أكد اقتصاديون أن التعداد العام للسكان والمساكن يمثل أداة حيوية لتوفير بيانات دقيقة وشاملة تدعم اتخاذ القرارات الاقتصادية والتنموية.
وقالوا إن أهمية التعداد تكمن في فهم احتياجات المجتمع ورسم السياسات الوطنية وتوجيه الاستثمارات وتوفير بيانات حول السكان وخصائصهم، ما يتيح لصناع القرار وضع خطط تتجاوب مع متطلبات التنمية.
وأضافوا أن التعداد العام يساهم في تحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي عبر تحديد أولويات الاستثمار في قطاعات أساسية كالصحة والتعليم والبنية التحتية، ما يعزز التنمية المستدامة ويواجه تحديات الفقر وعدم المساواة، مشيرين إلى أن التعداد يعكس واقع توزيع السكان ويبرز احتياجات المحافظات، بما يسهم في توجيه الاستثمار المتوازن بين المناطق ويعزز العدالة في تقديم الخدمات.
وأعلنت دائرة الإحصاءات العامة، عن توجهها للبدء في تنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن لعام 2025 بداية العام المقبل، علما أن آخر تعداد أجرته الدائرة عام 2015.
ويعد هذا التعداد السابع منذ تأسيس المملكة ودائرة الإحصاءات العامة، حيث يتم تنفيذه كل (10) سنوات، وذلك حسب قانون الإحصاءات العامة رقم 12 لسنة 2012 والقوانين الدولية المعنية في هذا الجانب وكذلك التوصيات الصادرة عن الهيئات الدولية صاحبة الاختصاص.
وأكد مدير عام دائرة الإحصاءات العامة الدكتور حيدر فريحات، أن التعداد العام للسكان والمساكن يمثل أداةً أساسية لبناء القرارات الاقتصادية في الأردن، مشددًا على أهمية البيانات التي يوفرها التعداد في رسم السياسات الوطنية وتوجيه الاستثمارات الاقتصادية.
وأشار إلى أن التعداد يوفر بيانات شاملة حول خصائص السكان والمساكن وبيانات الحالة التعليمية والخدمات والبنية التحتية في مختلف مناطق المملكة، بالإضافة لبيانات جميع السكان في المملكة من أردنيين وغير أردنيين في مختلف المحافظات ومعلومات حول الإعاقة وغيرها من البيانات الضرورية لبرنامج التحديث الاقتصادي، مؤكدا أنه يساعد صانعي القرار على فهم احتياجات المجتمع الأردني بشكل أدق، ووضع خطط مدروسة تستجيب لهذه الاحتياجات.
وبين فريحات ان التعداد العام للسكان والمساكن يساهم في تحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي وذلك من خلال توفير بيانات حديثة وشاملة ودقيقة في مختلف المواضيع والخطط التي تناولها البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي.
وأضاف أن نتائج التعداد تمثل أساسًا لتحديد أولويات الاستثمار الحكومي والخاص في قطاعات حيوية مثل التعليم، والصحة، والبنية التحتية، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة، مؤكدا أن هذه البيانات تعزز أيضًا السياسات الهادفة لمكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية عبر فهم التحديات التي تواجه مختلف شرائح المجتمع.
ولفت فريحات إلى أن التعداد يُمكّن الجهات المختصة من تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للسياسات القائمة، وتحديد مدى فعاليتها، مما يدعم تطوير استراتيجيات أكثر فعالية لتحقيق الأهداف التنموية.
وأكد جاهزية الدائرة لتنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن لعام 2025، الذي يعد التعداد الأضخم والأوسع في تاريخ الأردن، منوهاً الى أن التعداد العام سيتم تنفيذه في بداية العام المقبل.
بدوره، أكد الوزير الأسبق الدكتور يوسف منصور أهمية جمع البيانات الشاملة حول السكان وأماكن عملهم وأعمارهم قبل اتخاذ أي قرار اقتصادي.
