د. فيفيان حنّا الشويري/أستاذة الفنون والآثار واللغات القديمة في الجامعة اللبنانية
لفتني المخطّط الهندسي لمحطة نقابة المهندسين الزراعيين للبحث والتدريب والزراعة المستدامة في منطقة الكرامة بالأغوار والذي قام بتصميمه وأشرف على تنفيذه المهندس المعماري الفذّ والأصيل عكرمة غرايبه؛ وافتتحت في ( 28شباط 2018) من قبل معالي وزير الزراعة المهندس خالد الحنيفات المكرّم ونقيب المهندسين الزراعيين الأردنيين آنذاك المهندس محمود أبو غنيمة المحترم.
وتعدّ هذه المحطة الأولى من نوعها على مستوى المنطقة العربية، من حيث أنها متعدّدة الأغراض والأهداف والغايات الزراعية والبيئية وكذلك السياحية.
ويتعاظم إعجابنا حين نعلم أن اختيار أرض الكرامة لإقامة محطة الأبحاث والزراعة لم يأتِ عن طريق الصدفة، بل هو فعل متقصّد ومتعمّد، كون أرض المحطة احتضنت يوماً من أيام الانتصار والفخر للأردن وللأمّة العربية على يد الجيش العربي الهاشمي الذي استبسل في الذود عن حمى الأردن وتقديم الأرواح رخيصة للوطن.
المحطة هي جهد أردني في فكرتها وتخطيطها وتنفيذها وكلّ تفصيل فيها؛ وتمّ إنشاء المحطة في منطقة الكرامة – الاغوار باستخدام المواد المحلية المتوفّرة في الموقع كالحجر والطين وضمن التصميم الإنشائي التراثي وعلى قطع الأراضي المملوكة للنقابة والمقدر مساحتها الاجمالية 30 دونماً. ولعل أكثر ما يميّزها من حيث التوظيف هو إتاحة امكانية الاقامة داخل المحطة وفي بيئتها الطبيعية ومساكنها التراثية بشكل يروّج لمفهوم سياحي جديد من نوعه. وقد ضمّت المحطة قاعات دورات تدريبية حول أنظمة الزراعة الأصيلة، والتدريب على إدارة المياه الرمادية، وتطوير برامج التطبيقات الميدانية للمهندسين الجدد، وتدوير النفايات، والتعريف بمصادر الطاقة البديلة.
تصميم المباني المعمارية فريد ويتميّز أنه يقدم استجابات تحاكي بيئة وادي الأردن بشكل خاص والإطار النمطي لبلاد الشام، بشكل عام. لأول وهلة تخال نفسك أنك تتجوّل داخل صروح مدينة طرابلس الفيحاء شمال لبنان وقد اجتمعت معالمها في صرح واحد: الحمامات التراثية أو قلعتها الشهيرة؛ أو في مدينة صيدا جنوب لبنان داخل “خان الصابون”؛ وهذا يدلّ على الاهتمام الكبير للمهندسين بالمعمار العربي الأصيل وتحديداً طراز مباني العصور الوسطى التي طبعت مدن بلاد الشام بطابع هندسي خاص جداً كان الحجر أساسه وتصميم العقد والقناطر والأقواس وأنصاف الأقواس والدعائم والقبب تشكل العناصر الرئيسية فيه ومن صميم التراث. وكذلك الأقواس التي تشابه شكل السقوف في الأسواق الشعبية العربية التراثية ذات القبة السريرية الطويلة والممرات المتداخلة والأروقة المعمّدة. كما يلفتنا شكل المباني المقلدة لتصميم المدارس والتكية الإسلامية ذات القبة المخروطية القائمة على قاعدة اسطوانية وبدورها على قاعدة سداسية الأضلع، والتي تميّز المعالم الهندسية للمدن السورية بشكل عام. ولا ننسى الاهتمام بشكل البيت المشرقي السوري القديم الذي أدخله المهندس بشكل متماهي جداً في الأبنية ويتصف بوجود الحوض في الساحة الداخلية أو نافورة المياه في بعض أجزاء المباني والتي توزّعت على مساحة المحطة مشكّلة مجمّعاً عمرانياً فريداً يحكي الماضي بلغة عصرية وهذا التوظيف يعكس هوية وانتماء وأصالة تُرفع لها القبعة.
(التصوير الحصري للأستاذ طارق السباعي، مشكوراً)