انجاز : طوى عيد الفطر السَّعيد آخر أيَّامه وغادر وسبقه بالمغادرة 29 يومًا من شهر رمضان المبارك، كثَّف فيها الأطباء والدُّعاة والوُعاظ والمعلمون والإعلام رسائلهم بضرورة أن يَعُمَّ الصُّلح بين المتخاصمين وإنهاء الشَّحناء والبغضاء وأن تحل محلها المودة والرَّحمة والسكينة في أيَّام مباركة ومقدَّسة.
خلال أيَّام العيد السَّعيد رصدت عددًا من حالات الصُّلح بين النَّاس وألقى كثيرون السَّلام على بعضهم البعض بعد صلاة العيد، واقتدوا بأوامر ربانية وبسنة نبوية شريفة وطبية لطي صفحات الخلاف مقتنعين بأنَّ الدنيا فانية وأن خير المتخاصمين من يبدأ بالسَّلام وحماية البشر من متلازمة القلوب المنكسرة الطبية والتي تُصيب المخاصمين تحديداً.
والتقت بترا متخصصين وأفرادًا وتحدثوا عن ضرورة، أن تنتشر ثقافة الصُّلح بين النَّاس، وأن يتم استغلال تلك الأيَّام المباركة للتخلص منها والحفاظ على علاقات طيبة في المجتمع الواحد، وروى أحدهم بأنَّه مرَّ عامين كاملين ولم يُلق السَّلام على جاره في السَّكن فقط لأنَّهما اختلفا على قضية بسيطة متعلقة بتنظيف مدخل شقتهما.
القضايا التي رصدت تضمنت صُلحا بين جيران وزملاء في العمل، وقضايا أسرية مرَّ عليها وقت طويل، لكنَّ أعظم وأكبر تلك القضايا أثرًا هي في إبن كان على خلاف مع والديه ولم يزرهما منذ أشهر، وفتاة خاصمت شقيقها لسبب بسيط، لينتهي شحوب وعبوس وجهيهما بابتسامة ونقاء قلب قد تنعكس على صحتهما النَّفسية.
المستشار في الاقتصاد السلوكي والخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور زايد الدويري، قال إنَّ للتسامح مفعولاً إيجابياً على الصحة النفسية للإنسان، فالتسامح يُعتبر من أقوى أساليب العلاج لما يُسمّى بالأمراض النّفسجسميّة والتي هي أمراض عضويّة تعود لأسباب نفسيّة.
ولفت إلى أنَّه وبحسب النظرية المعرفية، فإنّ مستوى صحّة الإنسان النفسية وسعادته وتوافقه مع نفسه ومع المجتمع، يتوقّف على طبيعة ما يحمله من أفكار وما يتبنّاه من قناعات.
وأضاف، بأنَّه إذا تبنّى الإنسان أفكارًا لا عقلانيّة، أدّى ذلك إلى إصابته بالمرض والاضطراب، والعكس صحيح، وآية التسامح جاءت في قوله تعالى في الآية 34 من سورة فصلت: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وتشمل هذا المبدأ، ولذلك فإنَّ مجرد تبنِّي الفرد لقيمة هذه الفكرة الإيجابية: عدم استواء السيِّئة والحسنة، سيكون قادراً على ممارسة سلوك التسامح.
وبين، أنَّ الغضب له آثاره السيئة على المجتمع الذي من حوله: ويقول بعض العلماء : (ومن آثار هذا الغَضَب في الظاهر، تغير اللون، وشدَّة رعدة الأطراف، وخروج الأفعال عن الانتظام، واضطراب الحركة والكلام، حتى يظهر الزَّبد على الأشداق، وتشتد حمرة الأحداق، وتنقلب المناخر، وتستحيل الخلقة، ولو يرى الغَضَبان في حال غضبه صورة نفسه، لسكن غضبه حياءً من قبح صورته، لاستحالة خلقته، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره، فإنَّ الظَّاهر عنوان الباطن، إذ قبح ذاك إنما نشأ عن قبح هذا، فتغيُّر الظاهر ثمرة تغير الباطن، هذا أثره في الجسد).
ولفت إلى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الدين النصيحة وكرَّرها ثلاثاً، قالوا: لمن يا رسول الله؟، قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم وعامة المسلمين هم أفراد المجتمع المسلم، والنصيحة لهم تكون بالإصلاح بينهم .
وأكد أنَّ الله نهانا عن التفرق الاختلاف، وذكَّرنا بنعمته علينا فقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا.
