الحسم لا يعني الغلو، كما أن التريث لا يعني التردد، وبين هذين الحدين، وقفت الدولة الأردنية دومًا بثبات، واضعةً القانون في خدمة الاستقرار، والسياسة في خدمة الوطن، وحين يكون الأمن الوطني في الميزان، لا تتردد الدولة في اتخاذ القرار الصائب، دون انفعال، ودون مجاملة، مستندة إلى عقلانية راسخة وتجربة طويلة في التعامل مع الأزمات.
الإعلان عن إحباط مخطط إرهابي نوعي داخل المملكة، وتورط عناصر على صلة بجماعة الإخوان المسلمين المنحلة غير المرخصة، أعاد إلى الواجهة نقاشًا مستمرًا لكنه مؤجل: هل يُمكن أن تذهب الدولة نحو حل حزب جبهة العمل الإسلامي؟ وإن حدث ذلك، هل يعني ذلك حل مجلس النواب العشرين؟
في مثل هذا المفصل، لا بد من التذكير أن الدولة الأردنية والنظام الأردني لم يكونا يومًا أسرى لردود الفعل، بل إن صبرها، وتدرجها في اتخاذ المواقف، كان دومًا مصدر قوة وليس ضعفًا، وفي هذا السياق، قد تكون السمة الأبرز في التعامل مع هذه القضية هي اعتماد نهج التدرج القانوني، بدءًا بإمكانية إعلان حظر الجماعة غير المرخصة وفقًا لأحكام القانون، كخطوة تمهيدية قبل اتخاذ قرارات أكثر حساسية، وبما ينسجم مع المصلحة الوطنية وحكم القانون، وبالتالي فإن الدولة الأردنية حين تتحرك، تفعل ذلك من موقع سيادي مدعوم بقوة القانون، لا من موقف انفعالي يُرضي الشارع مؤقتًا.
القانون واضح في هذه الحالة، وبما يتعلق بحل الحزب فقد أوضح قانون الأحزاب السياسية رقم (7) لسنة 2022 من خلال المادة (36) أنه يتم حل الحزب بقرار من المحكمة تبعاً لقرار الإدانة بارتكاب أي من الجرائم التالية: أ- التحريض على قيام مظاهرات ذات طابع مسلح. ب- تشكيل تنظيمات أو مجموعات تهدف إلى تقويض نظام الحكم أو المساس بالدستور. ج المساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر بدعم التنظيمات التكفيرية أو الإرهابية أو الترويج لها، وفي حال تم حل الحزب فقد بين قانون الانتخاب رقم (4) لسنة 2022 وتحديدًا في المادة (58 – ب – 1) والتي نصت على أنه ” إذا تم حل الحزب وفقًا لأحكام قانون الأحزاب السياسية باستثناء الحل الناتج عن الاندماج تُعتبر مقاعد ذلك الحزب في مجلس النواب شاغرة ويتم ملؤها من القوائم التي تجاوزت نسبةً الحسم”
بالتالي، فإن حل الحزب – إن ثبت تورطه وفق أحكام القانون – لا يعني أبدًا حل البرلمان، بل يعني إعادة توزيع مقاعد القائمة الوطنية على الأحزاب التي اجتازت نسبة الحسم في آخر اقتراع، مع احتفاظ نواب الحزب الفائزين على القوائم المحلية بمقاعدهم لأن المقاعد المخصصة للدوائر المحلية لم تخصص للحزب ذاته، وهنا فأن القانون لا يفسح المجال للمبالغات، ولا يخلط بين المسارات، وبالسياق ذاته اليوم لا يمكن التأكيد على الخيارات التي ستمضي بها الدولة الأردنية على الرغم بأن الكثير من السيناريوهات بتنا نسمعها هنا وهناك، ولكنني لم استشعر أن خيار حل مجلس النواب قد تم طرحه رسمياً حتى الآن، والقرار الدستوري يعود لجلالة الملك فقط.
وفي هذا السياق، فإن حزب جبهة العمل الإسلامي مدعو الآن لموقف وطني لا يقبل التأويل أو المواربة، إذ لا بد من إعلان قاطع يرفض أي فكر أو فعل يمس أمن الدولة، ويؤكد الانتماء للأردن قيادةً وشعبًا ومؤسسات ودستورًا، دون مواربة لغوية أو استرضاء لامتدادات إقليمية أو أيديولوجية، وذلك كله حتى تكون الأمور واضحة ومكشوفة أمام المواطن الأردني، وأن لا يتم خلط الأوراق.
الأردن اليوم لا يواجه مجرد تهديد أمني، بل يواجه اختبارًا حقيقيًا لمدى جدية الأطراف السياسية في الاندماج في مشروع الدولة الحديثة، التي تقيم الأحزاب على أسس المواطنة لا الاصطفاف، وعلى وضوح المرجعية لا تعدد الولاءات.
الدولة لن تتراجع عن مسار التحديث، ولن تُغلق الباب أمام من يلتزم بقواعده، لكنها أيضًا لن تتردد في تطبيق القانون بحق من يهدد بنيانها الداخلي، أو يسعى لاختراق مشروعها الوطني.
وفي خضم هذه التحولات، لا بد أن نكرر: البرلمان لا يُحل بالخوف والدولة لا تُحكم بالشبهة، بل تُبنى على القانون، وتُحترم بقدر ما يُحترم فيها الدستور، ويُحتكم إلى مؤسساتها.