– لم تكن الطفلة الغريقة “شيو” ذات الخمسة أعوام تبحر في عرض البحر المتوسط على أحد قوارب الموت المتجهة شمالاً نحو القارة الأوروبية.. لم يغدر بها تجّار الموت، ولم تكن تبحث عن لجوء تحت وطأة حرب لا تبقي ولا تذر، بل كانت تبحث عن مكان آمن يقيها موجة عاتية حين ضربت الفيضانات قريتها الصغيرة في ضواحي مدينة “شين تاي” الصينية.
لم تلحق بها سواعد قوات الدفاع المدني التي هرعت متأخرة إلى المكان، ولم تمهلها سرعة تدفق المياه من النهر المجاور لقريتها مزيداً من الوقت للإمساك بغصن شجرة أو طرف خشبة عابرة، فتقاذفتها الأمواج المتلاطمة ساعات طويلة قبل أن تلقي بها جثة هامدة على حافة النهر.
كانت صورة انتشال الطفلة “شيو” أكثر الصور مأساوية من الكارثة التي حلت بمدينة شين تاي منذ ثلاثة أيام وأسفرت عن مقتل عشرات الصينيين وفقدان المئات، بالإضافة إلى تضرر 1762 منزلا، وإجلاء نحو تسعين ألف شخص، وجرف 66 هكتاراً من الأراضي الزراعية.
وحمّل أهالي الضحايا المسؤولية للسلطات المحلية لأنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة -حسب قولهم- للحيلولة دون وقوع خسائر في الأرواح والممتلكات، بينما قال شهود عيان إن السلطات فتحت صباح أمس الجمعة إحدى بوابات السدود في نهر “تشي لي” لتخفيف ضغط المياه التي ارتفع منسوبها جرّاء الفيضانات إلى 1.7 متراً، ولكن دون إشعار مسبق لسكان القرى المجاورة، مما أدى إلى تدفق المياه وجرف مئات المنازل والأراضي الزراعية.
وشهدت الساعات الأولى من انتشال الضحايا اشتباكات وأحداث عنف بين قوات الأمن ومواطنين غاضبين، ولقيت صورة انتشال الطفة “شيو” انتشاراً واسعاً على شبكات التواصل الصينية، وربط عدد من الناشطين الصينيين بين صورتها وصورة الطفل السوري إيلان الذي قضى غريقاً على السواحل التركية، وعلقوا أسفل الصورة: “مأساة واحدة”، “موت آخر للطفولة”، “أين الإنسانية من هذه الصور؟”.
ناشطون آخرون صبوا جام غضبهم على السلطات الصينية، وتساءل بعضهم عن جدوى وجود قوات الدفاع المدني في القرى الصغيرة إن لم تكن قادرة على حماية السكان في أوقات الأعاصير والفيضانات والكوارث الطبيعية.
من جهته أكد مسؤول حكومي بالمدينة صباح اليوم السبت أن السلطات المحلية أبلغت السكان بعزمها فتح بوابة أحد السدود لتصريف المياه وتخفيف الضغط بسبب الفيضانات، ودعا إلى عدم الالتفات إلى ما يشاع على شبكة الإنترنت.
يشار إلى أن السلطات الصينية حذفت كافة الصور المتعلقة بكارثة “شين تاي”، كما تم حذف العديد من الروابط والتقارير ذات الصلة من على صفحات موقع التواصل الاجتماعي الصيني “ويبو”.
وتشهد الصين موجة من الفيضانات والأعاصير المستمرة منذ قرابة الشهر في عدة مناطق وسط وجنوب وشرق البلاد، وقد أودت بحياة نحو ثلاثمئة شخص، وألحقت أضراراً بنحو مليوني هكتار من الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية قدرت بنحو ستة مليارات دولار.
وتسود مخاوف من تزايد الأضرار في الأرواح والممتلكات مع استمرار هطول الأمطار في عدد من المقاطعات والمناطق.