وبين، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حذَّر من سوء ذات البين وفسادها، ومن هنا نرى الآثار الإيجابية للتصالح بين الناس في الإسلام من حيث المحبة والتوافق، في حين نرى الآثار المدمرة النفسية والاجتماعية للغضب والخصومة على الفرد نفسه والتي تمتد للمجتمع.
ولفت إلى أنَّ الأثر النفسي لا يقتصر على الاحتفال بالأعياد على السعادة والبهجة فقط، بل يتعداه الى كون العيد هو جزء مهم من العلاج النفسي للكثير من المشاكل والخصومات ولعل أهم ميزة لرمضان والأعياد عند البعض هو الرغبة في الصلح تخلصا من الأثر النفسي للغضب والخصومة مع الناس والأقارب فالعيد هو التفاؤل والبهجة وزيارة الأقارب ونبذ الخلافات والجفاء مهما كانت الأسباب والترفع عن مثالب الأخلاق وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
وقال، إنَّ المسلم يعايد من يحب، ليتحرر من الضغط النفسي المستمر، وله عظيم الأثر لبلوغ ذروة الاطمئنان وتلاشي التوتر، وتأتي هذه المناسبات الدينية لتكون فرصة وحافزًا دينيًا ونفسيًا للنفوس بين المتخاصمين ، كسبًا للأجر من ناحية ، وتخلصا من الآثار القاتلة للخصومة.
وقال، إنَّ المناسبات الدينية من رمضان وأعياد هي فرصة لتجاوز الخصومة لجذب الإيجابية ونبذ التوتر، والشحن الإيماني له بعد نفسي وسلوكي في تخفيف المشاكل، حيث نضطر أحيانًا إلى المسامحة ليس فقط للأجر، بل لتنفيس الاحتقان وإزالة الضغط والإرهاق النفسي.
ولفت إلى أنَّ العيد فرصة لتطهير القلوب وتمتين أواصر المحبة لأن النفس ترتاح لذلك، والسلوك لا يستقيم إذا ما استقامت واطمأنت النفس.
وبين استشاري أمراض القلب ورئيس قسم القلب في مستشفى البشير الدكتور فخري العكور، أن التصالح مع النفس ومع الآخرين من أهم أسباب السعادة وتمام صحة الجسد .
وقال: للأسف الشديد نشهد في أيامنا المعاصرة أزمة حقيقية في تصالح الناس فيما بينهم، فترى انقطاع التواصل مع الأصدقاء والأقارب لأتفه الأسباب مما يؤدي إلى حدوث جفاء وممارسات تخالف الشريعة ومكارم الأخلاق التي تحث على عدم قطع الأرحام والحفاظ على الود والمحبة بين الأقارب والأصدقاء .
وأضاف: أن كل هذه التصرفات المحزنة أصبحت تندرج تحت مسمى “متلازمة القلوب المنكسرة”، وهي مرض يصيب القلب بالاعتلال نتيجة نوبة قلبية بعد تعرض الشخص لحزن شديد وكسر الخاطر من قبل قريب أو حبيب أو صديق.
ولفت إلى أنَّه وعندها يشعر الإنسان بألم شديد في الصدر وضيق النفس والدوخة مع التعرق الشديد، لكنها تختلف عن الجلطة القلبية الحادة، حيث لا يحدث انسداد مفاجئ في الشرايين التاجية المؤدي إلى موت جزء من عضلة القلب، لكن يحدث انقباض وتشنج في الشرايين التاجية المؤدي الى اعتلال مفاجئ في عضلة القلب وعدم تمكنها من القيام بوظيفتها وهي ضخ الدم اللازم لأعضاء الجسم وما ينتج عن ذلك من الأعراض المذكورة أعلاه والتي قد تحتاج أحيانًا إلى دخول المستشفى.
وأشار إلى أنَّه وبناء عليه فان الحزن الشديد أو الغضب الشديد تلعب دورًا هدامًا لصحة القلب، حيث يفرز الجسم هرمونات التوتر وهي الأدرينالين والكورتيزول التي تسبب ارتفاعًا كبيرًا في ضغط الدم وتشنج الشرايين التاجية والى حدوث متلازمة القلب المنكسر.
وبين، أنَّ الود والحب والاحترام والتواصل وتقديم الهدايا ولو كانت رمزية تعمل على إفراز الجسم لهرمون “السيروتونين” المسمى هرمون السعادة والذي يعمل على خفض الضغط وتباطؤ خفقان القلب وتحسين كفاءة القلب
ودعا الناس الى جبر الخواطر وتجنب كسرها ونشر المودة والتصالح حفظًا على صحتهم الجسدية أولاً ومن ثم نفسيًا لكسب ودنيا لكسب رضا الله.