كتب : فيصل الشبول
على مدى خمسة عشر شهراً لم تكن في أجواء غزة سوى طائرات الاحتلال والحقد الاسرائيلي تصب النار، تقتل كل أشكال الحياة والعمران .
دخلت أجواء غزة طائرات أخرى تحمل الغذاء والدواء، ملك هاشمي نبيل يقود الطائرة ويلقي باكسير الحياة للشعب الشقيق المحاصر المقهور، وقوافل برية تدخل من معبر واحد نحو غزة، اقل الواجب تجاه الأشقاء.
سلاح الجو الملكي الأردني، والهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، وبأمر ملكي، واختراق سياسي رغم رفض حكومة التطرف الإسرائيلي يتوليان اغاثة أكثر من مليوني شقيق على مدى نحو خمسمائة يوم، ومستشفيات ميدانية تساهم في الحؤول دون الانهيار الكامل للقطاع الصحي.
لم تكن ثمة منافذ أخرى للاسناد، فالقطاع محاصر والحقد الصهيوني في تصاعد وتصميم على مزيد من القتل والدمار.
في اليوم التالي للسابع من اكتوبر 2023، كانت الرواية الاسرائيلية المضللة وحيدة في فضاءات الغرب الذي حشد كل الدعم العسكري والسياسي لحكومة الاحتلال المتطرفة .
تقاطر زعماء الولايات المتحدة وأوروبا إلى تل ابيب، ووصل بعضهم إلى غلاف غزة.
اختلق نتنياهو رواية قطع رؤوس الأطفال، فرددها الرئيس الأميركي مرتين على الأقل، ومثله فعل مسؤولون في ادارته وبعض ساسة اليمين الأوروبي.
ردد الغرب رواية نتنياهو: هجوم السابع من اكتوبر وحق إسرائيل في الدفاع عن النفس.
قاد جلالة الملك عبد الله الثاني جهود الأردن الدبلوماسية في مواجهة طوفان الحقد الإسرائيلي والتضليل الغربي. قالها بكل صراحة إن الاحتلال هو السبب وهجوم السابع من اكتوبر، وما سبقه وما قد يلحقه، ليس سوى رد فعل على الاحتلال والبطش والعدوان على الشعب والأرض والمقدسات.
جاء وزير الخارجية الأميركي في أول رحلة بعد السابع من اكتوبر معبراً عن قناعة الولاية المتحدة بفكرة نتنياهو: ترحيل أهل غزة إلى سيناء إلى حين القضاء على حماس ثم اعادتهم مرة اخرى بعد الحرب .
واجهت الولايات المتحدة موقفاً ملكياً حازماً، بأن التهجير يعني تصفية القضية الفلسطينية، وان تهجير أهل غزة سيتبعه تهجير لأهل الضفة الغربية. اسرائيل تريد تهجيراً دائماً، لا مؤقتاً للفلسطينيين لتقول بعدها ان كل الارض لها ، فلم يعد فيها فلسطينيون .
استثمر جلالة الملك وزنه الدولي الرصين، فأغاث الغزيين وفضح نيات مجرم العصر نتنياهو في خنق الفلسطينيين وتجويعهم حتى الموت. وقاد جلالته الدبلوماسية الأردنية، ونجح في مقابلة حجج إسرائيل في عدوانها بحجج واقعية وأكثر مصداقية اقنع فيها العديد من قادة أوروبا، وحتى لدى قادة كبار في السلطة التشريعية الأميركية.
على مدى خمسة عشر شهراً كانت الدبلوماسية الأردنية في قمة عطائها، وكانت معركة الرأي العام التي كسبتها اسرائيل في البداية في غاية الأهمية.
جولات ملكية في المنطقة وحول العالم، جهود لا تتوقف للتأثير في عواصم القرار ، رغم عجز الأمم المتحدة وما اصطلح عليه بالمجتمع الدولي .
في معركة الرأي العام العالمي، الغربي على وجه التحديد لاقت مداخلات جلالة الملك وجلالة الملكة وسمو ولي العهد رواجاً حتى في الولايات المتحدة. براعة في الحديث وقوة في الحجة وأناقة في أسلوب ايصال الرسالة .
وزير الخارجية وشؤون المغتربين مثل الأردن خير تمثيل، وأظهر للعالم وجهاً مشرفاً ورصيناً ومثالاً للدبلوماسية العربية الراشدة .
لم يغمز أي مسؤول اردني طوال كل تلك المعاناة من قناة حماس، بل وكان ينصح بعض الأشقاء بعدم النيل منها. كان تركيز الأردن على السبب الأكبر فيما يجري وهو الاحتلال .
حتى إذا جاء قرار وقف اطلاق النار وظهر قادة من حماس يشكرون ولا يذكرون الأردن .
من قال ان الاردن كان ينتظر شكراً من احد . ومن قال ان اشياع حماس سيقدرون جهد المملكة يوماً؟
دفعنا ثمناً باهظاً، نفسيا ً واقتصاديا ً وما نزال وسنبقى الى جانب الاشقاء حتى نيل حقوقهم .
أهل غزة أدرى. أهل غزة يستحقون، ولن يكون الأردن الا إلى جانبهم