ونحن على أعتاب المئوية الثانية لتأسيس الدولة الاردنية، التي التي اعتمدت على رؤية مؤسس الدولة الاردنية الملك عبدالله الاول بن الحسين في إعتبار الكيان السياسي الأردني كنواة لدولة عربية مستقلة، فالتجربة الأردنية في التأسيس والتطور أثمرت وعبر عشرة عقود من البذل في سبيل بناء دولة مدنية عصرية برؤى القيادة الهاشمية الحكيمة التي حرصت على الإستثمار بالإنسان، لتتضح هوية الدولة واستحقاقات التطور السياسي والاقتصادي وليكون الجميع على قدر عال من الوعي في مواجهة التحديات.
الإقتصاد هو عماد الإستقلال، وهنا نسلط الضوء على منجزات الدولة الإقتصادية، وتعظيمها والوقوف على أبرز التحديات وكيفية استغلالها كفرص للمستقبل للوصول للدولة التي نريدها، مرتكزة على سيادة القانون متسلحة بالإنتاج والإعتماد على الذات، لخلق تحول اجتماعي ثقافي واقتصادي في اتجاهات الأردنيين؛ في رؤيتهم لأنفسهم وفي رؤيتهم للمستقبل من خلال إيجاد بيئة تمكينية حافزة لإطلاق واستثمار طاقات وإبداعات أبناء وبنات الوطن لتحقيق أقصى آمالهم للنهوض بواقع الخدمات العامة وأنظمة الحماية الاجتماعية وتحقيق الاستدامة لأجيال المستقبل.
فالمتتبع لتطور الإقتصاد الوطني منذ إعتماد السوق المفتوح “الإقتصاد الحر” وإقتصاد الدولة الذي أنشئ القاعدة الصناعية والبنية التحتية، وما تخللها من خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية قادها مجلس التخطيط القومي لتأطير السياسات ووضعها في خطط وبرامج زمنية، ومن ثم التوجه لتبني التشاركية بين القطاعين العام والخاص التي ساهمت بتحفيز الاستثمار وتوفير فرص العمل من خلال تطويروتنمية قطاع الخدمات بالاعتماد على رأس المال البشري ليشكل بما نسبته 70% من الإقتصاد الوطني من سياحة وتمويل وخدمات هندسية وتكنولوجيا المعلومات ونقل ليكمل القطاع الصناعي من بوتاس وفوسفات وأسمدة وصناعة الملابس وأدوية وصولا لمساهمة القطاع الزراعي، لم تكن مراحل التطور الإقتصادي دائما إيجابية لأسباب إقليمية ودولية، فكان الإعتماد على برامج التصحيح الاقتصادي والمساعدات الخارجية لايجاد سياسات اقتصادية بهدف التغلب على الازمات الاقتصادية (المالية والنقدية)، وتخفيف أعباء المديونية.
حيث واجه الأردن خلال العقود الماضية العديد من التحديات الاقتصادية، والتي كانت ناتجة عن ازمات عاشها الأردن مع الحروب وازمات اللجوء المتكررة، إضافة للأزمة المالية العالمية وتفاقمت مع انطلاق الربيع العربي في العديد من البلدان العربية وأخيرا أزمة وباء كورونا الذي أدى إلى إغلاق الحدود وتراجع أسعار النفط مما أثر على معدلات النمو الاقتصادي في الأردن والصادرات الأردنية والمساعدات والمنح بالإضافة لحوالات المغتربين الأردنيين في الخارج لا سيما في دول الخليج العربي التي عانت من تراجع أسعار النفط عالمياً. كما تأثرت المالية العامة للأردن بتراجع المنح والإيرادات العامة نتيجة تباطؤ الدورة الاقتصادية مما أدى إلى تفاقم الدين العام خلال السنوات الأخيرة. كما انعكس هذا التباطؤ الاقتصادي بدوره على تقلص حجم فرص العمل المولدة في السوق المحلي مما أدى بدوره إلى زيادة معدلات البطالة التي بلغت 19% في الربع الأول من العام 2020.
