في خضم الحملة الأمنية الكبيرة التي شُنت على المجرمين من أصحاب السوابق وفارضي الأتاوات والزعران انبرت أصوات عالية تطالب بالقبض على عصابات و(مافيات) التحطيب ومشعلي النيران في أحراش عجلون وجرش. هم معروفون لدى الجهات المختصة. ومعرفون أنهم في عمل دؤوب للقضاء على كل غصن أخضر، في وطن لا تتجاوز مساحة غاباته 1 ٪.
أول أمس اشتعل حريق جديد في غابة صنوبرية في قلب عجلون. والخسائر أكبر من أن تقدر أو تعوض. فكيف لك أن تعوض عن شجرة عمرها مئات السنوات تحولت إلى رماد بارد في ساعة أو أقل. فلا شيء يترك أثره في وجه الأرض مثل الحريق. وبسعك إن مررت في أي غابة في عجلون أن تقرأ عشرات النيران التي تعاقبت على المكان، وشوّهت ثوبه الأخضر وهتّكته وتركته بقعاً سوداء لا تمحى.
للأسف لم تعد تفاجئنا هذه الحرائق التي يشعلها بدم بارد أعداء الحياة، وتجار الكروب، والمنتقمون من الجمال. لم تعد تفاجئنا الحرائق حتى لو وصلت شغاف القلوب، ليس لأن رماد الحرائق القديمة ما زال يكمم أنفاسنا، ولا لأن دماء الأشجار صارت تسفح كل يوم بمناشير مافيات التحطب وتجار الفحم ولصوص الحياة، دون أن تنتفض فينا خلية، أو تهتزُّ لنا شعرة. بل لأن الأمر بات مكشوفا: هم لا يخافون أحدا ولا يأبهون بأحد.
ونسأل بمرارة كيف للمجرمين الذين تتكرر جرائمهم بمثل هذه الافعال في كل شهر أو أسبوع أن يبقوا طلقاء خارج قبضة العدالة، يضحكون من بعيد، لا يفكرون إلا بمزيد من الحرائق والغنائم؟!، كيف نعجز عن الأخذ على يدهم وإيقافهم والنيل منهم؟.
ولماذا حينما يصلون إلى القضاء لا تغلظ عليهم العقوبة، ولا ينظر إليهم كمجرمين وقتلة. نستهجن صمتنا المقيت بكل ما فيه من خنوع واستكانة. أليست الشجرة أختاً وأماً وعشيقة؟.
المناشير المجنزرة والنيران الفاتكة لمافيات التحطيب تتآمر على رئتنا الوحيدة غابتنا الوحيدة، ولا شيء يحركها إلا الجشع والتجارة الحرام، فهم ليسوا فقراء، كما يعتقد البعض. بل هم مجرمون، وقد أثروا من تجارتهم هذه، هم مجرمون يحاربوننا في تنفسنا وشهيقنا. نريدهم في قبضتكم اليوم قبل غد. هذه صرختنا المؤلمة.