أطفال يشابهون الكبار بوعيهم المبكر وطريقة تفكيرهم
تُفاجئ الطفلة روان (9 سنوات) والدتها بطريقة وأسلوب تفكيرها؛ حيث تراها تعيش حياة الطفولة كأقرانها الصغار، لكنها تفكر وتناقش وتتحدث كالكبار.
تقول الأم “أعتقد أنني في مثل سنها لم يشغل بالي سوى ألعابي، ملابسي، مدرستي، الحلوى، متابعة برامج الكرتون، الحلوى، لكن ابنتي يلفتها كل ما حولها”، فهي تهتم بوسائل التكنولوجيا المختلفة، تبدي رأيها بالحوارات الدائرة بين أفراد العائلة وأشقائها الكبار، وعندما ترى حدثا أو تستمع له عبر وسائل الإعلام المختلفة، تسعى لمعرفته والمناقشة حول أسبابه”.
تضيف “ليس هذا الأمر مقتصرا على ابنتي، بل أرى أبناء أشقائي وشقيقاتي كذلك، وأبناء الجيران أيضا، تفكيرهم أكبر من سنهم، وأرى أن أسلوبهم هذا إيجابي في حال اقتصر على المعرفة وتوسيع مداركهم، أما إن بالغوا في الأمر فهنا تكمن المشكلة”.
من يقف أمام الأطفال الصغار ويحاول الاقتراب من طريقة تفكيرهم يراهم مختلفين تماما عما كان سائدا في السابق. ويرجح اختصاصيون أن تفكير الطفل ينشأ بحسب البيئة التي يربى فيها، إلى جانب الدور الكبير لوسائل التكنولوجيا المتعددة التي التصقت بهم ووسعت من مداركهم.
ويعلق الحاج أبو محمد، بقوله “هؤلاء جيل الإنترنت، لا يشبهوننا أبدا في طفولتنا، نحن نتعلم منهم، يعرفون كل شيء، لا يخفى عليهم أمر، عقولهم مثل الكبار.. أحيانا تراهم يعرفون حقوقهم كاملة.. بل ويطالبون بها”.
ويتابع أبو محمد كيف يتصرف أحفاده مع آبائهم، وكيف يلبون مطالبهم كما يريدون ويطمحون، وعندما يناقش مع الصغير، لا يصدق ما يقوله ويفكر به. وهذا الجيل، كما يعتقد، سيحقق نجاحات في المستقبل، فهو يعي تماما ما له وما عليه، كما أن تطورات الحياة المتعددة أسهمت في بناء شخصياتهم مبكرا.
الاستشاري الأسري التربوي د. أحمد سريوي، يقول “عند المقارنة بين أطفال الجيلين الماضي والحاضر نجد أن الأطفال الحاليين لديهم أفكار أكبر بكثير من عمرهم”، والسبب كما يقول، هو الانفتاح العالمي الذي حصل في نهايات القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين؛ حيث انفتحت الحضارات على بعضها وجعل الإنترنت من العالم قرية صغيرة، كما أن قلة الموارد وحصر الإمكانيات في السابق كانت كفيلة بأن تبقى الأفكار محصورة في مكانها.
ويضيف، أن الانفتاح جعل من الأفكار تدخل آفاقاً أخرى، غير أن لهذا الأمر سلبيات جعلت من هؤلاء الأطفال عرضة لأعمال العنف الإجرامي ورفعت من معدل السلوك العدواني لديهم أضعاف ما كان لدى الأجيال الأقدم منها. لذا يجب على الأهل الحرص على توعية أبنائهم وتوضيح السلوكيات العدوانية ومشاهد العنف التي تعرض على التلفاز سواء بالرسوم المتحركة أو بغيرها، وأنها مجرد تمثيل ولا تصلح للحياة البشرية.
ويؤكد أهمية انتقاء البرامج المناسبة لهم والتقليل من نسب المشاهدة على التلفاز، والجلوس ساعات طويلة أمام الكمبيوتر الى أقل وقت ممكن وإشغال الأبناء في الأعمال اليدوية والأمور التي تنمي ذكاءهم وتزيد من معرفتهم بالأشياء الصحيحة.
ويرى اختصاصي علم النفس التربوي د. موسى مطارنة، أن الأطفال الذين يفكرون بطريقة أكبر من عمرهم الزمني، يتميزون بنسبة ذكاء عالية، موضحا أنهم أخذوا مساحة بالتربية والتنشئة وتمكنوا من تحقيق واكتساب نمو ذهني وعقلي ونفسي واجتماعي أكثر من غيرهم. ويلفت إلى أن ذلك كان نتيجة لتوفر بيئة اجتماعية وأسرية مناسبة، ومساحة لتنمية قدراتهم ومهاراتهم والذكاء لديهم، وبالتالي استطاعوا أن يحصلوا على درجة مختلفة عن غيرهم من الأطفال في التقدم.
ويضيف أن جيل اليوم مبدع، يقوم بما يطلب منه بفاعلية أكثر، مؤكدا أن الجو الأسري وما يتوفر للطفل من مساحات يؤسس لديه شخصية مختلفة عن أقرانه بتفكيره وكلامه وإدراكه وتفاعله وحواره ودراسته.. ويبرز في كل المجالات بقدراته العقلية، والذكاء لديه يكون بنسبة عالية وبالتالي يصبح في المقدمة.
وينصح مطارنة “هذا الطفل بحاجة لرعاية خاصة ومتابعة، وتنمية قدراته ومنحه جوا ملائما للإبداع والتفكير والتأمل والبحث سواء في البيت أو في المدرسة، فمن واجب الأهل تعزيز ثقته بنفسه وتوفير أدوات التفكير، وكذلك المدرسة التي تعزز وتنمي مهارات وقدرات الطفل في المعرفة والبحث”.