تجسيداً للعلاقات الراسخة التي تجمع الأردن ومصر، نظّمت السفارة الأردنية في القاهرة ووزارة الثقافة المصرية، مساء أمس الأربعاء، أمسية ثقافية مشتركة احتفالاً بمئوية الدولة الأردنية وضمن مبادرة علاقات ثقافية، التي تم تخصيصها لتناول الروابط الدبلوماسية والثقافية بين البلدين.
وشارك في الأمسية، التي احتضنها المجلس الأعلى للثقافة تحت عنوان “مصر –الأردن…علاقات ثقافية”، شخصيات دبلوماسية وثقافية وفنية، وعُرضَ خلالها موادٍ فيلمية تتناول محطاتٍ التطوّر في عمر الدولة الأردنية، منها فيلم “الأردن…رحلة في مائة عام”، الذي أنتجته هيئة تنشيط السياحة الأردنية.
وأكد السفير الأردني في القاهرة ومندوب المملكة الدائم لدى جامعة الدول العربية أمجد العضايلة، في كلمةٍ استُهلت بها الأمسية، أن “ما يجمع مصر والأردن من أخوة ومحبة هي نتاجٌ لعلاقاتٍ وثيقةٍ وممتدةٍ نعتز بها، وشكلّت أنموذجاً نوعياً بين الدول في سياق العلاقات العربية، ومازالت ثمرةً ناضجةً لما يجمع الأردنيين والمصريين كشعبين، ورحاباً واسعاً للالتقاء والتعاون بين مثقفيها وروادها من أهل الثقافة والقلم والفن”.
وأشار العضايلة، في الأمسية التي جمعت بين الحضور الوجاهي والمشاركات عبر الفيديو، “إن الأمسية تكتسب بعُدا خاصاً لا سيما وأن المملكة تحتفل هذ العام بمئوية الدولة التي شكلت باكورة لمسيرة إنجاز متنوع ومتعدد يفخر به الأردنيون، وكذلك هو عام الاحتفالات لمصر التي احتفلت قبل أيام بذكرى “ثورة 30 يونيو”، وهو ما يجعل هذا العام عام الإنجازات في بلدينا”.
وشدد على أن “العلاقات الأردنية المصرية المتميزة، والتي تعززت مسيرتها برؤية وحكمة سيدي صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني وأخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، تبرز اليوم كمصدر اعتزازٍ لشعبي البلدين، لما تمثّله من أنموذجٍ يتقدم في قوته وعمقه على مفهوم العلاقات ليتجسد في صور الشراكة الناجزة والشاملة على مختلف الصعد والمجالات.
وحول التنسيق السياسي والدبلوماسي، قال العضايلة “تستمر أشكالُ التعاون السياسي والاقتصادي والاستثماري لتُكمل نسيجاً متماسكاً من علاقة تتميز اليوم بالتكامل البيني، والذي انتقل النجاح فيه إلى توسيع إطاره مع دول الجوار الشقيقة القائم على التكامل في المزايا النسبية في الموارد كما هو نموذج التكامل (الأردني- المصري-العراقي).
وأكد السفير المصري في عمان شريف كامل، في كلمة له عبر الفيديو كونفرنس، على متانة العلاقات المتميزة بين البلدين، وحرص مصر على توسيع آفاق هذه الشراكة وتعزيز أواصرها المبنية على الإخوة الجامعة والتنسيق المشترك بين قيادتي ومسؤولي البلدين.
وتحدث حول محطات في البعد الثقافي تجسّد حرص مصر على الحضور والشراكة والتفاعل مع المناسبات الثقافية والفنية في الأردن، مستعرضاً العديد من الإسهامات والمشاركات الرسمية والخاصة المصرية في الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة التي تحتضنها الأردن، وبما يمثّل وجهاً جلياً من الأوجه المشرقة للعلاقات الأردنية المصرية.
