الزميل طاهات يكتب : حنين من الماضي المجيد
كتب الزميل : زهير الطاهات
طفولة امضيناها سوية نرضع من حليب القمح الاخضر وبين اغمار العدس والكرسنة نحتضنها ،ونضمها باتجاه القلب . ارضنا في الصريح كانها الحناء بوصلتنا وجوهرها عرق جبين الاباء والاجداد من حرثها توضأ الاباء والاجداد ومن عطرها تفوح رائحة الولاء والوفاء .
وامتزجت اصواتنا وكانها صوت واحد وصورنا انا واخي توأم روحي فتحي وجه واحد لخلقة ربانية واحدة لا احد يميزنا لا بالصور ولا بالاسماء .على بيادر الحصاد لعبنا ولهونا في طفولتنا وفوق ظهور الدواب جيئة وذهابا الى حقول القمح والحبوب في سهل حوران والكتاب براحتنا نقلبه و نقرأه حينا، وتسلبنا ازاهير حوران في احايين كثيرة ،،، لهونا فضحكنا ورتعنا وكنا نردد سوية في طرب اصيل اغاني تراثية من الحان الهيجنة بصوت ابي وهو يتغنى بالمنجل ليطرد الملل والزهق عنا ،،، وفجأة يعلو صوت والدتي ونحن في اوقات الحصاد وكانها سنفونيه في بوتقتها كل مبادى الوطنية والهوية العروبية ،،،،في كل الفصول في الحقول بسهل حوران ترعرعنا وتصفحنا اجندات الوطن في اراضينا المنتشرة في المسرب والعلكليك والشناة والتلاوية واليهودية وسلما …
نحن ابناء الفلاحين شربنا من الجون الذي تشكل من ندوبات الصخر في الهضاب والسهول بعد ان ارتوت القطة والحية الاليفة والحمام والعصافير البرية …
واذا تاخر موسم الشتاء ،تجدني وفتحي واشقائي الصغار نردد خلف صوت امي من الخشة الطينية التي تحتضن فرن الطابون بعد ان نجمع الحطب والجلة الجافة المصنوعة من روث الدواب ،،، ونحن ونرفع ايادينا الطفولية للسماء ونغني باصوات نخاطب البرق والرعد ونسأل الغيوم “ ربي الغيث يا ربي نسقي زرعنا الشرقي ،،،يا ربي نقطة نقطة تا نسقي اولاد القطة …باربي شوية شوية تا نسقي اولاد الحية)،
واذا جاء العيد نحمل انا واخي فتحي خبز “قراص العيد “والحلويات وناخذها مشيا الى فرن الحاج مفلح لتكون جاهزة …
طفولتي انا وفتحي عجيبة باحداثها ،، كنا ننام جميعا اطفالا لاننا جميعنا ذكور تحت لحاف واحد وفرشة واحد تحت نسائم نوار العدس نفترش الارض ونتلحف بالسماء ونتابع درب التبانة ونعد النجوم ونلاحق الغيوم في رحلتها كنا اصدقاء نحب بعضنا بعضا حبا اسطوريا ،،، وكبرنا وكبرت احلامنا .
ولا زالت مهجتي معلقة بها عندما سافر لاول مرة بحياته لدراسة الصيدلة في مصر لم تجف دموعي شوقا اليه ، ثم عاد ليلتحق في جهاز المخابرات العامة وكان انموذجا للنزاهة والشرف والكبرياء امضى خدمته جنديا امينا حارسا نبيلا على الحدود السورية الاردنية في الرمثا …
وجاء السرطان اللعين بشبح الموت ويخطف روحه من اجسادنا ،ولكني على قناعة لا تزول بانني فتحي لم يموت لانني اسكنته روحي ووجداني وما محمد وزيد الا من فلذات كبدي والبنات المؤنسات قطعة من فتحي اشتم رائحته الزكية من خلالهن
اليوم ليس ذكرى اولى بل انه يعيش كل لحظة معي فهو الغائب الحاضر في روحي ووجداني
اللهمَّ ارحم أخي فتحي الياسين “ ابو محمد “بعدد ما رُفعت الأيادي لدعائك، يا رب أسعده برائحة الجنة ونعيمها”. “اللهمَّ ارحم أخي فتحي ولا تُطفئ نور قبره”. “اللهمَّ إنّك تحبّ أخي فتحي وهو الآن بين يديك فارحمه واغفر له بقدر اشتياقنا إليه”. “
اللهمَّ عطّر قبر أخي فتحي برائحة الجنة، اللهمَّ ارحم أرواحاً رحلت واجعل الفردوس داراً ومقرّاً لهم”