(بترا)- رزان المبيضين- يعتبر شهر شعبان من الأشهر المباركة في السنة الهجرية، ويقضي المسلمون ليلة النصف منه بالتقرب إلى الله تعالى، اقتداء بالهدي النبوي الشريف، وعملا بسننه.
ويدعو متخصصون إلى اغتنام هذه الليلة المباركة بالعمل الصالح والدعاء الطيب، مؤكدين أن التسامح والعفو بين الناس شرط رفع الأعمال للمولى عز وجل، متمثلين القول المأثور “مثلي هفا ومثلك عفا”.
ويوجهون الأفراد خلال حديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، للتخلي عن البغضاء، ودرء الشحناء، لما لها من جميل الأثر على النواحي الاجتماعية والنفسية، مستشهدين بالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة.
وفي هذا الصدد، يذكر مفتي محافظة العاصمة الدكتور محمد الزعبي قول الرسول الكريم: “إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا”، ومن نفحات ربنا الكريم أننا نتفيأ ظلال شهر شعبان، الشهر الذي امتدحه النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: “ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”. وفي هذا الشهر ليلة تسمى ليلة النصف من شعبان وتبدأ هذه الليلة بعد غروب شمس هذا اليوم وتصادف ليلة الخميس على الجمعة وتنتهي عند صلاة فجر يوم غد الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم بين فضلها وحث المسلمين على مزيد من الطاعة والعبادة فيها، فعن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن”، وفي هذا دعوة إلى تعبد الله عز وجل بتطهير القلوب لأن الشحناء والبغضاء قد تكون سببًا في عدم رفع الأعمال الصالحة إلى الله سبحانه وتعالى، وسببًا في عدم مغفرته للذنوب. ويستشهد الزعبي بقصة الصحابي الجليل عبد الله بن سلام، حيث قال الرسول محمد عليه السلام: “إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ هَذَا الْبَابَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ”، حيث كان يزيد عن أعمال الصالحين والمسلمين في زمنه أنه كان يبيت كل ليلة وليس في قلبه غلٌ ولا غشٌ ولا حقدٌ ولا حسدٌ لأحدٍ من المسلمين، وفي ذلك بيان لمنزلة من يتسامح ويصفح، ويبيت بقلب سليم.
ويقول، اختصاصي الطب النفسي وعلاج الادمان الدكتور منتصر الحياري، إن على الأشخاص اتخاذ قرار التسامح حفاظًا على صحتهم الجسدية والنفسية، فالبغضاء والضّغينة والغضب يؤثرون على الحالة النفسية والجسدية للفرد، ويجعلونه أكثر عرضة للضغط النفسي والقلق والإكتئاب، ما يرفع لديه هرموني “الأدرينالين” و “النورأدرينالين اللذان يجعلان الشخص في حالة مستمرة من الإستعداد للقتال أو الهرب، ما يعني ارتفاعًا في نبضات القلب، والضغط الشرياني، وضيق في التنفس والشعور بالتعب العام، والإحساس بالآلام الجسدية على المدى البعيد.
من جانب آخر، يزيد التسامح من الشعور بالقوة، وبالتالي يرفع قدرة الشخص للسيطرة على المواقف، ويحسن مستوى الرضا لديه، منوها لأهمية “عدم جعل الصحة تحت سيطرة الشخص المخطئ أو المعتدي” على حد وصفه.
ويوضح الحياري، أن اتخاذ القرار بالتسامح يصبح أيسر وأسهل بمجرد أن يتفهم الشخص اختلاف الآخرين ويدرك حقيقة النقص البشري، ويستوعب أن البشر خطاؤون، حيث أنه ليس هنالك شخص سيء بالمطلق، وإن ما يزعجه أو يعجبه من أحدهم هو سلوكٌ معين يصدر عنه.
ويقتضي التنويه وفقًا للحياري، إلى أن التسامح لا يعني تبرير سلوك الاعتداء، ولا يجب أن يعطي الحق للناس في تكراره، بل يعني قيام الفرد بالمسامحة على خطأ ارتكبه آخر -كونه إنسان معرَّض للخطأ-، مع الاحتفاظ بالضوابط والحدود التي تنظم العلاقة وتمنع من تكرار هذا الخطأ. ويسود في ثقافة المجتمعات العربية مبدأ التسامح بحسب ما تفيد المتخصصة في علم الاجتماع الدكتورة ميساء الرواشدة، فالأفراد في هذه المجتمعات يربطونه بالبعد الديني والحصول على الأجر، وحتى لو كان الفرد لا يشعر بقرارة نفسه بهذا الشعور لكنه يظهره ليحظى بالمكانة الاجتماعية على مستوى الأسرة، التي تمنحه لقب المبادر، والمتخطي عن الإساءة، كما أن للمحافظة على صلة الرحم دافع أكبر للقيام بالتسامح.
وتكمن قوة المجتمعات العربية وتضامنها في الحرص على بقاء المودة في العلاقات الاجتماعية كنوع من التقارب والاحترام، ويتجلى ذلك في تجمع الأسر على موائد رمضان الفضيل ما يزيد أواصر التقارب الاجتماعي، وهذا ما يميزها عن المجتمعات الفردية بحسب تعبيرها.
وتزيد الرواشدة: على الفرد تخطي الشعور بالظلم، من خلال التسامح، حيث يعتبر الإنسان المتسامح قويًا وناجحًا، كونه لا يقف عند الضغينة ولا يجمد حياته عند موقف أو شخص، داعية لتخطي تأثير العبارات السلبية على النفس لأنها تعيق الاستمرار في الإنجاز.
وتستنكر في السياق أولئك الذين ينقلون شحنائهم لمواقع التواصل الاجتماعي في منشورات قد تطول وتختتم بعبارة “مقصودة”، كأحد سبل “التنفيس” عن العلاقات المتوترة، ولكنها وإن كانت كذلك لا تصل في الغالب لقطع العلاقات تماما لأن القيم الدينية الداعية للتسامح أساس العلاقات في المجتمعات العربية القائمة على الترابط وديدنها.
وتنوه الرواشدة إلى أن البعض قد يرهن التسامح باعتذار غيره عن الخطأ، ولكن في مواضع معينة ربط الدين الحنيف القدرة على التسامح بطبيعة الخطأ وحجمه عملا بقوله تعالى: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” البقرة/179.