على ربوة من الأرض تربض الجامعة الامريكية في مادبا، تعانق تلال السعتر والدحنون، على الضفة الشرقية للطريق الملوكي في مادبا الذي يربط العاصمة الأردنية عمان بكرك التاريخ وألمجد.
وتشرف من ربوتها على عاصمة الفسيفساء الأولى عالميا مادبا واهلها أصحاب الجبهة البدوية السمراء المليئة عزا وكرامة. وهي بذلك تجمع بين مدنية الإنسان وأصالة المكان وتاريخ مليء بالعنفوان بمدلولهن الحضاري لا بالمعنى اللفظي للكلمة.
تبوأت هذه الجامعة الفتية مكانة عليّة بين الجامعات الأردنية الممتدة على امتداد سماءات الوطن ، بل فاقت الكثير من جامعاتنا الحكومية والخاصة ، تعليما وانضباطا، ومدنية وتكنولوجيا متطورة بين طلبتها ونوعية هيئتها التدريسية الرفيعة المستوى .
تشعر عندما تدخل بوابتها الرئيسة من ركنها الجنوبي، براحة النفس ، وهيبة المكان، حين تستقبلك ساحاتها الشامخة وباحتها الرحبة وأحواضها النظيفة الخضرة، متميزة بتكييف لكافة قاعاتها ، تدفع عن روادها حرارّة القيظ ، وقر الشتاء ، وتضفي على الجالس بين أروقتها راحة النفس ، ونشوة البحث . وإذا ما يممنا شطرنا صوب ساحاتها التي تعج بطلبتها من شتى المنابت والأصول . تشعر أنك بموطن علم يضفي عليه هدوء الطلبة هيبة ووقارا يليقان بسمعة ومكانة المكان وخليط لا تجده في أي جامعة ومن لغات أجنبية يتحاكى بها طلبتها في جلساتهم فلا تسمع لطلبتها في باحاتها ما يثير الصخب أو ما يخل بالأدب بل تسمع فنا هنا وشعرا هناك ورسما تشكيليا في الرواق وكأنك تتمشى في أحد شوارع ميلانو الايطالية ، كما لا تجد لرواسب العشائرية والإقليمية السلبية بينهم متكأ ، كما ديدن بعض الطلبة في غيرها، تلك الرواسب التي لا تليق بسلوك وسمعة طالب جامعي يرتاد منبرا من منابر المعرفة .
وهي بذلك تجسد معنى الفكر المدني و السلوك الحضاري لفلسفة التعليم الجامعي، ناهيك عن مدى رقي ورفعة شأن مدرسيها الأكفياء الذين يتنوعون بين بدوي أسمر كيس وحضري فطن وأجنبي كفؤ وليس هذا من باب الدعاية للجامعة ، ولكن من باب الثناء على هذه الانجازات في وقت قصير ، وذلك من خلال ما كنت أشاهده وألمسه أثناء ارتيادي للجامعة.
لمثل هكذا مكان ولمثل هكذا ادارة وانضباط ولمثل هكذا تطور ولمثل هكذا مدرسين نقف مكتوفي الايدي فلا نملك غير التصفيق.