في المؤتمر الصحفي لوزارة الثقافة حول إعلان الفائزين في المسابقة الأدبية “كلّ مر سيمر”- يوميات أديب في زمن الكورونا- كان الفائز الأكبر هو وزير الثقافة الدكتور باسم الطويسي؛ لأنّ هذا الوزير كان شعلةً مستنيرة من النشاط والحركة الدائمة منذ بدايات الجائحة، وحتى ما قبل أزمة كورونا، كان الدكتور الطويسي في لقاءاته المثقفين والفنانين والهيئات الثقافية في المحافظات وفي نقاشه الجاد لضيوفه في الوزارة وفي إطلاقه إبداعات مديري الوزارة واهتمامه بالقيمة المضافة في كلّ نشاط،.. كان يبشّر بتغيّر حقيقي في ذهنية الموظف والمتعاطي مع الوزارة على حدٍّ سواء؛ يدعم ذلك كلّه أنّه كان دائم التفكير بزيادة مقدرات الوزارة المحدودة والاستفادة من كلّ الآفاق المتاحة لدعم نشاط أو مهرجان أو فعالية يمكن أن تفيد في رسالة التنوير التي تتخذ من الأدب والفكر والفن والمعرفة وسيلةً لترسيخ القناعة الوطنية على مستوى المؤسسات والمجتمع بجدوى الثقافة وتعزيز دور المبدع الذي يسهم إسهاماً كبيراً في خدمة وطنه ضمن مجاله الثقافي والفكري، وهنا فإنّ اللقاءات الأولية للفنانين والمثقفين في بداية عمل الدكتور الطويسي وزيراً للثقافة بعد مهامّه السابقة عميداً لمعهد الإعلام الأردني ورئيساً لمجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون، فضلاً عن إسهاماته الكبيرة في بحوث مركز الدراسات الاستراتيجية… ومؤلفاته الذكية والموضوعية في الشأن الثقافي والفكري،.. كانت لقاءاتٍ مثمرةً عن فهم من النخب الثقافية لمدى هذه الجديّة والطموح المتزايد و(المُكاشف) بصعوبة الظرف و(إمكانية) التفكير بحلول عملية وناجعة.
نقاشات ثرية
وحتى يكون التنظير الفكري مشفوعاً بالتطبيق العملي، فقد كانت فرحة الفنانين على سبيل المثال كبيرة في تطوير الفعل الموسيقي- وهو جزء من كُلٍّ فنيٍّ واسع منه الدراما وصندوق إنتاج الدراما و…- باستحداث وحدة موسيقية أو مديرية بحسب المتاح، وتطوير قدرات الموظفين في هذه الأقسام والمديريات لكي يصبحوا جزءاً من المشروع الفني مثلاً؛ فالموظف في عرف الدكتور الطويسي يمكنه أن يندمج كثيراً ويشعر بالمتعة وهو يتلقى الدورات التدريبية للانخراط غير المحايد في هذا المجال، لأن الفنان والأديب والمبدع وكلّ الجمهور المتعاطي مع الوزارة وبرامجها ومشاريعها إنّما هو جمهور يحب أن يشاركه الموظف رؤيته ويساعده في حلّ معضلاته وتسديد رؤيته في هذا الحقل أو ذاك، ومن هنا فقد كانت العناية بمسألة اكتساب الخبرة الفنية في موضوع الموسيقى تنمّ عن ذكاء ورؤية عملية تبتعد عن الكلام المُعدّ سلفاً للاستهلاك الإنشائي والذي يفرّق أكثر مما يجمع،.. وتنسحب هذه الرؤية الفنيّة على كلّ الرؤى الأخرى في لجان تطوير المهرجانات التي تمرّ اليوم بامتحان ليس سهلاً نجح الدكتور الطويسي في تناول بدائل تنفيذها بحيث نطبّق القاعدة المعروفة(لا ضرر ولا ضرار) فتكون إن استمرت تبعات الجائحة لا سمح الله، منقولةً إلى الجمهور في بيوتهم وبين أهليهم حيّةً من المعالم التي اعتدنا الازدحام فيها بمتعة الحضور الطبيعي الذي يمكن أن يكون حضوراً ذهنياً وتخيّلياً فيه نسبة عالية من الاستمتاع بالفعاليات والمغاني الوجدانية والوطنية والمسارح التي نحن اليوم على أبواب مسرح الطفل والكبار والشباب ومسارح الهيئات الثقافية والجمعيات العاملة، ومثل ذلك المهرجانات الشبيهة في عدد من الحقول الأخرى على مدار العام.