وعلى الرغم من كل هذه التحديات والعقبات إلا أن الأردن أظهر قدرة استثنائية ومتميزة في الحفاظ على حالة الثبات والتماسك الداخلي، وتمكن من مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي شهدها العالم والاقليم من خلال السياسات التي عمل عليها جلالة الملك عبدالله الثاني وحرصه على استمرار الإصلاح الاقتصادي وتطوير البنية التحتية والانفتاح على تعزيز دور القطاع الخاص وفتح مجالات اكبر للاقتصاد محليا واقليميا ودوليا، وهذه التحديات تدفعنا للعمل على بناء اقتصاد مرن يعتمد على الذات يستطيع أن يتحمل الصدمات والمتغيرات، ويفتح آفاق أكبر على تشجيع الإستثمار قادرة على تحقيق النمو الاقتصادي المنشود (7.5%) في عام 2025 وذلك بتعزيز الاستثمار بالمال البشري واستيعاب العمالة الاردنية المؤهلة في اقتصاد وطني مبني على التكامل والتداخل والترابط في العديد من القطاعات وفق ركائز مهمة:
1-فائض بالطاقة الكهربائية، يمكن أن يستغل بدعم الصناعة الوطنية، وفتح الآفاق للصناعات الثقيلة والتحويلية، خصوصا الأزمة الحالية تفتح المجالات لنقل مصانع كبرى للأردن
2-تعزيز قطاع صناعة الملابس، حيث حققت شركات صناعة الملابس “كجرش” نتائج عالمية، تدفع للإهتمام بهذه الصناعة وتعزيزها من خلال دعم الطاقة والتشريعات، حيث تستوعب الشركات عدد كبير من العمالة
3-القدرة على تحلية مياة البحر الأحمر، والابار الجوفية العميقة لتحقيق الأمن المائي الطويل، ويسهم في تعزيز الجانب الاقتصادي والزراعي
4-مساحات زراعية كبيرة مدعومة بتكنولوجيا متقدمة في الزراعة، مجموع مساحة الأراضي التي يزيد معدل الأمطار فيها عن 200 ملم تبلغ حوالي (9) مليون دونم أي ما يقارب 10%، واذا تم إستغلال معالجة المياه الصناعية كالتي تستخدم في شركة الفوسفات، وكذلك السدود والحفائر الترابية نجد أن 52 مليون دونم قابلة لزراعة الحبوب والأعلاف في الأردن (أي ما يعادل 55% من المساحة الكلية للمملكة)
5-خامات تعدين كبيرة منها النحاس والدراسات العلمية تؤكد الجدوى الاقتصادية بالاضافة للذهب و العديد من المعادن المصاحبة للبوتاس والفوسفات وغيرها من الصناعات التي ان تكاملت سوف تحقق نتائج تجارية كبيرة
6-قطاع التنقيب عن البترول والغاز والعمل على دعم شركة البترول الوطنية للقيام بعمليات الاستكشاف والتطوير، بالاضافة لتحفيز مصفاة البترول الأردنية للقيام بمشروع التوسعة الرابعة
7-التكامل بين الصناعات والخدمات بحيث تحقق التكامل المحلي، وتسهم ببناء شراكات وطنية عملاقة في مختلف المجالات كالاسمدة والغاز
8-تشريعات ضريبية وجمركية مبنية على قدرة الشركات على التصدير للخارج، وتعزيز التنافسية
9-الاستثمار أكثر بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتعزيز قطاع الخدمات، فالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تشكل حوالي 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتوفر عشرات الآلاف من فرص العمل للأردنيين.
10-تطوير خدمات القطاع العام من خلال الأتمتة وتأهيل الكوادر البشرية والحد من الاجراءات البيروقراطية
11-تفعيل دور الجامعات كحاضنات أعمال ريادية ومشاريع صغيرة ومتوسطة لرفد الاقتصاد بالافكار العلمية الجديدة، كما يتم ربطها بالمصانع الكبرى ومراكز التطوير ك مركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير (كادبي)
12-تعزيز السياحة الداخلية والخارجية من خلال خفض الضرائب ودعم البرامج السياحية سواء بالترويج او تطوير المرافق السياحية والتراثية، وبناء الشراكات مع القطاع الصحي لتنشيط السياحة العلاجية
13-تطوير القطاع الصحي و صناعات الأدوية والتوسع بتصنيع المستلزمات الطبية
الأردن الحديث هبة الهاشمين، فالانجازات الوطنية ما هي الا حصائد للفكر الهاشمي التي وفرت الاستقرار السياسي والسلم المجتمعي، وما تميزوا به من نظره ثاقبه وعلاقات دوليه، ساهمت في بناء دولة قوية متينة الاركان تحوي جيشها العربي الشامخ وشعباً له ارادة قوية بكل مبادئه وتضحياته.