-تحولت واجهات المنازل المقدسية في حارة النصارى بالبلدة القديمة من مدينة القدس المحتلة، إلى ما يشبه معرض الزينة احتفاء بعيد الميلاد، فيما صدحت حناجر المسيحيين الفلسطينيين كما كل عام بأمنيات الميلاد المجيد، بأن يعم السلام في أرض السلام.
منذ أيام، انشغل سكان حارة النصارى إحدى أقدم أحياء القدس العتيقة، في تجهيز الزينة وشجرة عيد الميلاد في منازلهم وإضاءتها، وبدت المنازل التي تجاوز عمرها مئات السنين تحفة فنية رغم تآكل جدرانها، وحضرت رائحة كعك الأعياد المحشو بنكهة الزنجبيل والمزيّن بأشكال بابا نويل ورجل الثلج، وشجرة الحياة، في كل بيت.
أسواق البلدة القديمة من القدس تلونت بزينة الميلاد، وتسابق المحتفلون لشراء ما يلزمهم من زينة العيد المتوفرة في سوق خان الزيت، والدباغة، وحارة النصارى، ومحال باب الخليل، وباب الجديد، كما صدحت في الحارات تراتيل تمجد السيد المسيح عليه السلام.
أجواء لا تعكس مظاهر الحزن وانعدام الشعور بالأمن والسلام في مدينة القدس وحيّها العتيق، إذ لا يزال بضعة آلاف من المسيحيين الفلسطينيين يقيمون في هذا الحي الذي عانى على مدى سنوات الاحتلال ولا يزال من نزيف هجرة قسرية مستمرة قلّصت أعداد سكانه إلى أكثر من النصف.
ورغم تضييقات سلطات الاحتلال، إلّا أن هذه التحضيرات تعكس أجواء أخرى من مظاهر الحياة التي يصرّ المقدسيون على أن يعيشوها بتفاصيلها، ليس المسيحيون فحسب، بل المسلمون أيضاً.
ويقطن مدينة القدس المحتلة ما يقارب 10 آلاف مسيحي، يسكن نحو ستة آلاف منهم في حارة النصارى من البلدة القديمة، يقاسمون إخوانهم المسلمين المعاناة، وسط تأكيد على أهمية الحفاظ على الوجود المسيحي في القدس.
يقول حنا جاسر، أحد سكان حارة النصارى ومالك أحد المحلات في مدينة القدس: “أجواء العيد خلال هذا العام تختلف عن العامين السابقين، جراء جائحة “كورونا”.
ويضيف “أصبح لدى الأهالي في المدينة المقدسة اهتمام أكبر بأجواء العيد وتفاصيله الاحتفالية، رغم التضييقات الاحتلالية عليهم، خاصة أن عيد الميلاد يتزامن مع عيد “الأنوار اليهودي”.
التاجر غسان عابدين يقول: “أجواء احتفالية جميلة تغمر البلدة القديمة تعبر عن البهجة والفرحة لمناسبة حلول عيد الميلاد، والمسلمون أيضًا يتوافدون إلى البلدة القديمة للمشاركة في احتفالات عيد الميلاد وتهنئة إخوانهم المسيحيين بالعيد، في أجواء تعكس حالة التآخي والمحبة بين المسيحيين والمسلمين في العاصمة المحتلة.
هذا العام تزامن عيد الميلاد المجيد مع عيد الأنوار اليهودي “الحانوكاة”، الذي بدأ في 18 من كانون الأول/ديسمبر الحالي ويستمر حتى 26 من الشهر ذاته.
الأعياد والمناسبات اليهودية، تشكل كابوسا على الفلسطينيين، خاصة في مدينة القدس المحتلة، لما يترتب عليها من توسيع لاقتحامات المسجد الأقصى وإمعان في الاعتداء على المرابطين والمتواجدين في محيط المنطقة، وتحويل المدينة إلى ثكنة عسكرية وتضييق الخناق على المقدسيين، وشتان بين أعيادٍ تفرض بقوة السلاح، وأعيادٍ تتماهى مع هوية القدس وتاريخها وحضارتها.
أمين سر حركة “فتح” في البلدة القديمة ناصر قوس يقول لـ “وفا”: “تأتي أعياد الميلاد هذا العام في ظل ظروف صعبة تمر بها فلسطين وعاصمتها المحتلة، ومع ذلك نصر في القدس على الحفاظ على رسالة السلام والمحبة والتآخي بين مكونات الشعب الواحد”.
ويضيف، “قبل عامين كانت الظروف صعبة بسبب جائحة كورونا والتقييدات التي فرضت على الأجواء الاحتفالية لمنع تفشي الفيروس، لكننا نحتفل اليوم وقد تخلصنا إلى حد كبير من الجائحة، ونتمنى أن نحتفل العام المقبل وقد تحررنا من فيروس الاحتلال وتخلصنا من قطعان المستوطنين واعتداءاتهم بحق المقدسيين ومقدساتهم الإسلامية والمسيحية”.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أكد لدى مشاركته السبت، بمأدبة العشاء الميلادي التي نظمتها حراسة الأراضي المقدسة على شرفه، لمناسبة عيد الميلاد المجيد، أنه لن يقبل بمواصلة ممارسات الاحتلال باستهداف الوجود المسيحي في فلسطين، الذي هو جزء لا يتجزأ من نسيج شعبنا.
وأضاف عباس “نستقبل عاما جديدا، ونحن أكثر صموداً وأكثر إصراراً على البقاء في أرضنا، والتخلص من الاحتلال وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس، وأنه رغم كل ما نتعرض له من ظلم وعدوان، فإن رسالتنا للعالم تبقى رسالة أمل ومحبة وسلام”.