كتب:باسم سكجها
التقيت يوماً في الجزازة صَبياً لا أظنّه بلغ من عمره حينها الثالثة عشرة، فسألته عن إسمه، قال: راشد الخزاعي. ولمّا كُنتُ أعرف ما أمكنني من قراءة عن تاريخ عن الأمير راشد الخزاعي، أعدت سؤاله: وماذا يعني لك إسمك؟ أجاب بسرعة: هو جدّ جدّي وكان أميراً لهذه المنطقة.
سألته بخبث فضوليّ: لماذا تقول إنّه كان أميراً؟ ردّ ببديهية يبدو أنّه حفظها من شفاهة أهله: طبعاً كان أميراً، ولكنّه ولأنّه هرّب السلاح إلى فلسطين، وناصر واستضاف الثوار، حاربه الانجليز، ونفوه إلى الحجاز. أخذ الصبّي الذي صار رجلاً الآن في استعراض ما قام به جدّه الخزاعي من مواقف وطنية بطولية.
هذا ما حصل تماماً….
وفي صباح يوم استيقظت على صوت شبّابة تُعلن اللحن الحزين: “من سجن عكا طلع ت جنازة…. محمد جمجوم وفؤاد حجازي”، فظننتُ أنّي أحلم، ولكنّ الشبّابة ظلّت تتكرّر يوماً بعد يوم، لتوقظني على غير حلم، فخرجتُ لأسأل صاحبها “أبا وليد الفريحات” عن اللحن، فقال لي: هذا ما تعلّمناه وورثاه من أهلنا.
تابعت الليلة الماضية برنامجاً وثائقياً عن راشد الخزاعي على شاشة “المملكة”، وأعجبتني فكرة إعادة انصاف الشخصيات الوطنية والدور الوطني القومي للعشائر الأردنية، بعد عشرات السنوات من التجاهل الرسمي، ويدلّ على ذلك أنّ كافة المراجع المستخدمة كانت أجنبية.
المجاهدون الفلسطينيون كانوا يعرفون دائماً أنّ لهم نصيراً في شرق الأردن يزوّدهم بالسلاح، وملاذاً آمناً للتواري عن أنظار قوات الاحتلال البريطاني، وخصوصاً بعد تنفيذ عمليات مسلحة ضدّه وضدّ العصابات الصهيونية، وهذا ما جرى كثيراً في جبل عجلون، والأغوار الشمالية والوسطى والبلقاء، أمّا عن الكرك، فقد تخفّى المفتي الحاج أمين الحسيني وركب قارباً من الطرف الغربي للبحر الميت، وصولاً إلى الشاطئ الشرقي، ثمّ إلى الكرك حيث مكث في ضيافة أهلها فترة، ثمّ سافر منها إلى بغداد، وألمانيا.
الاضاءة على ذلك التاريخ المتناسى عن سبق الاصرار والترصد محمود الآن، حتى يعرف الأبناء ما قام به الأجداد، وعلى طرفي نهر الأردن المقدّس الخالد، وللحديث بقية!