الجدة جداية، قصة ترويها تجاعيد وجهها التي رسمت قساوة حياتها الممتدة لأكثر من سبعين عاما، والتي عكست قوة إرادتها في البقاء رغم سقوط صخرة على مغارتها ومصدر رزقها في يوم وفاة الملك الراحل الحسين بن طلال ليتضاعف حزنها مرتين.
وتمتلك جداية من اسمها الذي يعني ‘ابنة الظبي عند بلوغها واشتداد عودها’ نصيبا يدل على روحها الشابة وصحتها الجيدة التي تتمتع بها إلى اليوم، .
وترى جداية التي يعرف أهالي مدينة البتراء عمرها الحقيقي، أنها في العقد الرابع من العمر، معقبة على ذلك بالقول: ‘أنا كل عمري 40 سنة بس الزمان أغبر’.
ولدت جداية وغيرها الكثير من أبناء عشيرتها الملقبين بالـ’بدول’ في مغر مظلمة ومنحوتة في الجبال، الا ان قصة ولادتها مختلفة بعض الشيء لان والدتها انجبتها من دون مساعدة وقطعت حبلها السري مستخدمة بذلك حجرا.
ونقلت الجدة السبعينية عن والدتها وصف واقعة ولادتها قائلة: ‘كان الموت بين عيوني وما في بالمغارة الا انا والحجار’، كاتمة صرخاتها لتلد بصمت من باب الحياء.
وتربّت جداية في جبال البتراء ووديانها، وتنقّلت مع والديها بين المغر تماما كأشخاص يتنقلون من منزل إلى آخر بحثا عن الراحة والمساحة الأكبر.
واعتادت جداية الجلوس على الارض، مستخدمة اصبعها في تحديد المغر اثناء شرحها قائلة: ‘على اليمين انولدت وفوق عشت وانتقلنا لمغارة في الجنب الثاني وكملنا حياتنا هناك’.
وأصبحت الجدة في نطاقها الضيق سيدة أعمال تصنّع الحلي التي لا تعرف اسماءها باللغة العربية نظرا لاختلاطها الدائم بالسياح الأجانب قائلة: أبيع ‘الـ(necklace)’ الذي اصنعه بنفسي.
واعتادت جداية سابقاً بيع الحلي المصنعة يدوياً في إحدى المغر التي اتخذتها متجرها الخاص لأكثر من عقد، الا ان سقوط صخرة على المغارة دفع الاجهزة المعنية إلى إغلاقها حفاظا على سلامة زوّار المكان. وهي تجلس الان قريبا من المكان تفترش الأرض وتبيع حليها للمارة بقلب شغوف وروح فاقت في مرحها روح الشباب.
واسترجعت الجدة خلال حديثها ذكرياتها خصوصاً ذكريات الملك الراحل الحسين بن طلال، الذي ربت على كتفها مرات عدة في زياراته المتكررة لمدينة البتراء، متابعة حديثها المتسم بالبساطة: ‘كان الملك حسين دايماً يقول لي شدي حيلك وان شاء الله الله بهونها’، موضحة في حديثها مدى الشوق والاعجاب الشديدين بجلالته.
تعيش الجدة جداية اليوم في شقة صغيرة بالقرب من المدينة الوردية، بعدما عملت الجهات الحكومية على نقل جميع قاطني المغر في المدينة إلى قرى قريبة، الا انها وجميع من غادروا يتمنون العودة الى مغرهم التي اعتادوها وطابت لهم الحياة فيها.