وكان المساعد السابق لوزير الخارجية المصري والسفير المصري السابق في عمان السفير محمد حجازي، والذي شارك بشكل حضوريٍ فاعل في الجلسة، أكد في كلمة له أنه من وحي تجربته وخبرته كسفير مصري في عمّان، حظي بهذه الفترة التي عاشها بين الأردنيين، ولمس كيف أن البيئة الأردنية تأسر كل من يعيش بها، وأن السر في محبة العالم للأردن هو قيادته الهاشمية والإنسان الأردني.
واعتبر أن الأردن بمثابة الرباط العربي الذي يجمع مختلف الدول العربية ويحتضن الكثير من أبنائها الذين تعرضت دولهم الشقيقة لأزمات، الأمر الذي وضع المملكة في عقل وقلب وعيون كل العرب، مقدماً الشكر والتقدير لجلالة الملك عبدالله الثاني على كل الرعاية التي يقدمها الأردن لأبناء العروبة واحتضانه لهم والدفاع عن قضاياهم.
وتحدث السفير حجازي عن ميزات للأردن وشعبه في وحدة ثقافتهم ووحدة وجدانهم، إلى جانب التنوع الحضاري الذي مر على الأردن، المتميز بقدرته على الصمود والنجاح وعدم التخلي عن أمته على الرغم من قلة الموارد وحدة الأزمات المحيطة به في فتراتٍ مختلفة.
وحول العلاقات الثنائية، اكد أن ما يحمل الأردن وقيادته الهاشمية وشعبه الأصيل تجاه مصر يجعل الجميع يدرك أن هناك مكانة خاصة لمصر وأهلها في وجدان الأردنيين ولدى قيادتهم، مؤكداً أن مصر تثمن ما يحظى به أبناؤها المتواجدون في جميع مناطق الأردن من احترام وحسن المعاملة والضيافة.
وكان الدكتور صبري سعيد، وكيل أول وزارة الثقافة ورئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية فيها، والذي أدار الأمسية والنقاش فيها، أكد أن العلاقات المصرية الأردنية لم تشهد قوةً وتقارباً منتجاً كما هي عليه اليوم في عديد القطاعات، مشيراً إلى مفهوم الوعي الاستراتيجي في العلاقات الأردنية المصرية .
وتطرق في حديثه ومداخلاته إلى مفاصل النهضة الثقافية التي شهدتها البلدان خلال السنوات الماضية، مشدداً على أن متانة العلاقات الثقافية الثنائية، ضمن منظومة الشراكة المصرية الأردنية الاستراتيجية الشاملة، يدلل عليها حرص البلدين على المشاركة والتبادل الثقافي، وأنه لم يحدث أن تغيّب أي من البلدين عن الفعاليات والأنشطة والثقافية والفنية في كل منهما.
وفي سياق الحديث عن نموذج العلاقات الدبلوماسية والتنسيق بين البلدين حيال قضايا المنطقة، أكد الدكتور حسن المومني، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردن، في كلمة له عبر الفيديو، أن هذه العلاقات، وفي عهد جلالة الملك عبدالله الثاني وأخيه الرئيس عبدالفتاح السيسي، أصبحت في مستوى النضوج الدبلوماسي والتطابق والتوافق التام والتنسيق بين مسؤولي البلدين حيال القضايا الثنائية أو تلك الإقليمية والدولية.
وأشار إلى أن وجود ميزة تخص الرؤى الدبلوماسية في العلاقات الأردنية المصرية تخص اتجاه البلدين نحو نهج “الدبلوماسية متعددة الأطراف”، كبصمة دبلوماسية تسجل للبلدين وقيادتيهما، من خلال تأسيس شراكات استراتيجية مع دول الجوار العربي والإقليمي.
