د. عويدات: التغيّر في المنظومات القيميّة أدى إلى ظواهر غير مألوفة وتحول الأخلاق لقيم نسبية
د. عويدات: تصدّع المؤسسات التقليدية أنتج ظاهرة التخلف الثقافي وصراع مادي اجتماعي واقتصادي
د. أبوحمور: ضرورة إعادة بناء الثقة في المجتمعات والتركيز على إصلاح التعليم وعدالة توزيع الفرص وعقلنة الخطاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد.
عمّان- ألقى الوزير السابق والأكاديمي أ. د. عبد الله عويدات عضو منتدى الفكر العربي محاضرة في رحاب المنتدى مساء يوم الأحد 16/6/2019، بعنوان “أزمة التغيّر في المجتمعات العربية”، ناقش من خلالها عدداً من المسائل المتعلقة بالتغيّر الواضح في المنظومات القيمية، وما ترتب عليها من تخلخل في العلاقات الاجتماعية الاقتصادية، مما أفضى بدوره إلى ظواهر غير مألوفة باتت تشهدها مجتمعاتنا وتعاني منها.
أدار اللقاء الأمين العام لمنتدى الفكر العربي والوزير السابق د. محمد أبوحمور، الذي أشار في كلمته التقديمية إلى عدد من الأسباب التي كانت وراء التغيّرات التي طالت مختلف مناحي الحياة وفعالياتها خلال العقود الماضية، ومنها تيارات العولمة، وما رافقها من ثورتين تكنولوجيتين متتاليتين في العالم، الثورة الثالثة والثورة الرابعة، خلال حقبة زمنية لا تتجاوز 50 عاماً، الأمر الذي فرض شروطاً وتحديات جديدة في أنماط الحياة، والتعليم والعمل، والإدارة والاقتصاد، والمشاركة الاجتماعية والسياسية للأفراد والجماعات.
وأضاف د. أبوحمور أن هناك أيضاً العديد من الأسباب الداخلية في المنطقة العربية نفسها أحدثت تأثيرات دراماتيكية وانتجت صراعات عنيفة وانقسمات مجتمعية عميقة وخطابات كراهية وتحديات مُقلقِة، تفجرت مع فترة “الربيع العربي” بشكل أكثر قوة، على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وأنتجت أشكاليات سلبية في الحياة العربية المعاصرة أدت إلى أزمة أخلاقية باتت تعاني منها المجتمعات، وكانت سبباً في مزيد من الأزمات والمشكلات؛ داعياً إلى إعادة بناء الثقة في المجتمعات والتركيز على إصلاح التعليم والمناهج، وعلى التنمية وعدالة توزيع الفرص، والمشاركة في صنع القرار التنموي وتعزيز مكتسباته، وعقلنة الخطاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد.
من جهته، أكد د. عبد الله عويدات أن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي شهدتها المجتمعات العربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة هي نتاجات لمؤثرات خارجيّة في غالبيتها، هزت معظم البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية في أقطار الوطن العربي. فالتغيّر الواضح في المنظومات القيميّة وما ترتب على ذلك من تخلخلات في العلاقات الاجتماعية والاقتصاديّة بين أفراد المجتمع وجماعاته، الأمر الذي أفضى إلى ألوان من الظواهر غير المألوفة في معظم مجتمعاتنا العربية.
وقال د. عويدات: إن معظم المجتمعات العربية دخلت في عوالم افتراضيّة تشكلت خارج ثقافة الواقع، وهذه الثقافة الجديدة تقوم على الصورة والرقم والرمز، كما قلّصت وسائل الاتصال الزمان والمكان، فقلَّت حركة التواصل خارج الحدود والقيود، الأمر الذي هزّ النماذج الاقتصاديّة التقليدية وأظهر اقتصاد الخدمات مشكلة واضحة، وتحوّلت كثير من القيم الأخلاقية إلى قيم نسبيّة، وتحوّلت المعلومة إلى سلعة قابلة للبيع والشراء، وأخذت وسائل التواصل والاتصال تعمل كمنظومات للتنشئة الاجتماعية غير الرسمية، إلا أنها فاقت بتأثيرها مؤسسات التنشئة المقصودة والرسميّة.
وأوضح د. عويدات أن التغيرات في المجتمعات العربية قد طالت طرق العيش، وأساليب التفكير وأنماط السلوك، ومنظومة القيم والعلاقات الاجتماعية وطبيعة الأدوار والمراكز، وتبدّل الوظائف والتقسيم الطبقي الجديد للمجتمعات. وكل ذلك أدى إلى ألوان من الصراع المادي القائم على أساس اقتصادي أو اجتماعي نتيجة لارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتزامن ذلك مع ارتفاع درجة الوعي السياسي مما أدّى إلى المطالبة بالحقوق والمشاركة في القرار السياسي، ورفض احتكار السلطة، والتمتع بالمواطنة والعدالة والمساواة، وقد تجلى ذلك بحركات ما سمي بالربيع العربي التي ما زالت مظاهره قائمة.
وأضاف أن التغيّرات التي طرأت على المجتمعات العربية أحدثت اهتزازات أدت إلى تصدعات وتغيرات غير متزنة تقدمت فيها الجوانب الماديّة على الجوانب الفكرية، مما أدى إلى تصدّع معظم المؤسسات التقليدية، الأمر الذي أدى لظاهرة التخلف الثقافي؛ مبيناً أن الأزمة القائمة تتمثل في كيفية تكييف التراث اللامادي للمجتمعات العربية مع الثقافة المادية التي تتزايد بطريقة غير مسبوقة وغير قابلة للضبط والسيطرة، خاصة أن هذا المدّ التكنولوجي المعلوماتي لم يكن من ابتداع هذه المجتمعات، وغدا الإنسان العربي مُستهلِكاً لا منتجاً ولا قادراً على تكييف ثقافته أو الجانب المعنوي من هذه الثقافة لتنسجم مع غزارة المدّ التكنولوجي الذي يتضاعف سنوياً أو في بضع سنين.
وبيّن د. عويدات أن الأزمة القائمة في المجتمعات العربية نتيجة لهذه التغيرات تطرح تحديات على مؤسسات الدولة كافة؛ التربوية والسياسية والاقتصادية والثقافية لاستبدال الواقع المأزوم والعمل من أجل واقع متوازن ومقبول في ظل التغيرات الداخلية والخارجية.