قبل “كورونا” وبعدها لم يكن “دليل التكيّف الاجتماعي” في بداية “كورونا” مجرّد فكرة ويتوقف عندها وزير الثقافة الدكتور الطويسي، بكل أبعاد هذا الدليل النفسية وقد جاء في وقت مُرّ وغير معتاد من الحظر المنزلي الماحق والصعب؛ إذ كان هذا الدليل بتوجيهاته السلوكية والتي تدعو إلى التصالح مع الذات ومقاومة الفيروس بالمحبة والتعاون والتكافل والإحساس الوطني والقراءة وتكريس العمل الإبداعي…خطوةً أولى نحو مسابقة الأطفال والشباب “موهبتي من بيتي” التي حفزت هذه الفئة من أبنائنا وشبابنا على البوح والفرح بالإنجاز الأدبي والفني في الشعر والفيلم التوثيقي الإبداعي والقصّة والرسم والتشكيل والموسيقى وفي كلّ مفردات هذه الجائزة التي استنهضت همّة الأهل لإفساح المجال لفلذات أكبادهم وهم يفوزون وعلى مدار خمسة أسابيع بجوائز أعطتهم شغفاً بالمشروع الثقافي الأدبي والفني الذي ستظلّ أولى مفرداته مطبوعةً في ذهن الطفل بعد أن ينضمّ إلى صفوف المبدعين في مواجهتهم الحياة مستقبلاً بالفكر والإبداع والوسيلة الثقافية،..لنكون أمام تفكير مستمر وأجندة ثقافية مريحة وعملية في تنفيذها، في خضمّ ظرف قاسٍ، تقنع الحكومة والمجتع بجدوى العمل الثقافي، من خلال منصة (الكتبا) وتحميل الإصدارات وإتاحتها على منصّات إلكترونية، ومن خلال تدريب أبنائنا وجمهورنا الشغوف بالفنون الحضارية كالموسيقى والفنون الأدائيّة في منصّات تجاوزت الأزمة ووصلت إلى كلّ بيت في مركز تدريب الفنون التابع لوزارة الثقافة،.. والأمثلة كثيرة على تلك المفردات التي لبّت ظرفاً صعباً وما تزال تجري في مخططها الذكي الذي حقق هدفه النبيل،..لتكون جائزة الكبار من المبدعين “كلّ مرّ سيمرّ”- والمستوحى اسمها من لوحة كان قدّمها أحد الخطاطين لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز- فعلاً ذكياً جداً في أن يتناول المبدع الأردني الجائحة من وجهة نظره الإبداعية وبأسلوب ليس عاديّاً، فيكتب آماله ومحددات الفرص النفسية والآفاق الذهنية التي تركتها الجائحة والتي بدت تتحوّل إلى أيقونة مضيئة من العمل الإبداعي كمحطّة أحالها المبدعون إلى فرصة ذكيّة للبوح الأدبي في تطلعاتهم ونظرتهم للذات والحياة والكون والإنسان والنضال مع الذات نحو الفرح ومعالجة جوانب الحياة بالكتابة؛ وعلى صعوبة أن يقال لأديب وثّق مرحلة كورونا؛ فقد استطاع كتّابنا أن يجعلوا من الجائحة أرشيفاً من الثراء في فنيّة العمل الأدبي المنتمي إلى مدارس وتقنيات متنوعة تعود بالثراء على المخزون الرائع والمتدفق من تناولات متعددة لأزمة واحدة، وهو ما رأيناه يتخلل الشعور الأخوي للدكتور الطويسي أمام هذا التوثيق لظروف استثنائيّة بأعمال استثنائيّة عالية القيمة الإبداعية وهو يعلن عن فوز الجميع بعيداً عن ترتيب المراكز الثلاثة الأولى؛ في الجائزة التي تعاونت وزارة الثقافة فيها مع مؤسسة ولي العهد وأثمرت عن كلّ هذا (الكمّ النوعي) مما كان يشعر به المثقف الأردني ويتناوله في صمته قبل أن يفرّغ ذلك كلّه إحساساً وتعبيراً إنسانيّاً ووطنياً على أجندته في الكتابة أو أرشيفه الإبداعي.
مزيد من الحلول في وزراة الثقافة اليوم.. وبعد كلّ هذا الدأب، ما تزال مديريات الوزارة عاملةً في مشروعاتها وبرامجها وتفكّر بصوت جماعي في اجتماعات متّصلة مع الدكتور الطويسي لمزيد من الحلول الناجعة أمام هذا الظرف.
