“التفكير الزائد: عندما تصبح عقولنا سجناً بلا جدران”
بقلم: دكتورة ناديا محمد نصير
هل سبق وجلست مع نفسك تحاول فقط أن “تفكر قليلاً”، فوجدت أن الأفكار تكرّرت، وتوسّعت، ثم تحوّلت إلى عاصفة داخل رأسك؟
هل تمنّيت أن هناك زرًّا لإيقاف عقلك عن “الاشتغال المستمر”؟
أنت لست وحدك.
التفكير الزائد، أو ما يُعرف نفسيًا بـ”Overthinking”، هو واحد من أكثر الأنماط النفسية انتشارًا اليوم، خاصة في عالم مليء بالخيارات، والضغوط، والقلق من المستقبل. لكنه رغم شيوعه، ليس أمرًا بسيطًا. بل هو نمط تفكير يستنزف الطاقة، ويُسبّب التردد، ويضع الشخص في حلقة مفرغة من القلق دون خطوات فعلية.
ما هو التفكير الزائد؟ هو عندما يتحوّل التفكير من أداة للفهم واتخاذ القرار، إلى عادة قهرية تستنزف العقل.
يشمل إعادة تحليل المواقف البسيطة آلاف المرات، أو توقّع الأسوأ في كل سيناريو ممكن، أو محاسبة الذات على كل كلمة أو فعل تمّ في الماضي، كما لو أن الشخص يعيش حياته على وضع “إعادة التشغيل”.
لماذا نقع في فخّه؟
لأن العقل البشري يظن أنه بالتفكير الزائد يسيطر على الأمور.
لكنه في الحقيقة يهرب من مشاعر الخوف، أو الندم، أو انعدام السيطرة.
التفكير الزائد يبدو وكأنه إنتاج عقلي… لكنه في الواقع “تجميد عاطفي”.
آثاره الخفية
القلق المزمن والتعب الذهني، ضعف النوم والتركيز، صعوبة في اتخاذ القرارات، تهرّب من الحاضر، والعيش في الماضي أو المستقبل، زيادة المشاعر السلبية مثل الندم واللوم والخوف.
كيف نخرج من هذا الفخ؟
1. اكتب بدل أن تفكر: أخرج الأفكار من رأسك إلى الورق، سترى أنها أقل تعقيدًا مما بدت.
2. اسأل: هل هذا التفكير مفيد؟ إذا لم يُنتج قرارًا أو خطوة عملية… أوقفه فورًا.
3. استخدم تقنية التوقيت: امنح نفسك 10 دقائق فقط للتفكير، ثم تحرّك لفعل آخر.
4. درّب نفسك على الحاضر: التأمل، المشي الواعي، والانشغال بأعمال ملموسة تُعيدك لجسمك لا لعقلك فقط.
5. اقبل عدم اليقين: ليست كل الأسئلة بحاجة إلى إجابات الآن… وبعض الإجابات لن تأتي أبدًا، وهذا طبيعي.
ختاماً
التفكير الزائد ليس دليلًا على الذكاء أو العمق كما يظنه البعض، بل هو مرآة لقلق خفي، وحاجة نفسية للسيطرة.
حين نتعلّم أن نثق بأنفسنا، ونعيش اللحظة كما هي، لا كما نتخيلها أو نخاف منها… يصبح العقل مساعدًا لا سجّانًا.
حرّر نفسك من سجن الأفكار المتكررة، وامنح ذاتك فرصة للعيش، لا فقط للتفكير بالحياة.