الاستبسال حتى آخر طلقة سردية صنعها الجيش العربي المصطفوي في حرب حزيران 1967
– اخلاص القاضي – وكأنه استوحى من مجاز مفردة “تل الذخيرة”، في حي الشيخ جراح في القدس الشريف، معاني البطولة والشرف والاقدام والشجاعة، فقاتل الجيش العربي الاردني المصطفوي في حرب حزيران 1967 بذخيرته الحية، حتى آخر طلقة، وآخر شهيد، مسطرا ملحمة في النبل والبطولة والاستبسال والدفاع عن الارض والحق، قاصدا احدى الحسنيين النصر أو الشهادة، فكانت لهم حسنى “أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر”.
وها هو حي الشيخ جراح التاريخي في القدس الصامدة، يشهد مجددا صلابة الموقف الاردني المتشبث في الدفاع عن هويته العربية الفلسطينية، وهو الحي عينه، الذي شهد أشرس المعارك في حرب غير متكافئة بين قوة الجيوش العربية المشفوعة بالحق، وقوة العدو الاسرائيلي المتكئة على الباطل، فلم يترك الجيش العربي الاردني ترابا فلسطينيا الا وجبله بدمائه الزكية، حاملا روحه على كفه، باحتراف وتفان، وهو يكبر ويهلل، مستمدا عزيمته من عقيدة الثوابت الاردنية الراسخة المرتكزة على قيم الحق والعدل والحرية والتحرير.
ورغم أنها الحرب “التي ما اردناها ” كما قال المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه في كتابه “حربنا مع اسرائيل” الصادر عام 1969، الا أن الجيش الاردني نازل عدوا مسلحا بعتاد وعدة وغطاء جوي، فكان في مرمى النيران وقنابل “النابالم” الحارقة، مقدما الشهداء والجرحى والاسرى في سبيل الحق الفلسطيني.
كتاب ومؤرخون يؤكدون لوكالة الانباء الاردنية (بترا)، أن الاردن بقيادته الهاشمية، وعلى مدى عمر القضية الفلسطينية، حمل أمانة المسؤولة التاريخية في الدفاع عن فلسطين، ولم يتوان يوماً عن واجبه العروبي، وبأي وسيلة، عسكرية كانت أم دبلوماسية، لابراز عدالة القضية، والتصدي للسياسات الاسرائيلية التعسفية في القضم والاستيطان والتهويد والاحتلال، مشددين على أن خسارة الحرب حينذاك أعقبه، اصرارا أردنيا على النصر، الذي تجلى في معركة الكرامة الخالدة، إذ كُسرت وقتذاك، شوكة “الجيش الذي لا يقهر”.
يقول الباحث والمؤرخ الدكتور جورج طريف، بداية، لابد من التأكيد على أن الأردن بقيادته الهاشمية الفذة قد حمل مسؤولية الدفاع عن القضية الفلسطينية بشتى الوسائل السلمية والعسكرية، وقدم الشهداء دفاعاً عن القدس وفلسطين، وما يزال حتى اللحظة، يواصل التصدي لتهديدات المستوطنين الاسرائيليين لترحيل اصحاب الحق في حي الشيخ جراح، الأمر الذي يعتبره الأردن جريمة حرب لا بد من التصدي لها عربيا واسلاميا ودوليا.
وحول حرب حزيران 1967، يقول: بعد أن تم توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين الأردن ومصر، وضع الجيش العربي الأردني في حالة تأهب قصوى، وجرت معارك على طول الجبهة الأردنية، بينه وبين قوات العدو الاسرائيلي، في باب الواد وتل الشيخ عبد العزيز وتل النبي صموئيل وتل الرادار ومنطقة الشيخ جراح واللطرون، والخليل وطولكرم وجنين ونابلس.