واللافت في أداء وزارة الثقافة أنّها تقوم بمشاريع وملفّات قويّة، خاصةً ما يتعلق بملفّ التربية الإعلامية والمعلوماتية، كملف يُعدّ ذراعاً قوياً وطنياً ومجتمعياً للحكومة في إحلال المعلومة بديلاً لظروف عدم التأكد من المصدر الإعلامي أو الانخراط البريء فيه أو.. وبالمقابل إحلال المعلومة الرقمية الصحيحة للمواكبة والتمكين من مواصلة الحياة بكل أبعادها في التطوّر وعدم الركون عند نقطة معيّنة تسبب تأخّرنا مجتمعاً ووزارات ذات علاقة بالمجال التكنولوجي في موضوع الإعلام الوطني،.. وعلى أيّة حال، فإنّ جانبي “الحماية” و”التمكين” اللذين تحدث عنهما الدكتور الطويسي في إعلانه خطة التربية الإعلامية والمعلوماتية هما جانبان مهمّان جداً لنجاح المجتمع وثقته بذاته ولتعزيز عمل وزارات التربية والتعليم والثقافة والشباب والتعليم العالي، فتكون مدارسنا وجامعاتنا ومدننا وقرانا وبوادينا شعلةً من التقدّم الرقمي من خلال مشاريع ونوادٍ وبرامج طيلة أربع سنوات قادمة تؤتي أكلها العلمي الصحيح، بعيداً عن كلّ هذا اللغط والاضطراب الحاصل اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي من اغتيال للشخصيات وتداول للمخطوء وتنفيذ أجندات لا يعلم كثيرون بأنها تقف وراء كثيرٍ من كلّ هذا الذي يصير.
دراسة منهجية إنّ اهتمام الدكتور الطويسي بدراسة منهجيّة ومؤشرات قادة الرأي العام والعينة المسحوبة من مجتمع الدراسة التي نفّذها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، هو اهتمام قائم على توفير أرضية من المؤشرات عن مشاركة المثقف في تطوير عمل وزارة الثقافة وتعاطيها مع جمهورها ومؤسساتها العاملة والهيئات الثقافية التابعة لها،.. ولذلك فإننا واثقون بنتيجة هذه الدراسة المحايدة والتي تمسّ في تأثيرها حتى مديريات عاملة في الوزارة في إمكانية دمجها أو استبدالها لتكرارها وتنفيذها مؤدّاها منذ فترة، وهو ما ينسحب على برامج ومشاريع، كمشروع المدن الثقافية الذي جال المحافظات جميعها ويواصل عمله اليوم باختيارات واثقة للألوية لتحمل مسمى مدينة الثقافة الأردنيّة، ومن ضمنها ألوية البادية ذات الأولوية الملحّة التي انتبه لها الدكتور الطويسي في تقديمها على الاختيار؛ نظراً لكونها جغرافية حسّاسة يجب أن تتوزع عليها وبرؤية ذكية مكتسبات التنمية الثقافية في إقامة مشاريع وبرامج وأنشطة تشيع الإبداع وفي الوقت ذاته تصنع حياة كاملة من الفكر الوطني الموجود أصلاً منذ تأسيس الدولة الأردنية في هذه المناطق والثغور التي احتضنت فكر الهاشميين ودافعت عن الكينونة الأردنيّة أمام كلّ الأخطار والتحديات التي تفوّق عليها الأردن وهو يحتفل بالذكرى المئوية لهذا التأسيس الوطني العروبي الذي يستمد عمله واستمراره من أفكار النهضة العربية الكبرى والتكامل العربي وتعزيز المكتسبات التاريخية والانطلاق الواثق منها نحو العمل والبناء والتصميم والفكر والإنجاز.
لن تعود وزارة الثقافة حياديّةً أبداً، ولن تنصرف الهمم الإدارية فيها إلى أعمال روتينية ترى نفسها على المجتمع؛ بل إنّ التوليفة الإدارية والعملية التي يقدّمها الدكتور باسم الطويسي الأكاديمي والباحث الاستراتيجي والمؤمن دائماً بخطّة عملية تستند إلى إطار نظري يتمخّض عن نقاش جماعي… هي توليفة تبشّرنا دائماً بحضور المجتمع في أعمال الوزارة، وعدم نسيان النخب أيضاً في احترام دور قادة الفكر والثقافة والإبداع ورسالة التنوير.