استراتيجيات المستقبل لمواجهة الأمراض المنقولة
انجاز- لانا ابوسنينه
اجتمع نخبة من الخبراء والباحثين والممارسين الصحيين من مختلف القطاعات المحلية والدولية لمناقشة الاستراتيجيات المستقبلية لمواجهة الأمراض المنقولة جنسياً خلال المؤتمر الثاني للاستجابة الوطنية لفيروس نقص المناعة البشرية والصحة الإنجابية والجنسية. انعقد المؤتمر وسط اهتمام كبير نظراً لتزايد التحديات الصحية والمجتمعية المرتبطة بالأمراض المنقولة جنسياً على المستوى الوطني والدولي، حيث مثل هذا الحدث منصة علمية لمناقشة البيانات الحديثة والابتكارات التي يمكن تطبيقها للحد من هذه المشكلات.
الجلسة الحوارية الأولى في المؤتمر قام الدكتور جود جراح، استشاري الأمراض المعدية في مركز الحسين للسرطان، بمداخلة عميقة حول واقع الأمراض المنقولة جنسياً. عرض جراح بيانات مستمدة من المجلس الأعلى للسكان ومنظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية، مشيراً إلى التحديات الصحية العالمية في ظل تسجيل 374 مليون حالة جديدة سنوياً في العالم لبعض الأمراض الرئيسية مثل الكلاميديا والسيلان والزهري وداء المشعرات. وأوضح أن معدلات انتشار هذه الأمراض في الأردن لا تزال أقل من الدول المجاورة، وهو ما يعكس فعالية الجهود المبذولة على صعيد الصحة العامة، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن هذا الانخفاض لا يعني انتهاء التحديات. فالوصمة المجتمعية، وقلة الموارد المخصصة للوقاية، ونقص برامج التوعية والتثقيف لا تزال تشكل عائقاً يحول دون تحقيق استجابة فعالة وشاملة لهذه الأمراض.
بدوره، قدم الدكتور علاء التميمي مدير مديرية الأبحاث والسياسات والتدريب في المركز الوطني لمكافحة الأوبئة والأمراض السارية ، مداخلة شاملة تناول فيها الاستراتيجيات العالمية والوطنية للحد من انتشار فيروس نقص المناعة البشرية. استعرض التميمي الأهداف العالمية التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة للقضاء على الفيروس بحلول عام 2030، والتي تتضمن تشخيص 95% من اعداد الأشخاص المقدراصابتهم وتوفير العلاج لـ95% منهم وضمان السيطرة الكاملة على الحمل الفيروسي لـ95% من الحالات المتلقية للعلاج. وأشار إلى أن هذه الأهداف تتطلب توفير خدمات متكاملة تشمل التعليم، والتوعية، والوقاية، والعلاج.
أوضح التميمي أن الأردن، رغم انخفاض نسبة الإصابة فيه مقارنة بمناطق أخرى مثل إفريقيا ، يواجه تحديات فريدة، أهمها تزايد الإصابات بين الفئات الأكثر عرضة مثل من لديهم اضطراب استخدام المخدرات عن طريق الحقن والعاملين في تجارة الجنس. كما شدد على أهمية مكافحة الوصمة الاجتماعية، حيث أشار إلى أن التمييز ضد المصابين قد يؤدي إلى عزلهم وحرمانهم من الخدمات الصحية الأساسية، مما يزيد من تفاقم المشكلة.
على الجانب الميداني، عرض مركز سواعد التغيير تجربته في العمل في هذا المجال حيث قدمت مديرة البرامج الاستاذه حنين أبو مرة عرضاً ثرياً لبرامجهم التي تهدف إلى الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية والأمراض المنقولة جنسياً عبر تدخلات عملية تتنوع بين التوعية المجتمعية وتوفير الخدمات الصحية المباشرة. حيث يركز البرنامج على استهداف الفئات الأكثر عرضة للإصابة من خلال تنفيذ برامج للوصول الميداني والتوعية والتثقيف وتقديم خدمات الدعم النفسي. وأشارت أبو مرة إلى أن البرنامج لا يقتصر على تقديم الخدمات الصحية فقط، بل يسعى أيضاً إلى تمكين المجتمعات المحلية من خلال تعزيز قبولها لحلول الوقاية وتغيير المفاهيم السلبية المرتبطة بهذه الأمراض.
من النقاط البارزة التي طرحها الدكتور جود جراح خلال المناقشات، الحاجة إلى توفير بيئة آمنة تمكن الأفراد من التحدث بحرية عن صحتهم الإنجابية والجنسية، دون خوف من التمييز أو الإقصاء. وأكد على ضرورة دمج خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في نظام الرعاية الصحية الأولية، لضمان وصول أكبر شريحة من السكان إليها بسهولة وفعالية.
أما الدكتور علاء التميمي، فقد دعا إلى تطبيق نهج متعدد القطاعات يشمل التعليم، والرعاية الطبية، وتغيير السياسات، لضمان استجابة شاملة ومستدامة. وأوضح أن الوقاية تبدأ من تعزيز الوعي العام، وتشجيع الفحص المبكر للأمراض المنقولة جنسياً، وتوفير وسائل الوقاية
في المقابل، ركزت حنين أبو مرة على أهمية التفاعل المحلي مع القضايا الصحية الحساسة، مشيرة إلى أن الحلول الفعالة تبدأ من القبول المجتمعي والتغيير التدريجي للمفاهيم السائدة. وأكدت أن برامج الوقاية لا يمكن أن تحقق نجاحاً مستداماً دون شراكات قوية مع المجتمع المحلي، الذي يمثل خط الدفاع الأول في مواجهة الأمراض.
من بين الحضور، أشار العديد من المشاركين إلى أن تحسين الاستجابة الوطنية للأمراض المنقولة جنسياً يتطلب الاستثمار في تطوير القدرات البشرية للكوادر الصحية وتوفير بيئة تشريعية داعمة تسهل الوصول إلى الخدمات الصحية دون قيود أو تمييز. كما تم التأكيد على أهمية إدماج المناهج التعليمية التي تسلط الضوء على أهمية الصحة الجنسية والإنجابية كجزء أساسي من التنمية المستدامة.
في ختام الجلسه، أعرب المشاركون عن أملهم في أن تتحول التوصيات المطروحة إلى سياسات قابلة للتنفيذ تعكس التزام الأردن بتحقيق الأهداف العالمية في مجال الصحة العامة. واعتبروا أن هذا الحدث يمثل خطوة حاسمة نحو بناء رؤية صحية مستقبلية خالية من الوصمة والمعوقات، مع التركيز على تعزيز الوقاية والرعاية والعدالة الصحية.
المؤتمر الثاني للاستجابة الوطنية لفيروس نقص المناعة البشرية والصحة الإنجابية والجنسية لم يكن مجرد منصة علمية، بل كان نداءً للعمل الجماعي والتعاون الدولي والمحلي لمواجهة التحديات الصحية التي تمس حياة الملايين. يمثل هذا الحدث بداية جديدة لمسار طويل يتطلب التزاماً مستمراً وإرادة جماعية لتحقيق التغيير المنشود.