المرأة في مرويات العصور المتأخرة ــ قراءة سيميائية في كتاب ابتلاء الأخيار بالنســاء الأشرار)) لمؤلفه : إسماعيل بن نصر السلاحي (ابن القطعة )، وقد جاء هذا البحث على قسمين: الأول محاولة تعريف بآليات المنهج السيميائي الكريماسي (السيمياء السردية) قدّم فيه الباحث تعريفا بهذا المنهج ، فضلا عن الإشارة إلى مصادره الرئيسة. والقسم الثاني ركّز فيه على الإجابة عن سؤال التجنيس (ذكورة/ أنوثة) في التراث العربي، و قد بيّن فيه من خلال هذا المنهج أننا أمام معرفتين: معرفة دينية محضة أعطت للمرأة حقوقا لم يعرفها زمن البعثة وما بعده، حتى عصر الحداثة العربي. ومعرفة اجتماعية بَقيَت المرأة فيها محصورة في دائرة المهمّش، وكانت الحكاية (فعل القص) ذاتها جزءا من آليات تعزيز التهميش.
وهذا ما أُثبته الباحث بجلاء من خلال قراءة المدونة التراثية المدروسة (ابتلاء الأخيار بالنساء الأشرار). تلك المدونة التي سعى كاتبها إلى جمع مختلف أشكال المعرفة التراثية فيها؛ وبجانبيها الرئيسين: الشعري والعلمي. فكأنه بسيره على الطريق ذاته الذي سلكه عصر المعرفة الموسوعية العربي، إنما حاول أن يقدّم موسوعة تجمل المعرفة بعالم المرأة ، ليست معرفة عصره فحسب، بل المعرفة العربية منذ لحظة الإمساك بها في عصر التدوين حتى عصره.
و يكتب محمد عبد الرحمن يونس مقالا بعنوان: (( قراءة في كتاب : الحب بين المسلمين و النصارى في التاريخ العربي))، لمؤلفه الأستاذ عبد المعين الملوحي، شيخ الكتاب السوريين المعاصرين، و يحاول فيه أن يعرض لأهم ما جاء في هذا الكتاب، الذي يعدّ من أهم الكتب العربية المعاصرة التي سجلت أخبار الحب والعشق و الزواج في علاقات المسلمين بالمسيحيين، من خلال تاريخهم الاجتماعي والإنساني والثقافي و المعرفي. فقد نشأت بين الرجال والنساء في المجتمعين الإسلامي والمسيحي علاقات حب قوية أدّت في بعض حالاتها إلى الزواج، وكان لهذه العلاقات دور في امتزاج المجتمعين الإسلامي والمسيحي، وبالتالي دور في بنية هذين المجتمعين على المستوى الإنساني والحضاري والاجتماعي والثقافي.
ويأتي هذا الكتاب ليلقي ضوءاً على بنية علاقات الحب هذه، هذين المجتمعين، وليقلّب صفحات طويلة من كتب التراث العربي التي سجلت أخبار هذه العلاقات.
أما الدكتورة فريدة مولى فتكتب بحثا بعنوان:((الماهية الأنثوية بين الخطابات الشبقية والخطابات الصوفية)) ، تطرح فيه قضية الماهية الأنثىوية من منظور الفكر البطريركي الذي يعزز الجنس الذكوري السَّني على حساب الجنس الأنثوي الدّني، وبالتحديد الفكر الذي أنتج خطابات شبقية تحصر الماهية الأنثوية في مفهوم الشكل والجسد، وترسّخ صورة المرأة كأداة إيروتيكية لإثارة الغرائز، وتتعرض لجسدها بشكل مستقل عن كينونتها الإنسانية بتغييب عقلها وفكرها والأهم من ذلك إلغاء حضورها الإنساني، وبالمقابل يكشف كيف تجلت الماهية الأنثوية في الخطابات الصوفية التي اتخذت من الصورة الوجودية للمرأة/الأنثى نموذجا يجمع بين الجمال الإلهي والحكمة والفتوة الصوفية بأجلّ معانيها، فقد نأى الخطاب الصوفي عن الخطابين الفقهي والجنسي اللّذين ميّزا بين الذكورة والأنوثة كماهيتين منفصلتين لكل ماهية خاصياتها الوجودية والميتافيزقية، وارتقى فوق التصنيف البيولوجي للمرأة والرجل،وسوّى بينهما، كما حاول تخليص المرأة من الحصار الأخلاقي والرقابة الإديولوجية اللذين مورسا عليها داخل الخطابات الأخرى، وقد اكتسي حضور الأنثى في الخطابات الصوفية بشكل عام وفي خطاب “ابن عربي”بشكل أخص مكانة مميزة، إذ تقف المرأة في كتاباتهم شاهدا على الذوق الرفيع للمتصوفة الذين ناشدوا جمالها الروحي إلى جانب جمالها الجسدي، رادين بذلك الاعتبار للجسد الأنثوي الذي همّش واحتقر في الكتابات الفقهية، وامتهن وسخّر في الكتابات الشبقية.
إن كتابنا هذا يشكّل الجزء الأول من مشروعنا البحثي الذي نأمل أن نكلمه، و هو موسوعة كبيرة متنوّعة في طرحها وأهدافها و مواضيعها، أطلقنا عليها اسم: موسوعة الجنسانية العربية و الإسلامية، قديما و حديثا، و نأمل أن ننجز منها جزءا في كل عام، نخصصه للخطابات الجنسانية ، سواء أكانت قديمة أم حديثة، و دور هذه الخطابات و تأثيرها في الكتابات العربية المعاصرة من جهة، و دورها في أن تشكّل حقلا سوسيولوجيا و ثقافيا، يمكننا، من خلاله، أن نفهم الذهنية المعرفية السائدة في بنية مجتمعاتنا العربية و الإسلامية، فكرا و سلوكا، و أخلاقا من جهة ثانية.
و نطمح في أن تكون هذه الموسوعة مرجعا مهما للباحثين في حقل الجنسانية العربية، و للقرّاء المهتمين بهذا الجانب المعرفي، شديد الحساسية، و للدارسين من طلابنا الأعزاء، و بخاصة في شعبتي الماجستير و الدكتوراه، في أقسام الدراسات العليا في جامعاتنا العربية، و في الجامعات الأجنبية التي عملنا بها سابقا، و نعمل بها حاليا.
كما نأمل أن تكون هذه الموسوعة قادرة على كشف ما هو مستبد مظلم متخلّف، و أناني فردي ضيّق متحكّم في طبيعة العلاقات الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية المعاصرة، و بخاصة في علاقات الرجال بالنساء، على المستوى الجنساني والعاطفي من جهة، و على مستوى الاضطهاد و الطبقيّة والتبعيّة الجنسية من جهة أخرى.
و الله ولي التوفيق.
أ. د.محمد عبد الرحمن يونس
بغداد في أيار ، مايو 2018م .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب في مكتبة أمازون