كتب: محمد حسن التل لاحظت منذ فترة موجة دفاع ناعمة عن الحكومة تدفع لبقائها في الدوار الرابع من خلال بعض الكتابات ، وهذا يأتي في وقت الاستحقاق الدستوري لإجراء الانتخابات النيابية ، الذي قطع جلالة الملك بإجرائها هذا العام ، المدافعون عن حكومة الرزاز يستندون إلى أنه لابد من بقائها لوجود عدة ملفات على طاولتها لم تنته منها ، وهذا الرأي مردود على أصحابه ، فملفات الحكومة هي أولا وأخيرا ملفات الدولة وأي حكومة جديدة ملزمة للتعامل معها ، والحكومة القائمة الآن ليست حكومة عباقرة انقطع مثيلها لبقائها في الدوار الرابع ، حيث عايشنا حكومات كثيرة وقوية تم إعفاؤها وهي في أوج اشتباكها مع الملفات الوطنية ، وسلمت الأمر لحكومة جديدة ، المصفقون لهذه الحكومة والدافعون لبقائها يستندون أيضا إلى أنها امتازت بعدم افتعال الأزمات ، وتناسوا أنها واجهت أزمات ككل الحكومات السابقة التي تعاملت مع هذه الأزمات قدر المستطاع ،
ومن أبرز الأزمات التي واجهت هذه الحكومة أزمة المعلمين في العام الماضي حيث تعاملت مع هذه الأزمة برخاوة واضحة مما أطال عمر المشكلة ، ثم استجابت لمطالب نقابة المعلمين بعد أن ضاع على الطلاب أكثر من شهر من عمر الفصل الأول ، ثم أن حكومة الرزاز مضت بقانون الضريبة الذي يصفه معظم الاقتصاديون بأنه أقصى من قانون حكومة الملقي المخلوعة في الشارع ، ناهيك عن عشرات التعيينات التي يفاجأ بها الشعب الأردني باستمرار منذ أن تسلمت هذه الحكومة زمام الأمر ، امتازت هذه الحكومة أنها تكاد تخلو من الخبرات السياسية رغم الرقم القياسي الذي ضربه رئيسها في التعديلات الوزارية، وكانت آخر أزمة واجهت الحكومة وصول وانتشار وباء كورونا في الأردن، والحقيقة أن نجاح الأردن في مواجهة هذه الأزمة يعود إلى جلالة الملك عبدالله الثاني إذ قاد المواجهة بنفسه ، وبمعيته الجيش العربي والأجهزة الأمنية اللذين ضربا أروع المثل في مواجهة الأزمات، مما انعكس على صورة الأردن في الداخل والخارج حيث برزت هذه الصورة للعالم بكل نقائها وصفائها، بالطبع لا أحد ينكر جهود الحكومة في هذه المواجهة ولكنها كانت في الصف الثاني بعد جهود الملك الجبارة ومعه كما قلنا الجيش والأجهزة الأمنية، وقد غاب أثناء الأزمة معظم الطاقم الوزاري إلا القليل منهم وهم وزراء الصحة والإعلام والداخلية والأوقاف، بل على العكس كان تدخل بعض الوزراء أحيانا يربك المشهد العام ويقلل من جهود الحكومة ويظهر أن الأداء مرتبك، وقد امتازت هذه الحكومة بأنها الوحيدة التي تجرأت على الخصم الموجع من رواتب الموظفين بحجة مواجهة الأزمة، أما عن الملف الخارجي فإن هذا الملف يحمله ويتعامل معه جلالة الملك بنفسه حيث يعود الفضل الأول والأخير لجلالته في إنجازات الأردن العظيمة في هذا الملف، ولو ترك الأمر للحكومة أو للحكومات جميعها لما رأينا هذه النتائج المبهرة، فصورة الأردن في الخارج رسمها جلالة الملك بكل دقة وإنجاز ونجاح، أما على المستوى الإعلامي فلم توفق الحكومة في هذا الجانب منذ تشكيلها حيث ارتكزت على ركايات إعلامية رخوة لتسويقها وتجاوزت مؤسسات الإعلام الوطني المؤسس الراكز بل زادت أن تركت هذه المؤسسات تغرق في أزمات مالية خانقة، وما زال الأمل معقود على رجل مثل الأستاذ أمجد العضايله وزير الإعلام الذي دخل الحكومة متأخرا لإنقاذ صورة الحكومة ومعها المؤسسات الإعلامية مما هي عليه.
أما قصة أن هذه الحكومة يجب أن تجري الانتخابات النيابية بحجة عدم تحميل البلد تشكي حكومة مؤقتة فإن هذا غير صحيح، حيث جرت العادة أن تأتي حكومة مؤقتة بكل سهولة استحقاقا للدستور حيث إن الانتخابات تقع ضمن ولاية الهيئة المستقلة للانتخابات حسب قانونها، وليس من المنطق أيضا تعطيل الانتخابات بحجة جائحة كورونا إذ إن كثير من دول الإقليم والعالم أجرت استفتاءات وانتخابات في ظل هذه الجائحة، لذلك يجب أن لا يتعطل الاستحقاق الدستوري خوفا من (التضحية) بحكومة الرزاز، إذ إن مخزون البلد مليئ بالشخصيات الوطنية الاقتصادية والسياسية التي تستطيع أن تقود الحكومة بكل اقتدار ضمن توجهات جلالة الملك والمصلحة الوطنية العليا ..
لا أحد ينكر أن الدكتور عمر الرزاز يتمتع بأخلاق رفيعة ونظافة يد مطلقة، ولكن هذا لا يعني أن يظل على كرسي الرئاسة طويلا، ويجب أن تمضي الاستحقاقات الدستورية في مسارها الطبيعي.