وفي عرضٍ عن مسيرة الثقافة في مئوية الدولة الأردنية، استعرض مدير وحدة الشؤون الثقافية في الديوان الملكي الهاشمي الأديب والروائي مفلح العدوان المفاصل التي مرت بها نشأت ورعاية الحركة الثقافية في الأردن من قبل العائلة الهاشمية منذ تأسيس الإمارة، وكيف كان ديوان الملك المؤسس عبدالله الأول حاضناً للثقافة والمثقفين ورواقاً أدبياً وفكرياً يجتمع فيه المثقفون.
وتتبع العدوان في شواهد تاريخية وأحداث مثبتة مأسسة الحركة الثقافية في المملكة وإنشاء المؤسسات الراعية والداعمة لها، وما شملته كل حقبة ملكية منذ تأسيس الدولة الأردنية من إضافة على لبنات الثقافة الوطنية والحرص على تعزيز وتنويع الحركة الثقافية، والمكانة التي تمتع بها المثقفون في المشهد الوطني الأردني.
وأكد أن جلالة الملك عبدالله الثاني، منذ تسلمه سلطاته الدستورية، قد دعماً كبيراً ورعايةً متواصلة للحركة الثقافية في الأردن، وأنشأت في عهد جلالته مؤسساتٍ ثقافية رسمية وداعمة للثقافة وأثمرت بتأسيس مظلات تنظيمية لمختلف صنوف الثقافة والفن وروادها، ووجه جلالته في عديد المراحل لرفد صناديق دعم الثقافة، وتعزيز الفرص والمشاركات أمام المثقفين والمبدعين، الذين يحرص جلالته على الالتقاء بهم في كل مناسبة وتكريمهم عند كل إنجاز.
والقى رئيس منتدى الجامعة الأردنية الثقافي الشاعر الدكتور إسماعيل السعودي قصائد شعرية في حب الأردن ومصر، تتغنى بالنهضة والتطوير والازدهار الذي شهدته المملكة في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني وتتميز به مصر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وحظيت قصائد وطنية ألقها السعودي حول مئوية الدولة الأردنية، والوصف الجمالي والجغرافي والإنساني لمحافظات المملكة وأهلها، والتفاف الأردنيين حول قيادتهم وقوة النهضة الوطنية في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، إعجاباً بالغاً من الحضور. كما ألقى الشاعر السعودي قصيدة رسمت لصورٍ من المحافظات المصرية المختلفة وما يميز كلها منها، خصوصاً المعالم الحضارية والأثرية.
وفي مساهمات حول العلاقات الثقافية التي تجمع البلدين، قدّم كل من استاذ الموسيقى في الجامعة الأردنية الدكتور محمد واصف، والروائي والشاعر جلال برجس والفنان والإعلامي أسعد خليفة والفنان التشكيلي فادي الداوود شهادات مسجلة، عرضت في فيديو خلال الأمسية، حول تجاربهم الثقافية والفنية بين عمّان والقاهرة، وعلاقتهم بالمؤسسات الثقافية ونظرائهم من الفنانيين والمثقفين في مصر.
ومن الجانب المصري، عرض الدكتور محمد عبدالباسط، استاذ التصميم والفنان التشكيلي، تجربته الفنية في الأردن، والتي أقام فيها لسنوات تنوعت بين التدريس الأكاديمي الفني المختص في الجامعات الأردنية والمساهمات الفنية عبر معارض وفعاليات ثقافية، لافتاً إلى التعددية الثقافية التي لمسها في الأوساط الأردنية، ومستذكرا تجارب تعليمية وثقافية شابية أردنية، فيها من الإلهام وتطوير القدرات خلال عمله لسنوات في الأردن.
كما ألقت الشاعرة الدكتورة شيرين العدوي عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، والفنان محمد بغدادي عضو لجنة التراث الثقافي غير المادي بالمجلس، قصائد ومساهمات ثقافية متنوعة، تضمنت إشارات فنية وشعرية للعلاقات الثقافية والقواسم الحضارية التي تجمع مصر والأردن.