انجاز-عبدالفتاح الشلبي
يأتي قرار منظمة الأمم المتحدة بإعلان عام 2025، السنة الدولية للتعاونيات، وللمرة الثانية بعد عام 2012، للتأكيد على أهمية التعاونيات في مسيرة الحياة، وقدرتها على إحداث الفرق في الإنسانية جمعاء عبر إنتشال المهمشين والفقراء في مجتمعاتهم من واقعٍ مريرٍ يتسمُ بشظف العيش إلى رحابٍ وافرٍ بالخير، ورغد العيش.
أعتقد جازماً بأن هذه المبادرة الأُممية التي تحملً في طياتها رسالةً للعالم برمته، حكوماتٍ وشعوبٍ، بتعاظُمِ الدور التنموي للتعاونيات على مختلف الأصعدةِ، تهدف إلى تعزيز الوعي حول مساهمة التعاونيات في تحقيق التنمية المستدامة، وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات أينما وُجدت، ولجعل شعارها واقعاً ملموساً (التعاونيات تبني عالم أفضل).
وإنطلاقاً من إيماننا بالدور المحوري للتعاونيات في تعزيز الإنتاجية، وتحسين المستوى المعيشي، وتوفير فرص العمل، وبلورة ممارساتٍ مستدامةٍ من قِبلِها كـ”حوكمة الإدارة والإجراءات المتبعة”، فإننا نرى فيها إمكانات الريادة واتساع دائرة إنتشارها في المجتمعات حتى يكون القطاع التعاوني الأردني كما أرادهُ جلالة الملك عبدالله الثاني حاضنةً للريادة والابتكار، ورديفاً للقطاعين العام والخاص في التنمية المحلية والاقتصادية والاجتماعية، وتطوير البنية التحتية، وتحقيق الرفاه للشعوب.
ونظراً للتحديات التي يواجهها القطاع الزراعي في ظل ما نشهده من تداعياتٍ لظاهرة التغير المناخي على مختلف مقومات الحياة على المستويين المحلي والعالمي، ولما يعانيه الأردن من شحٍ في المياه، يقابلهُ إرتفاعُ في كلف الإنتاج، فإننا نرى في التعاونيات الزراعية وسيلةً لتوحيد جهود العاملين في هذا القطاع المُتنامي صعوداً في إسهاماته ضمن الناتج المحلي الإجمالي، والتي قدرت بـ (6%) لعام 2024؛ وذلك لمواجهة تلك الظروف وتخفيض الكلف المرتفعة، وتحسين جودة المنتج، وتمكين المزارعين من الوصول إلى الأسواق المحلية والعالمية بقوةٍ وتنافسيةٍ أكبر، بالإضافة إلى إمكانية تسخير التعاونيات للتكنولوجيا الزراعية الحديثة لخدمة القطاع بالشكل الذي يعزز من كفاءة الإنتاج ويرفع من جودة المنتج الزراعي.
والتزاماً بترجمة التوجيهات الملكية السامية بأهمية القطاع الزراعي في تعزيز منظومة الأمن الغذائي، عملت الحكومات المتعاقبة، وفقاً لخططٍ وبرامجٍ تنفيذيةٍ قادت إلى زيادة مساهمة القطاع الزراعي في مجمل الاقتصاد الوطني بنسبة (23.5%)، إلى جانب الاهتمام بالتعاونيات الزراعية لدورها في تحقيق التنمية الريفية والاقتصادية؛ والتي يُنظر إليها باعتبارها نموذجاً تنموياً يتسمُ بروح التعاون والتضامن والتكافل بين المزارعين، ويمنحهُمُ القوة والقدرة التفاوضية لتسويق منتجاتهم وتخفيض الكُلف المترتبة عليهم من خلال تجميع كافة الموارد والطاقات، والإستخدام الأمثل لها، إضافةً إلى إستخدام التكنولوجيا الزراعية الحديثة.
لأجل ذلك كُلهِ، أخذت المؤسسة التعاونية الأردنية على عاتقها دور النهوض بالقطاع التعاوني، وتطوير التعاونيات في شتى المجالات؛ ومن أجل تلك الغاية أعدت استراتيجيةً وطنيةً للحركة التعاونية الأردنية بالشراكة مع منظمة العمل الدولية (ILO)، والتي أفضت إلى ضرورة تعديل التشريعات التعاونية (قانون التعاون، نظام الاتحادات التعاونية، ونظام الجمعيات التعاونية) حيث أقر مجلس الوزراء مؤخراً مشروع قانون التعاون لسنة 2025، ليصار بعد ذلك إلى مُرورهِ بالمسار التشريعي المُحدد لإقراره بصورته النهائية، إضافة إلى إعداد نظام صندوق التنمية التعاوني الذي يُعتبر نافذةً مصرفيةً وتمويليةً لدعم التعاونيات، ونظام معهد التنمية التعاوني لبناء وتعزيز قدرات أعضاء الحركة التعاونية الأردنية.