وأوضح أن فهم أثر القرارات الاقتصادية يتطلب معرفة أين تتركز التأثيرات السكانية، وكيف ستتأثر مختلف الفئات العمرية والمهنية في المجتمع، فعلى سبيل المثال، من المهم معرفة توزيع العمالة بين الفئات العمرية المختلفة، كأعمار الستينيات والخمسينيات، سواء كانوا يعملون كمهندسين، أو عمال بناء، أو أطباء، وذلك لقياس الأثر المباشر للقرارات الاقتصادية على هذه الفئات.
وأشار إلى أن التنمية الاقتصادية في الأردن قد ركزت سابقاً على بعض المحافظات، لا سيما العاصمة عمان، مع إهمال بعض المناطق الأخرى مثل الكرك والطفيلة ومعان، مبينا أن التنمية المحلية تتطلب التوزيع العادل للاستثمارات عبر المحافظات، مع توفير البنية التحتية المناسبة كالمستشفيات والمدارس والخدمات الاجتماعية، وذلك لجعل هذه المناطق جاذبة للاستثمارات وللمستثمرين الأجانب والمحليين.
وشدد الدكتور منصور أيضاً على أهمية التعداد العام للسكان في الأردن، رغم تكلفته العالية، لأنه يوفر قاعدة بيانات أساسية للقرارات الحكومية والقطاع الخاص على حد سواء، مضيفا أن هذا التعداد يسهم في تحديد مستوى الدخل والثقافة والتعلم لدى الأسرة الأردنية، ما يساعد على اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة.
من جانبها، قالت وزيرة الصناعة والتجارة والتموين الأسبق، الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة المهندسة مها العلي، إن التعداد السكاني يعد أداة مهمة لتوفير البيانات التي تدعم وضع السياسات واتخاذ القرارات الاقتصادية، مضيفة أنه يسهم في تحديد الاحتياجات التنموية من تعليم وصحة وبنية تحتية، وتوفير البيانات المصنفة جندريًا، ما يسهم في تطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية المراعية لأولويات تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها الفاعلة في مختلف المجالات.
وأوضحت أن من أبرز الأوجه التي تظهر فيها أهمية التعداد السكاني، قياس الفجوة في سوق العمل، حيث يظهر الفجوات في التوظيف والأجور بين الجنسين، بالإضافة إلى رصد الفروقات في التعليم والتأهيل المهني بين الرجال والنساء وتوجيه السياسات التي تهدف إلى تعزيز فرص التعليم والتدريب للفتيات.
ولفتت إلى أن توفير البيانات حول مشاركة النساء في الحياة الاقتصادية كعاملات وصاحبات أعمال، أمر في غاية الأهمية لمعرفة واقع الحال وإعداد الدراسات وتقييم مدى نجاح السياسات والاستراتيجيات والتعديلات التشريعية التي يتم تبنيها، ومدى إسهامها في تحقيق المستهدفات في الخطط القطاعية المختلفة مثل الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للمرأة واستراتيجية تمكين المرأة في رؤية التحديث الاقتصادي والاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية.
وأكدت العلي أن التعداد السكاني بمكوناته المختلفة يعتبر من مصادر البيانات الرئيسة لمؤشرات الاستراتيجية الوطنية للمرأة للأعوام 2020-2025 ومرصد المرأة الذي يجري العمل على إنشائه في اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عدلي قندح، أن التعداد العام للسكان والمساكن في الأردن هو أحد الأدوات الأساسية التي تتيح للحكومة والقطاع الخاص بناء قرارات اقتصادية قائمة على بيانات دقيقة وشاملة.
وبين أن من أبرز المجالات التي يمكن أن يسهم فيها التعداد السكاني في دعم السياسات الحكومية، التخطيط الاستراتيجي وتخصيص الموارد حيث يوفر التعداد قاعدة بيانات شاملة تشمل التوزيع الجغرافي للسكان وخصائصهم السكانية ومستويات الدخل وظروف السكن، مشيرا إلى أن هذه المعلومات تساعد في توجيه الإنفاق الحكومي وتحديد أولويات البنية التحتية في عدة مجالات مثل الصحة، والتعليم، والنقل، وتتركز على احتياجات المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.
كما يسهم التعداد في تحليل سوق العمل وتحديد فرص التشغيل، حيث توفر بيانات التعداد معلومات حول الفئات العمرية للسكان ومستويات التعليم، ما يساعد على فهم حجم القوى العاملة الحالية والمستقبلية.
