“كورونا” يزيد من لحمة المجتمع.. والجيران على قلب واحد!
“في وقت الشدة تظهر معادن الناس الحقيقية”.. هكذا يقول الحاج أبو جهاد الذي يشعر بالامتنان الكبير لجاره الذي لا يتوانى نهائيا عن السؤال عنه في وقت الشدة، وهي خير اختبار لكشف معادن الناس ومعرفة ما يكنونه من مشاعر طيبة لبعضهم بعضا.
سكنه هو وزوجته في مكان بعيد عن ابنهما الوحيد أمر صعب عليهما، لكونهما كبيرين في السن، لكن إحاطتهما بجيران يحبونهما ويقدرونهما ويخافون عليهما هونت عليهما كثيرا، فهم يتفقدونهما باستمرار، خاصة في ظل الظرف الاستثنائي الذي يمر به الجميع.
ويبين أبو جهاد أن جاره يحرص يوميا على تأمين احتياجاته من الخبز والمواد التموينية والخضار والأدوية، وهذا بالطبع يشعره بالطمأنينة والأمان ويجعله أكثر تيقنا بأن الخير باق لن يزول من قلوب عامرة بالحب والإيثار على قدر التحدي والمسؤولية.
وفي ظل أزمة كورونا، أثبت الأردنيون وخاصة في الفترة الصعبة التي يعيشها الوطن نتيجة تفشي هذا الفيروس، واتخاذ كل القرارات الاحترازية لحماية المواطنين، أنهم جميعا على قدر التحدي وأنهم في الشدائد قلب واحد، مجسدين بذلك أروع معاني التكافل والتعاضد.
فئات المجتمع؛ شبابا ونساء ورجالا، أدركوا أن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو الوقوف صفا واحدا ويدا واحدة، ليبقى الأمن والاستقرار الدرع الواقي لهم جميعا.
الظرف الاستثنائي جعلنا أكثر تكاتفا وتلاحما وزاد من إحساسنا ببعضنا بعضا في هذه الأزمة، وأوجد حالة من التعاون والإيثار بين الجيران والأقارب، وذلك من خلال الاطمئنان على أوضاع بعضهم بعضا وتقديم المساعدة لكل من يحتاجها، سواء كانت مادية أو معنوية، وأيضا تفعيل صناديق التكافل لمواجهة الظرف الطارئ متخلين عن السلبية والأنانية، لنتمكن من اجتياز المحنة بقوة ووعي، وبأقل الخسائر.
أما الأربعينية أم عابد، فتقول إن التكافل والتعاون حصننا المنيع في محاربة الأزمة، وهذا يظهر جليا في علاقاتنا سواء الأسرية أو الاجتماعية، لافتة إلى أنها قبل الأزمة كانت تداوم على زيارة أختها الأرملة ولكونها وحدها وليس لديها أبناء.
لكن بعد صدور القرارات الاحترازية التي تهدف لحمايتنا، أصبح موضوع الحركة أصعب، الأمر الذي دفعها لأن تقترح عليها أن تأخذها معها إلى بيتها، وخاصة أنها تعاني من أمراض مزمنة، وتخشى عليها أن تبقى بمفردها، وفعلا كان لهذا الاقتراح تأثير كبير على نفسية الأخت التي شعرت بحب أختها وأولادها لها أكثر من أي وقت مضى. وذلك لم يقتصر على أم عابد بل شمل أخواتها الخمس اللواتي يتناوبن على خدمتها وراحتها وتأمين كل ما تحتاجه، مبينة أن الأزمات تقرب بين الناس وتشعرهم بحاجتهم لبعضهم بعضا.
الخمسيني أبو عدنان هو أيضا، وبحكم أنه رجل مقتدر ماديا، يجد أن من واجبه وخاصة في هذه الظروف تفقد الأسر الفقيرة في منطقته، وتزويدها بالمواد الغذائية، وطمأنة الصغار، ورفع معنوياتهم وإشعارهم بالأمان. كما أنه يحرص على الاطمئنان على أحوال أقاربه وأصدقائه عن طريق الهاتف أو حتى وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرا أن التكافل في الأزمات لا يقتصر على الجانب المادي، بل هناك حاجة أيضا إلى الاحتواء والمساندة والدعم المعنوي، وإشاعة الطمأنينة والتفاؤل بين الكبار والصغار.
ويقول الأخصائي الأسري والاجتماعي مفيد سرحان “في هذه الظروف التي نعيشها بسبب انتشار فيروس كورونا، فإن الحاجة ماسة إلى الالتزام بالتعليمات الرسمية والامتثال لها، كما أننا بحاجة إلى أن نكون أكثر تكافلا وتعاونا على المستوى الشعبي”.
ومن مظاهر التكافل الاجتماعي تفقد الأقارب والأصدقاء والجيران من خلال وسائل التواصل والاطمئنان عليهم والعمل على تقديم يد العون والمساعدة لهم عند الحاجة بدون الإخلال بالتعليمات الوقائية الصحية. وبادرت بعض العائلات إلى تفعيل صناديق التكافل، ويمكن تشكيل مجموعات الطوارئ في الأحياء تكون مهمتها تفقد أحوال أهل الحي من خلال الاتصال والمتابعة وتأمين احتياجاتهم، وخصوصا كبار السن والفقراء.
وتبقى الظروف الصعبة هي التي تكشف عن حقيقة الشخص والأسرة والاستعداد للمساعدة، وهي فرصة أيضا لتربية الأبناء وتوجيههم للقيم الأصيلة المتمثلة في التعاون والتراحم والتكافل. والتكافل يمكن أن يكون بشكل فردي أو جماعي من خلال المؤسسات ويجب أن يتوافق مع الظرف وبحسب الحاجة.