ويواصل طريف، أنه وبالرغم من قلة العدد والعدة وانعدام الغطاء الجوي فقد حارب جيشنا الاردني ببسالة واقتدار، واستمرت روح التضحية والشجاعة والإصرار على القتال حتى آخر طلقة، حيث كانت معارك القدس من أهم المعارك التي خاضها حينذاك، وكان لواء طلال يتولى مسؤولية الدفاع عن المدينة المقدسة بقيادة العقيد عطا علي، الذي تألف من كتائب: “الحسين” وهي الكتيبة الثانية بقيادة الرائد منصور كريشان التي تمركزت من باب العامود الى الطرف الشمالي من حي الشيخ جراح في منطقة تل المدورة، حيث أطلق عليها العدو “تل الذخيرة”، والكتيبة الرابعة “حسن” بقيادة الرائد احمد مرشد المومني في الطور وجبل الزيتون والكتيبة الثامنة “علي” بقيادة الرائد صالح محمود البطاينة داخل الأسوار في المدينة القديمة والكتيبة ” أسامة 31″ بقيادة الرائد بادي عواد، التي تمركزت في سفوح جبل المكبر، والكتيبة الخامسة “مدفعية الميدان”، وكانت وراء تل الفول شمال شرق جبل الطور .
ويتحدث طريف عن بسالة الجيش الأردني في تلك الحرب، حيث خاضت الكتيبة الثانية معركة القتال بضراوة وعزم وتصميم، وصدت هجمات العدو المتلاحقة، وقد قام جنودنا البواسل بهجمات معاكسة فدحروا العدو عن مواقعه، وهم يهللون ويكبرون، حتى أن خسائر إحدى السرايا كانت بنسبة 90 بالمائة بين شهيد وجريح، لكن الجيش الأردني ظل ينازل العدو المتفوق، عسكرياً في معركة استمرت من الساعة الثانية فجراً وحتى السابعة صباحاً، ولم يتركوا موقعاً إلا وقد جبلوا ترابه بدمائهم الزكية، وسطرت هذه الكتيبة مثالا رائعا على بطولات الجيش العربي الأردني وتضحياته على ثرى القدس.
ويستشهد باعتراف العدو في وصف سراشة قتال الجيش الأردني في احدى المعارك وقتها، حيث يقول: وصف وزير الدفاع الاسرائيلي موشي دايان آنذاك معركة تل المدورة أو تل الذخيرة في حي الشيخ جراح، أنها: “كانت من أعنف المعارك التي خاضتها القوات الاسرائيلية ضد القوات الاردنية المدافعة، فقد وجد الاسرائيليون أنفسهم يخوضون معركة ضد عدو مصمم على الدفاع، لآخر طلقة وآخر رجل، وقد التحم الطرفان في قتال بالقنابل اليدوية والحراب والايدي وخسرت قواتنا 21 قتيلا وجرح أكثر من نصف القوات المهاجمة من الضباط والجنود”.
ويتابع الدكتور طريف: أن اختراق قوات العدو للمواقع الأردنية في القدس كانت بداية النهاية بالنسبة للدفاع عن المدينة، حيث استخدم العدو الغطاء الجوي، ووقعت معارك بين الجنود الأردنيين والقوات الاسرائيلية، عند باب العامود وباب الساهرة وداخل اسوار المدينة المقدسة القديمة، فقدم الاردن الشهداء والجرحى مجددا.
ورافقت، وفقاً له، معركة الشيخ جراح ضد الكتيبة الثانية معركة أخرى ضد الكتيبة الرابعة، التي كانت تمركزت في تل الفول والتل الفرنساوي وجبل الزيتون والمرتفعات المشرفة على جبل هداسا والجامعة العبرية، ووصلت لمساندتها كتيبة الامام علي في منطقة الطنطور، وقامت بهجوم معاكس على العدو في أطراف “الشيخ جراح” لكنها لم تستطع الصمود بسبب شدة القصف الجوي الاسرائيلي، واستخدامها قنابل “النابالم” الحارقة، وسيطرته على مواقع تلك الكتيبة، على الرغم من استماتة جنود وضباط الكتيبة الرابعة، وكتيبة لواء الامام علي، حيث أمضت كتيبة “أسامة 31” ليلة 5/6 حزيران، تحت قصف مدفعي وجوي اسرائيلي، حيث تصدت سرية الدبابات للمهاجمين وأعطبت ثلاث منها. الا أن قوات العدو استولت على حي الثوري الجنوبي بعد أن قتل قائد كتيبة العدو الاسرائيلي، وتقدمت نحو رأس العمود، عندئذ قرر قائد الكتيبة الرائد بادي عواد أن يقوم بهجوم معاكس فسارت ثلاث دبابات في المقدمة وسار الجنود خلفها، وأمام نار الدبابات تراجع العدو عن جبل الزيتون، ولكنه قصف المنطقة بالقنابل ما ادى الى اعطاب دبابتين منها، وسقط 12 شهيدا من الجيش الاردني، واحتل العدو موقع رأس العمود، الامر الذي أتاح له احكام الطوق حول مدينة القدس ما دفع قائد الكتيبة للتراجع، بحسب طريف.
ويقول: وأتخذ القرار بالاستمرار في الدفاع عن القدس، حيث عُين ضابطا لقيادة الفئات عند أبواب المدينة، ومع كل واحد منهم ما بين 40 – 100 جندي اردني، ونقل القائد، المدفعين الوحيدين الذين بقيا بعد القتال الى داخل الحرم، وأصبحا هما الاسناد المتبقي، واستمر قصف العدو لأبواب القدس تحت الاضواء الكاشفة، وفي الساعة 11 مساء تلقى قائد لواء طلال العقيد عطا علي رسالة من محافظ القدس أنور الخطيب، قال فيها: “سيسجل لك التاريخ ولجنودك الوقفة البطولية، لقد بذلتم من المستطاع، وأرجو أن تأتي النجدة حالا”.
ويواصل: وأستمر العدو في قصف أبواب المدينة وحاولت دباباته اختراق باب الاسباط، لكن الجنود المدافعين دمروا اثنتين منها، وارتفعت أصوات الجنود تهلل وتكبر، وعلت الزغاريد، والمعارك في اشدها، وفي صباح 7 حزيران وجراء استمرار القصف على المدينة بدا أن استمرار الدفاع عنها، بات مستحيلا، مشيراً الى أن لواء طلال قاتل قتالا شرسا في القدس، وخاض جنوده وضباطه معركة غير متكافئة، سواء من ناحية العدد أو السلاح، إضافة الى سيطرة العدو الجوية، وقد ضحّى جنود اللواء، وضباطه من أبناء الضفتين بأرواحهم فداء لفلسطين.
ويتناول طريف تلك الوقفات البطولية، فيوضح: سبعة من جنود الكتيبة الثانية اتخذوا من سطح دير اللاتين في القدس القديمة مركزاً لهم واخذوا يوجهون نيران بنادقهم نحو العدو، ويوقعون الاصابات في صفوفه، حتى صباح يوم 7 حزيران، ورفضوا الاستسلام على الرغم من النيران الموجهة صوبهم من جميع الجوانب، رغم الحاح كهنة الدير عليهم، ولم يستطع العدو أن يتغلب عليهم، الا بواسطة طائرة عمودية أخذت تقصف سطح الدير بالرشاشات، حتى استشهدوا، وعرف منهم الرقيب سليمان الهلالات من وادي موسى، والجنود يوسف مناور من وادي السير، وتوما سلامة الحجازين من السماكية، وعقله هلال من ماركا.
ويضيف حول سير المعارك: والتحمت الوية من الجيش العربي مع القوات الاسرائيلية غير لواء طلال في القدس، ومنها اللواء الهاشمي في رام الله واللطرون، حيث دارت معارك عنيفة مع العدو في مواقع عبد العزيز والرادار والقسطل والنبي صموئيل، ووقعت معركة تل الفول العنيفة مع قوات العدو شمال شرق شعفاط بالمدرعات، كما قاتل جنودنا ببسالة، ودارت أعنف المعارك في جنين ومثلث الشهداء، وقد وصف العدو القتال على هذا القاطع “بأنه عنيف جدا”.
ويستمر طريف في وصفه لقتال الجيش الأردني الباسل، فيقول: وكانت الدبابات الأردنية تشن هجوماً معاكساً كلما تقدمت قواتنا، وهي من أشد المعارك التي شنها جيش عربي في تلك الحرب، قد تقدم اللواء المدرع الأربعين على مثلث الشهداء وهاجم جنوبي جنين، وأستطاعت القوات الأردنية إيقاع خسائر فادحة بالدبابات والمجنزرات الإسرائيلية التي كانت تهاجم جنين من الجنوب الغربي، غير أن سيطرة العدو الجوية وقصفه المدفعي المستمر أثّر على حسم المعركة، فتراجعت القوات الاردنية الى الغرب من نابلس.
ويشير الى أن خسائر فادحة كانت قد لحقت بالأردن جراء تلك الحرب، ففضلا عن استيلاء العدو على الضفة الغربية، وما فيها من مقدسات اسلامية ومسيحية وموارد وطاقات، وعدا عن وقوع أهلنا تحت الاحتلال، فان القوات المسلحة الاردنية قد خسرت جميع طائراتها المقاتلة، و80 بالمائة من دباباتها ومدرعاتها، ودلت الاحصاءات على أن تضحيات الاردن كانت 696 شهيدا، و421 جريحا، و 530 أسيرا .
وينوه طريف الى أن الجندي الاردني أقدم على خوض القتال في عام 1967 بكل عزم وتصميم وبسالة، في حرب غير متكافئة، واجه بها قنابل “النابالم” الحارقة المحرقة، ورغم النيران المدفوعة بغطاء جوي اسرائيلي، قد حارب على جبهة مجمل طولها 350 كيلو مترا، من حلحول والخليل جنوبا إلى جنين وطوباس ودامية شمالا.
وفي سياق متصل، يتناول إشادة رئيس أركان القيادة العربية الموحدة عبد المنعم رياض بالقوات الأردنية، والذي قال: “قاتلت ببسالة منقطعة النظير وأدت القوات الأردنية واجبها بكل بسالة وشرف”.
بدوره، يستهل الباحث والمؤرخ الدكتور بكر خازر المجالي حديثه حول حرب حزيران 1967 والدور البطولي للجيش العربي المصطفوي فيقول: صحيح، كانت الحرب التي سميت بالنكسة، لكن تلتها الكرامة كلوحة انتصار، ونعيش الآن بعضاً من روح حزيران، ونحن نرى أطماع العدو في ارض الشيخ جراح التي افتداها جيشنا الباسل بدمه، فيما نلمس الدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني في الدفاع عن الحق العربي، واسناد الاشقاء الفلسطينيين ليحققوا نصرهم التاريخي في دولة مستقلة كاملة على ترابهم الفلسطيني الوطني.
وعن حرب حزيران، يروي: هي “الحرب التي ما اردناها “عبارة اوردها المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه في كتابه “حربنا مع اسرائيل” الذي صدر عام 1969 وتحدث عن مقدمات الحرب، وذلك التسارع غير المدروس باتجاه العمل العسكري الذي كان العرب حينها، لا يملكون ادنى مقومات الاستعداد لخوضها، ولا يملكون غير المعلومات المضللة، وعدم المعرفة بقدرات العدو، والتركيز على الاجراءات الشعبوية الجماهيرية والتحشيد غير العلمي، والبعد عن التخطيط العسكري، خاصة في مجال التنسيق العربي العسكري المشترك.
ويضيف: حين غادر جلالته، طيب الله ثراه، الى القاهرة يوم 30 أيار 1967 وأنضم للمؤتمر المصغر الذي ضم الرئيسين المصري جمال عبدالناصر والسوري نور الدين الاتاسي، كان الهدف هو توجيه رسالة للامة العربية بأن الاردن لا يقبل أن يكون خارج الخندق العربي، وأن القضية الفلسطينية هي في صلب الاهتمام الاردني، وأن الجيش العربي الاردني، هو جيش لكل العرب .
ويشير المجالي إلى أن رؤية الحسين، رحمه الله، كانت قد تمحورت وقتذاك، على أن الاستعداد لعمل عسكري يحتاج منا الى ستة اشهر على الاقل لتنسيق الجهود ووضع خطة محكمة، ومعالجة اختلاف قطع الغيار وعيارات المدافع والدبابات وتوحيد “الشيفرات” وترتيب تنقل القطعات بين جبهات القتال العربية، وتنسيق العمليات الجوية.
ويبين، أن الأردن خاص المعركة من منطلق واجبه القومي، وادراك جلالته، رحمه الله، لحقيقة الشعور العربي المتأجج والممتلئ حماسة، والمتيقن أن النصر على العدو مسألة ساعات فقط، وأن من يتخلى عن المعركة سيتلقى حساباً عسيراً، ولا سيما وأن الحالة الأردنية ذات خصوصية، فعلى الأرض الأردنية حوالي مليون لاجئ يتوقون لهذا اليوم، وينتظرون التحرير والعبور الى فلسطين، وكان الأردن وما زال في صلب الدفاع عن القضية الفلسطينة.
وعن سير حرب حزيران 1967يقول المجالي: بدأت فجر الخامس من حزيران، مع اعلانات وبيانات عسكرية عربية زادت العرب حماسة، اقلها البيان الذي يقول ” أن سلاح الجو المصري والدفاعات الجوية اسقطت اكثر من 75 بالمائة من طائرات العدو، وطلبت مصر من قائد الجبهة الأردنية حينذاك الفريق عبدالمنعم رياض فتح الجبهة الأردنية، فاشتعلت الحرب، وخاض الجيش الأردني المعركة. وينوه إلى أن الجيش العربي الأردني واجه العديد من الأمور المعقدة ومنها، سرعة بدء الحرب، ومفاجأة الأردن الذي لم يكن بعد قد أتم استعداداته، ورغم كل ذلك خاض المعركة بكل امكانياته، ونفّذ سلاح الجو الأردني طلعات هجومية في العمق الاسرائيلي، واستشهد الرائد الطيار فراس العجلوني حين عاد من غارة، وكان يستعد للاقلاع لغارة جديدة، ولكن معركة تل الذخيرة كانت اشرس معركة خاضها الجيش، وهي في الشيخ جراح، حيث خاضتها كتيبة الحسين الثانية، مقدمة الشهداء مجدداً.
ويستطرد المجالي حول تلك المعركة قائلا:”لم تكن معركة عادية باعتراف العدو، الذي عجز عن اقتحام المرتفع، وصمد الجيش الأردني وما تزحزح من موقعه، لكن احتلال العدو لمنطقة واسعة وفقدان عنصر الاتصالات، وغياب الاسناد الجوي ادى الى كشف قواتنا لتصبح لقمة سائغة لطائرات العدو. ويواصل: لقد أدار الجيش العربي المصطفوي معركة غير متكافئة، ولكن حساباته كانت في الشهادة والاستبسال، وعيونه ترنو الى القدس، فقدم الشهداء الذين هم في غالبيتهم من فئة الشباب الذي قاتلوا بكل شجاعة، مقابل العدو الذي تحققت له السيطرة الجوية، والتسلل الى كل شبكات الاتصالات العربية وتعطيلها.
ويوضح المجالي: أن معركة تل الذخيرة في حي الشيخ جراح دخلت التاريخ العسكري، وقدمت دروس التضحية والفداء والصمود والشجاعة لجيش لا يعرف أي معنى للهزيمة، ولكن الهزيمة حصلت لعوامل خارجة عن قوة وقدرة الجيش الأردني، وكانت خسائر العدو فادحة امام قواتنا، منوهاً إلى أن ” تركيز العدو على حي الشيخ جراح بسبب أنه بوابة القدس من الجهة الشمالية الغربية، وقد حاول العدو احتلالها خلال حرب فلسطين عام 1948″، بحسب تعبيره.
ويستذكر بطولة الجيش الاردني في تلك المعركة، مشيرا الى قادة السرايا الثلاث، وهم: الرائد سليمان السلايطة، والنقيب نبيه السحيمات، والرائد حمود ابو قاعود، حيث نسجوا راية الصمود في موقع الشيخ جراح العربي، الذي اختاره العدو ليكون متحفا لقصة حرب حزيران، إذ ادركوا ان اقسى معركة خاضوها كانت مع الجيش الاردني في “تل الذخيرة”، لافتا الى أنه ورغم “استبسال جنودنا، الا أن ظروف الحرب ادت الى الهزيمة”.
“وكانت الحرب التي اصبحت وجعا في نفس كل جندي أردني، واحتقنت الصدور حتى كانت معركة الكرامة الاردنية في 21 آذار 1968، إذ صنع الجيش الاردني ذلك النصر الساحق الذي اسقط القناع عن عدو لا يقهر، وثأر لحرب حزيران ونسف آثارها وأعاد الثقة والكرامة للعرب، فكانت الكرامة بنصرها الأردني، هدية لكل العرب ولا زالت الشاهد على بطولة الجيش العربي الأردني وقيادته الهاشمية المظفرة”، يختم المؤرخ المجالي.
بدوره يقول النائب السابق هايل ودعان الدعجة، إن حرب حزيران تمثل انعطافة هامة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، ونقطة تحول، ما تزال تداعياتها مستمرة حتى يومنا هذا، حيث خاضها الاردن من منطلق الواجب القومي والعروبي، وهو الذي لا يتخلى عن دوره في نصرة القضايا العربية، رغم الاخفاق العربي في توحيد الجهود، ووضع الخطط العسكرية، فضلا عن الارتجال وغياب التنسيق بين الجيوش العربية، حينذاك.
ومع ذلك، يتابع، فقد دخل الاردن الحرب بكل بسالة وشجاعة وبطولة، موقعاً خسائر فادحة في صفوف العدو الاسرائيلي الذي رمى بكل ثقله على الجبهة الأردنية التي تحملت عبء المعركة باعتراف قيادات عربية وعسكرية اسرائيلية بالمواقف البطولية التي سطرها الجيش الأردني على أرض المعركة.
ويشير الدعجة إلى أن الأردن كان يدرك المخططات والأطماع الاسرائيلية في الضفة الغربية والقدس، والرغبة لدى الكيان الاسرائيلي لتوسيع نطاق عمقه الاستراتيجي ومجاله الجغرافي، وأن المعركة واقعة لا محالة، حيث تكرست القناعة لدى المغفور له جلالة الملك الحسين، طيب الله ثراه، بضرورة تحالف الدول العربية وطي صفحة الخلافات بينها، لافتاً إلى أن موقف الأردن من الحرب، جاء متماهياً مع رسالته العروبية بضرورة توحيد الجهود العربية وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك لمواجهة المخاطر والتهديدات التي تستهدف المنظومة العربية، اضافة إلى عدم تأخره عن خوض أي معركة تشن من أجل فلسطين.
ويبين أن الأردن استمر في تقديم واجبه لنصرة فلسطين، ليس على الصعيد العسكري فحسب، وانما على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، وذلك من منطلق التأكيد على المواقف والثوابت الأردنية، في اشارة الى تعامل الأردن مع هذا الملف ضمن أقصى طاقاته وامكاناته.
وفي سياق متصل، يشير الدعجة الى حرص جلالة الملك عبد الله الثاني على وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في التعامل مع القضية الفلسطينية بشكل عام والقدس الشريف بشكل خاص، انطلاقاً من الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية، والدور الأردني الديني والتاريخي في الحفاظ على الوضع القائم، والحيلولة دون تهويد القدس وتغيير هويتها وطابعها ومعالمها العربية والاسلامية والتاريخية.
ويؤكد، أن القضية الفلسطينية كانت وستبقى القضية العربية المركزية الأولى، وأن السلام العادل والدائم، الذي يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق هو خيار استراتيجي أردني فلسطيني عربي، والأردن سيستمر في العمل مع الاشقاء والاصدقاء في المجتمع الدولي على تحقيقه وفق الاسس التي تضمن عدالته وديمومته وقبول الشعوب به