كتب : د. موفق العجلوني
طالعتنا صحيفة الاتحاد الاماراتية يوم أمس بمقال لسعادة السفير عمر البيطـــــــــار سفير دولة الامارات العربية المتحدة الاسبق في الصين بعنوان:
مدرسة زايـد الاخلاقية … في العلاقات الدولية.
يآتي هذا المقال بمناسبة إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، أن عام 2018، سيحمل شعار “عام زايد ‘ وذلك بمناسبة مرور مئة عام على ميــــــــلاد سموه، وبالتزامن أيضاً مع ذكرى يوم تولي الشيخ زايد مقاليد الحكم في أبو ظبي والذي يصادف في السادس من أغسطس/آب الذكرى ال 51 لتولي المغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه، حكم أبو ظبي بداية بذور الخير التي عمت الامارات والعالم اجمع وكانت نقطة التحول في تاريخ دولة الإمارات العربيـــــــة المتحدة.
هذا و قد جذب انتباهي ما ورد في هذا المقال الهام و الذي يعتبر درساً في العلاقات الدولية و السياسات الخارجية للدول ، لما انطوى عليه من سرد حقيقي لشخصية عالمية شهد لها الداني و القاصي ، حيث اتسمت سياسة الشيخ زياد رحمه الله بصفات يندر ان يتحلى بها قادة الدول ، امتزجت القيادة الحكيمة للشيخ زايد رحمة الله خلال الخمسون عاماً من الحكم الرشيد و القيادة الحكيمة بالبعد الاخلاقي و البعد الانساني ، و الذي توارثه ابناء الشيخ زايد من بعده ، و اصبحت دولة الامارات مثالاً في الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و الحكم الرشيد المقترن بالخلق السامي للقيادة الحكيمة و التي استطاعت بسنوات قليلة في حكم الزمن ان تحول الصحراء الجرداء الى جنائن معلقة و بات شعب الامارات عائلة واحدة بفضل هذه القيادة تنعم بالأمن و الامان و الرخاء و رغد العيش ، ليس هذا فحسب بل عاملت كل مقيم و زائر و عامل و ضيف و مستثمر كواحد من اهل الامارات حيث تحتضن دولة الامارات اكثر من ٢٠٠ جنسية من مختلف الدول و الاجناس والديانات و الاعراق .
ويضيف سعادة السفير البيطار في مقاله ان سمو الشيخ زايد رحمه الله كان حريصاً على بناء الإنسان، وأن القيادة الحكيمة سارت على نهجه في تسخير خيرات البلاد في تلبية احتياجات الوطن والمواطن من سكن وتعليم وصحة، ليصبح مواطنو دولة الامارات مفخرة العرب. وأسس الشيخ زايد رحمه الله دولة يفتخر بها المواطن والمقيم بين الأمم، وأصبحت نبراساً للسلام والعمل المشترك سواء في المجال التعليمي أو الاقتصادي، ومد يد العون والمساعدة في العمل الانساني في كافة انحاء العالم.
و بالرغم ان الدول بشكل عام تصنف حسب النظريات السياسة وتنطلق بعلاقاتها و سياساتها الخارجية حسب بما ينسجم مع تحقيق مصالحها ، الا ان دولة الامارات بفضل بذور الخير التي زرعها الشيخ زايد رحمه الله انتهجت سياسة و استراتيجية قوة الخير والأخلاق الحميدة والقيم الإنسانية وفق الدبلوماسية الذكية. من هذا المنطلق، فقد حققت دولة الإمارات العربية المتحدة نجاحاً غير مسبوق على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والثقافية، وتبوأت مكانة بارزة في المسرح الدولي، ونجحت في التعامل مع شتى دول العالم بغض النظر عن المدرسة أو النظرية التي تنتمي إليها هذه الدول.
لقد أرسى المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة وباني نهضتها قواعد وملامح السياسة الإماراتية الفريدة، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، الأمر الذي يدعونا للتوقف عند أسباب ومعطيات هذا النجاح المتميز، والتأمل في المدرسة والنظرية التي أرسى قواعدها الشيخ زايد، رحمه الله، في الساحة الدولية، وعلى صعيد علاقات الإمارات بمختلف دول العالم. وبالرغم من المرحلة العصيبة التي شهدتها الساحة الدولية والمتغيرات المتسارعة لمفردات العلاقات الدولية وأسس السياسة العالمية كنتيجة للأزمات والحروب المتتالية التي شهدها العالم منذ تأسيس الدولة وانضمامها إلى الأمم المتحدة قبل خمسة وأربعين عاماً، إلى جانب التحديات التي أفرزتها العولمة ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة والطفرة الرقمية والمعلوماتية التي نشهدها اليوم، إلا أن الإمارات ظلت تتقدم في علاقاتها الدولية بثقة وثبات إلى أن بلغت مراتب متقدمة.
وقد واصل ابناء الشيخ زايد جميعهم وعلى راسهم الشيخ خليفه والشيخ محمد بن زايد، الى جانب سمو الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم مسيرة زايد الطيبة ونهجه الأخلاقي القويم في علاقات الإمارات بدول العالم، معتمدين على الله بقوة الخير وثروة الأخلاق وسحر المحبة والاحترام. وبالتالي تبشرنا مدرسة زايد الأخلاقية بمزيد من النجاح والتقدم والتألق بل أصبحت هذه المدرسة نموذجاً تحتذي به العديد من دول العالم.