وقال “من خلال هذه البيانات، يمكن توجيه الاستثمارات نحو القطاعات التي توفر فرص عمل ملائمة وتلبي احتياجات السوق المحلي، على سبيل المثال، إذا كان التعداد يُظهر تزايدًا في فئة الشباب، فقد تستثمر الحكومة في القطاعات التي تتطلب عمالة شابة، مثل الصناعات التحويلية والتكنولوجيا، إلى جانب العمل على تطوير المهارات المطلوبة”.
وأضاف أن التعداد يساهم في التنمية المستدامة وتخفيف الفقر، حيث يظهر معلومات حول معدلات الفقر وظروف السكن ومستويات الدخل، ما يساعد في توجيه الجهود نحو تحقيق تنمية أكثر شمولاً وتخفيف الفقر، فمثلاً، يمكن استخدام بيانات التعداد لتحديد المناطق الأكثر حاجة للدعم الاقتصادي والاجتماعي، وتخصيص برامج مساعدة مالية مباشرة أو مشاريع إسكان ميسورة، مثل هذه البرامج يمكن أن تحسن من مستوى المعيشة في المجتمعات الأكثر احتياجًا.
أما بالنسبة لتقييم الاحتياجات السكنية وتنظيم الإسكان، أكد قندح، أن التعداد يلعب دوراً مهماً في توجيه السياسات السكنية من خلال تحليل أنواع وأحجام الأسر وظروف السكن، مشيرا إلى أنه بناءً على هذه البيانات، يمكن لوزارة الاشغال تحديد احتياجات الإسكان الحالية والمتوقعة، وتوجيه الاستثمارات نحو بناء مشاريع إسكان تستجيب لاحتياجات الفئات السكانية المختلفة، خاصة تلك التي تعاني من نقص في الوحدات السكنية، كما تساعد هذه المعلومات أيضًا القطاع الخاص في تطوير مشاريع عقارية تستجيب لحجم الطلب المتوقع وتلائم الميزانيات المتاحة.
وحول السياسات النقدية وتقييم مستويات الإنفاق، ذكر أن التعداد يساعد في توفير معلومات مهمة حول الأنماط الاستهلاكية والدخل، ما يوفر قاعدة بيانات للبنك المركزي عند رسم السياسات النقدية، على سبيل المثال، إذا أظهرت البيانات ارتفاعًا في مستويات دخل فئات معينة، يمكن للبنك المركزي تقدير تأثير ذلك على التضخم وتوجيه السياسات النقدية بما يتلاءم مع الاتجاهات الاستهلاكية، كما تساعد هذه البيانات أيضًا الحكومة في تقدير حجم الإنفاق العام وضبطه وفقاً للاحتياجات الفعلية للمجتمع.
وفي مجال تشجيع الاستثمار الأجنبي والمحلي، أشار إلى أن بيانات التعداد تقدم صورة واضحة للاستقرار الاجتماعي والتقدم الاقتصادي، ما يشجع المستثمرين على اتخاذ قرارات مدروسة، مبينا أن المستثمرين المحليين والأجانب يعتمدون على هذه البيانات لفهم السوق المحلية، حيث تساعدهم المعلومات حول عدد السكان وتوزيعهم وخصائصهم الاقتصادية في اتخاذ قرارات استثمارية تعزز النمو الاقتصادي، على سبيل المثال، قد تجذب المناطق ذات الكثافة السكانية العالية استثمارات في مجالات التجزئة والخدمات اللوجستية، بينما تكون المناطق الصناعية جاذبة للاستثمارات في مجالات التصنيع.
ورأى الدكتور قندح، أنه بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية، يؤثر التعداد على السياسات الاجتماعية والخدمية من خلال إظهار الفجوات والاحتياجات الاجتماعية، مثلا، تساعد بيانات التعداد في توجيه الخدمات التعليمية والصحية، وتطوير السياسات المتعلقة بالحماية الاجتماعية، ما يدعم التوازن الاجتماعي.
ويمكن أيضًا استخدام هذه البيانات لتحسين مستوى الشمول الاجتماعي، وتعزيز العدالة في توزيع الموارد والخدمات بين مختلف الشرائح السكانية.