كما وتوسعنا في توطيد العلاقات الثنائية مع مختلف الجهاتٍ محلياً، ومع الهيئات والمنظمات، الإقليمية والدولية، أثمرت في نهاية المطاف عن إستضافة المؤسسة بالتعاون مع وزارة الزراعة للمؤتمر الوزاري التعاوني الحادي عشر لدول آسيا والمحيط الهادي وشمال أفريقيا في منطقة البحر الميت أواخر نيسان العام 2024، وبمشاركة (32) دولة، وعدة منظمات دولية، والذي تم خلاله إطلاق “إعلان الأردن” لتطوير العمل التعاوني على المستوى الدولي.
ولقناعتنا الراسخة في الأدوار المناطة بالتعاونيات على صعيد التنمية المستدامة الشاملة، يُمكن لنا الإشارة في عُجالة إلى أبرزها ضمن نقاطٍ محددةٍ:
1- تُساهم التعاونيات بشكل حيوي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) الـ (17) ، والمُقرة من الأمم المتحدة. والتي من أهمها القضاء على الفقر والبطالة، وتوفير العمل اللائق، وتعزيز المساواة بين الجنسين، ودعم الابتكار والاستهلاك المستدام.
2- التمكين للأعضاء من خلال تعزيز التعاونيات لمبدأ المشاركة، والديمقراطية في تحمل المسؤولية وإنتخاب لجان الإدارة والرقابة بحيث أصبحت التعاونيات في العديد من البلدان مدارساً وإنطلاقاً للديمقراطية والعمل الجماعي.
3- تعمل التعاونيات على تقليص الفروقات الاقتصادية والإجتماعية بين أفراد المجتمع، مما يُعزز العدالة الاجتماعية، ويُقلل من تركيز الثروة لدى فئةٍ محدودةٍ.
4- توفر التعاونيات فرص عمل لائقة سواء مستدامة أو موسمية، لا سيما في المناطق الريفية والطرفية.
5- تُعزز التعاونيات القيم الإنسانية والتماسك الإجتماعي والمسؤولية الذاتية لدى الأعضاء.
6- تمتلك التعاونيات القدرة على التأقلم وتجاوز الأزمات، كما كان أثناء جائحة كورونا (كوفيد 19)، لما تتمتع به من المرونة في مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
7- تُساهم التعاونيات في صقل المهارات وبناء القدرات من خلال التدريب المستمر والتعلم.
8- تعزيز الشراكة بين التعاونيات تجسيداً لإحدى مبادئ التعاون العالمية (التعاون بين التعاونيات) من جهة، وكذلك تعزيز الشراكات بين الحكومات والتعاونيات من جهة أخرى.
تؤمن المؤسسة التعاونية الأردنية بأن التعاونيات ليست مجرد هياكل اقتصادية واجتماعية، بل تعُدُّها حاضنةً للريادة وللإبداع والابتكار، وإحدى روافع العمل والبناء لمواجهة التحديات الاقتصداية والاجتماعية، وبالتالي ننظر إلى أنها خياراً استراتيجياً لتأطير الجهود الجماعية وتعزيز القدرة التنافسية.
خلاصة الأمر، إن السنة الدولية للتعاونيات 2025 تمثل فرصةً لتعزيز دور التعاونيات في بناء مجتمعات أكثر عدالةً واستدامةً، ودعم الجهود العالمية لتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز حضور التعاونيات في دول العالم بقوةٍ وفاعلية أكثر.
ختاماً، لا يسعني إلا أن أُعرب عن مدى تقديري لمنظمة الأمم المتحدة على اعتماد هذا العام، السنة الدولية للتعاونيات 2025، والتي سعت من خلال ذلك التأكيد على دورها التنموي المستدام، ولأجل هذا كُلهِ دعونا نعمل مجتمعين لتُساهم التعاونيات في بناء عالمٍ أفضلٍ للجميع.
شكراً لكم.
عبدالفتاح محمد الشلبي
مدير عام المؤسسة التعاونية الأردنية