ومن هنا، يجد المتابع للسياسة الاماراتية التي انتهجها الشيخ زايد وأبناءه الشيوخ من بعده وتتعامل بها دولة الإمارات مع مختلف دول العالم تتسم بالمعايير الأخلاقية الراسخة والتي أثبتت جدواها في تطوير علاقات الإمارات بدول العالم، حيث إن قوامها الالتزام بالقيّم الإنسانية النبيلة والرحمة والتعامل بالأخلاق الحميدة، بما في ذلك الصدق والأمانة والعدل والإنصاف … وسمتها الانفتاح على كافة الثقافات والحضارات البشرية والتعايش والتسامح مع شعوب الأرض. وقد أكسبها كل ذلك احترام ومحبة الناس من مختلف الأعراق والأجناس، إلى جانب المصداقية لدى القيادات والحكومات الأخرى قولًا وعملًا، فحظيت الإمارات بمكانة دولية بارزة ومرموقة، وأصبح لها ثقل في المحافل الدولية ووجودها يلقى ترحاباً واستحساناً، كما أصبحت كلمتها مسموعة ويعتبر رأيها سديداً، وهكذا استطاعت الإمارات التعامل مع جميع الدول الأخرى بغض النظر عن الأسلوب أو النظرية التي تتبناها هذه الدول، دون أن تحيد الإمارات عن نهج زايد الأخلاقي.
وهكذا فقد أسست الإمارات لنفسها مدرسة زايد الأخلاقية في العلاقات الدولية، إيماناً من المؤسس، رحمه الله، بقول الله تعالى: «إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
أما على صعيد السياسة الخارجية الإماراتية، يلاحظ ان القيادة الاماراتية أدركت المميزات والمقومات التي تقوم عليها الدولة، بما في ذلك موقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية وإمكاناتها وثقافتها وتراثها الأصيل، فوضعت الخطط للنهوض بالدولة في الوقت ذاته الذي سعت فيه لبناء علاقاتها بدول العالم دون أن يكون لطموحها سقف أو حدود. وهكذا سعت الإمارات لتحقيق مصالحها الاستراتيجية من خلال علاقاتها بدول العالم على أسس أخلاقية راسخة، بما في ذلك ضمان أمنها واستقرارها، والمحافظة على سيادتها واستقلالها، وتأمين احتياجات شعبها وفق النهج الذي أرساه الشيخ زايد رحمه الله، ومن خلال الالتزام بمبادئ وميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، واحترام سيادة الدول واستقلالها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، إلى جانب بناء الصداقات الدولية والشراكات الاستراتيجية مع شتى دول العالم لتحقيق المصالح المشتركة.
ومن هذا المنطلق نرى أن الدبلوماسية الإماراتية والتي يقودها الان سمو الشيخ عبد الله بن زايد والذي وصل هذا اليوم بزيارة للأردن يلتقي خلالها بجلالة الملك عبد الله ابن الحسين حفظه الله ‘ تتميز بالحنكة والذكاء والمرونة وتتحلى بالانفتاح والمصداقية، وهي تعكس قيم الدولة الإنسانية والقائمة على التسامح والتعايش السلمي والسعي للتعاون الدولي في سبيل دفع عجلة التقدم إلى الأمام وتحقيق النمو والازدهار العالمي وتحقيق الكسب المشترك.
ومن الأمثلة الأخرى على نجاح مدرسة زايد الخير، وجود وزير للتعاون الدولي ووزير للتسامح ووزير للسعادة. إن المساعدات الإنسانية التي تقدمها الإمارات لشتى دول وشعوب العالم وإغاثة الملهوفين والمنكوبين والمتضررين لا حصر لها، وهي متأصلة في القيادة الإماراتية الرشيدة وشعبها الأصيل، وتنبع من حبهم لعمل الخير لوجه الله، وتعتبرها الإمارات واجباً إنسانياً لا منةً من أحد على آخر. فما أجمل مدرسة زايد الخير التي جعلت من دولة الإمارات منارة للخير، وعمقت حب الإماراتيين في قلوب شعوب العالم فأصبحوا يلقون ترحاباً في جميع أنحاء العالم.
ما تفضل به سعادة السفير عمر البيطار في مقالته حول اخلاقيات الشيخ زايد رحمه الله، تذكرت هذا التلاقي وهذا التجلي أيضاً في قيادة حكيمة اتسمت بنفس الصفات من خلق كريم ونظرة انسانية احبت الخير لشعبها وللعالم وناضلت من اجل اقامة السلام العاجل، تلك الشخصية والتي يذكرها الاردنيون والاماراتيون والعرب والمسلمين والعالم هي جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه.
وبالتالي نجد ان بذور الخير من قيادات الخير لعالم الخير زرعها هؤلاء القادة العظام الذين سطرهم التاريخ بحروف من ذهب. رحم الله سمو الشيخ زايد ورحم الله جلالة الملك الحسين وأنزلهما الله مع النبين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا.