الاستثمار الرقمي في الأردن: طريق نحو المستقبل الاقتصادي
الدكتور عامر عبد الرؤوف السعايده
شهدت السنوات الأخيرة تغيرات جوهرية في القطاع الاستثماري على المستوى العالمي، ولم يكن الأردن بمنأى عن هذه التحولات. فمع تطور التكنولوجيا وانتشار الحلول الرقمية، أصبح الاستثمار الرقمي جزءًا لا يتجزأ من المشهد الاقتصادي المحلي. وعلى الرغم من أن نمو هذا القطاع في الأردن لم يحقق جميع التوقعات المرجوة، إلا أن الوعي بأهميته آخذ في الازدياد، مدفوعًا بتغيّر سلوكيات المستثمرين واعتمادهم المتزايد على الوسائل الرقمية في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية.
تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 30-35% من عمليات البحث عن المنتجات الاستثمارية في الأردن تتم الآن عبر القنوات الرقمية، متجاوزة الطرق التقليدية مثل المشورة من العائلة والأصدقاء. هذا التحول الملحوظ يعكس رغبة المستثمرين في الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة للوصول إلى المعلومات والخدمات بسهولة وسرعة. ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، إلا أن هناك تحديات تتطلب مواجهة فعّالة لتعزيز مكانة الأردن في هذا القطاع الواعد.
انتشار التكنولوجيا في الأردن كان له دور كبير في دعم الاستثمار الرقمي. فبفضل زيادة استخدام الإنترنت والهواتف الذكية، أصبحت المملكة واحدة من الدول الأكثر اتصالًا رقميًا في المنطقة. هذا الانتشار خلق بيئة مهيأة لظهور منصات رقمية تقدم خدمات استثمارية مبتكرة تلبي احتياجات شرائح متنوعة من المستثمرين. بالإضافة إلى ذلك، شهد قطاع التكنولوجيا المالية (FinTech) نموًا ملحوظًا في الأردن، مع بروز شركات ناشئة تقدم حلولًا متطورة مثل التداول عبر الإنترنت والمحافظ الرقمية، مما أسهم في تطوير منظومة الاستثمار الرقمي.
وعلى صعيد السياسات والتشريعات، ساهمت الجهات الحكومية الأردنية، بالتعاون مع البنك المركزي، في تعزيز الاستثمار الرقمي من خلال إصدار تشريعات محفزة مثل تشريعات ناظمة للدفع الإلكتروني. هذه الخطوات التنظيمية ساعدت في بناء الثقة بين المستثمرين وشجعت الشركات على تبني تقنيات جديدة لتحسين الخدمات الرقمية.
ورغم ذلك، يواجه الاستثمار الرقمي في الأردن تحديات بارزة يجب معالجتها لضمان تحقيق النمو المستدام. أحد أبرز هذه التحديات هو نقص الثقة لدى بعض المستثمرين، حيث يشعر الكثيرون بالقلق حيال المخاطر الأمنية والاحتيال الرقمي. كما أنّ ضعف البنية التحتية الرقمية في بعض المناطق الريفية يحد من انتشار هذه الخدمات، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف تطوير المنصات الرقمية التي قد تعوق الشركات الصغيرة عن المنافسة، مضاف على ذلك ارتفاع الرسوم والضرائب المترتبة على التجارة الالكترونية.
ورغم هذه التحديات، فإن الفرص المتاحة للاستثمار الرقمي في الأردن واسعة وواعدة. فالاستثمار الرقمي يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في تعزيز الشمول المالي، خاصة في المناطق النائية التي تفتقر إلى الخدمات البنكية التقليدية. كما يمكن أن يسهم في دعم المشروعات الخضراء التي تواكب التوجهات العالمية نحو الاستدامة. علاوة على ذلك، يمكن للأردن الاستفادة من موقعه الجغرافي الاستراتيجي ليصبح مركزًا إقليميًا للخدمات الرقمية.
النظرة المستقبلية للاستثمار الرقمي في الأردن تحمل الكثير من التفاؤل. فمع استمرار تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، يمكن تحسين كفاءة وفعالية الحلول الرقمية بشكل كبير. تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب تكثيف الجهود لنشر الوعي بأهمية الاستثمار الرقمي، سيضع الأردن في موقع متقدم على خريطة الاقتصاد الرقمي العالمي.