كتب :عمر المحارمة
الموقف من قانون ضريبة الدخل يتوجب أن يبنى على فهم للقانون لا أن يكون موقف انطباعي، وهذا ربما يحتاج لقدر من الخبرة في النواحي الاقتصادية و المالية و الضريبية، وهي خبرة بلا شك لا تتوفر لغالبية المواطنين بما فيهم النخب المتعلمة و المثقفة، لأن الأمر متخصص للغاية، وهنا يبرز دور الخبراء و العارفين بهذا الموضوع.
وعلى الرغم أنني لا أملك هذه الخبرة التي تتيح قراءة القانون جيدا وتقديم رأي علمي حوله، لكن هذه بعض الملاحظات العامة على القانون، وإن كانت الجوانب المتعلقة بالإعفاءات و شرائح المكلفين تشابهت بين القانون الجديد و قانون حكومة “الملقي” إلا أني اختلف مع الشريحة الواسعة من المواطنين التي اعتبرته نسخة من القانون الذي قدمته الحكومة السابقة، فالقانون الجديد حمل تغييرات جوهرية في كثير من الجوانب.
وقبل الحديث عن شرائح الإعفاءات و تقييم حجم المُكلفين و الحديث عن مقدار الدخل الخاضع للضريبة أو المعفي منها، لا بد أن يكون هناك إيضاحات من الحكومة عن الأثر التنموي للقانون، و عن الأهداف الاقتصادية المنشودة، فحسب فهمي أن القانون مطلوب لتجاوز أزمة مرحلية، فهل يعني هذا أن الحكومة قد تفكر بعدها بالتخفيف على الناس بقانون أكثر تقديرا لأحوالهم وظروفهم؟.
كما لا بد من الحديث بصراحة عن الأثر المتوقع للقانون، لأن نسبة الـ 90% الذين تقول الحكومة أنهم لن يدفعوا ضريبة دخل سيتأثرون بصورة غير مباشرة بنسبة التضخم التي قد يحدثها القانون، التاجر و الطبيب و المحامي و الصناعي الذي سترتفع عليه الضريبة سيحاول عكس ذلك على أسعار خدماته ومنتجاته وبالتالي التأثير بلا شك سيطال الجميع.
في جانب الشرائح المشمولة في أحكام القانون و دون الحديث عن خط الفقر و مستويات الغلاء لا يجوز أن يشمل القانون الدخل الإجمالي للفرد أو الأسرة مع إغفال التزاماتها، حسب فهمي أن الضريبة على الدخل يجب أن تكون على الجزء الفائض عن الحاجة الفعلية وليس على مجمل الدخل، فعلى سبيل المثال أسرة من 6 أفراد إجمالي دخلها 20 ألف دينار سنوياً و تسدد أقساط منزل و فيها فرد أو أكثر في الجامعات أو فرد مصاب بمرض مزمن ويحتاج لعلاج طويل، لا يمكن أن يتم معاملتها بذات النسب التي يتم فيها معاملة أسرة تحصل على ذات الدخل عدد أفرادها أقل و لا يوجد بين أفرادها طالب جامعي أو مريض.
وعلى الرغم من أن الجوانب السلبية للقانون عديدة لا بد من الإشارة إلى جوانب إيجابية تعالج الإختلالات في القانون الحالي أهمها التشدد في مكافحة التهرب الضريبي و حصره في أضيق حدود ممكنة، من خلال إلزامية “الفوتره”، مع وجود نصوص منضبطة تكافح التهرب وتضع عقوبات منطقية ومتدرجة عليه.
كما نقل القانون الجديد عبء الإثبات من المكلف إلى الإدارة، فسابقا كان المُقدر الضريبي يضع التخمين الذي يراه مناسبا والذي كان يخضع أحيانا للمزاجية و لا يملك المكلف إلا الاعتراض و تقديم ما يثبت خطأ المُقدر، فيما يضع القانون الجديد مسؤولية الإثبات على الموظف وليس على المكلف، بمعنى أن المُقدر ملزم بإثبات الدخل الذي يضع التقدير الضريبي بناءا عليه.
كما أن القانون الجديد سينقل مع تعديلات تشريعية أخرى حق الاعتراض على التقدير أمام دائرة الضريبة ذاتها ليصبح الاعتراض أمام السلطة القضائية، وهذا أكثر عدالة و إنصاف فلم يكن من المنطقي أن تقدر دائرة الضريبة قيمة الضريبة على المكلف و أن يكون الاعتراض أمامها -الخصم و الحكم-.
قانون ضريبة الدخل واحد من الإصلاحات التي بات من الواضح أن البنك الدولي يفرضها على الأردن تحت وطأة تخفيض تصنيفه الإتماني، ومن الواضح أن حكومة الدكتور عمر الرزاز “ابتلعت الموس” فلا هي قادرة على تجاهل توصيات البنك الدولي و لا هي قادرة على الاستمرار في كسب ثقة و دعم الشارع، و المخاوف باتت حقيقية من تفجر أزمة في الشارع قد تكون باب المتربصين بالأردن لإيذائه و زعزعة استقراره.
الجميع مطالب بوضع مصلحة الأردن فوق كل شيء، و الحكومة المُجبرة على تقديم هذا القانون قادرة على تخفيف وطأة أثره على الناس من خلال ضبط أشد للإنفاق و تقديم دفعة أكبر لشبكة الأمان الاجتماعي، و إلغاء ضريبة المبيعات على المزيد من السلع الأساسية و الغذائية كما فعلت يوم أمس في موضوع الخضار و الفواكه.
وقبل كل هذا لا بد أن تُظهر الحكومة جدية أكبر و أسرع في محاربة الفساد و مكافحة التهرب الضريبي، لعل نهاية العام المقبل 2019، تكون بالفعل كما قال رئيس الحكومة قبل أيام نقطة العودة في سقف المديونية الذي وصل مداه الأقصى، لتبدأ نسبة الدين إلى الناتج الإجمالي بالانخفاض تمهيدا لعودة مستويات النمو إلى ما كانت عليه قبل عشر سنوات.
(رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات)