الصحفي أسعد العزّوني جراءة في القول والفعل
قلم لا يجف دفاعا عن الحقيقة
كتب:حازم الخالدي
يشتد الصحفي أسعد العزّوني عوده مع سنوات العمر ، ويتدفق قلمه بخطوط الحزن والهم العربي الذي ما يزال يعيش بداخله، فلا يستطيع أن يبتعد عنه رغم ما يجري من محاولات في المنطقة لطي صفحات الماضي التي تعيدنا إلى الجذور التي لن تمحى من الذاكرة.
العزّوني يعيش تلك الحالة مذكرا بالحقوق التي لن تضيع مهما حصل ،مرتكزا على ثقافة واسعة وتجارب متعددة في العمل الصحفي ومغامرات لن تتوقف ، وعشق لن يهدأ إلى “صاحبة الجلالة”.
ذاكرة الطفولة تعيش بداخله ،منذ ولد في بلدة عزون/فلسطين في الفاتح من أيلول/ سبتمبر 1952، وشاهد بأم عينيه ولمّا يبلغ الأربع سنوات بعد ،هجوما إرهابيا صهيونيا استهدف معسكرا للجيش شمالي البلدة، وبدأ وعيه الثوري يتشكل منذ تلك اللحظة.
درس أسعد العزّوني في مدرسة عزون الثانوية للبنين من الصف الأول الابتدائي حتى التوجيهي-الفرع الأدبي، وتأثر بالعديد من المدرسين أمثال محمود دقّة وعبد الهادي باكير ويوسف نوفل رحمهم الله، وبحكم اعتبار البلدة من ضمن القرى الحدودية القريبة من الخط الأخضر الملاصق لمدينة قلقيلية، كان يسمع ويرى استعدادات العدو اليومية.
بعد تخرجه من الثانوية العامة ذهب إلى بغداد الرشيد، وتابع دراسته بالأدب الإنجليزي في الجامعة المستنصرية وتخرج منها عام 1977، لينتقل إلى الكويت ويعمل مدرسا فيها لخمس سنوات، ومن ثم يشارك متطوعا في الدفاع عن الأمة إبان الإجتياح الشاروني المرتب له مع أعداء الأمة للعاصمة اللبنانية بيروت في صيف العام 1982، ويعود إلى الكويت عام 1983 لينخرط رسميا في عالم الصحافة ، ويصبح مديرا للتحرير في مجلة الرسالة ،بعد الكتابة مطولا في مجلة الطليعة الكويتية اليسارية، ومن ثم أسهم بتأسيس مجلة “عرب” التي صدر العدد الأول منها في شهر يناير 1990وكان مديرا لتحريرها.
في شهر آب من عام 1992 ، يعود العزّوني إلى الأردن من الكويت شاهد عيان على أزمة الكويت والعراق المفتعلة منذ بدايتها حتى النهاية ،”وأرى أنها كانت توريطا لكل من العراق والكويت معا من قبل طرف إقليمي ثالث أراد الإنتقام من البلدين ، والإجهاض على العراق بعد توريطه في حرب مع إيران استمرت ثماني سنوات “،حسب ما يقول العزّوني .
ويتابع قمت بزيارات متعددة للعراق إبان تلك الحرب العبثية للتغطية الصحفية ،وزرنا منطقة الفاو، وتشرفنا كصحافة كويتية بعقد مؤتمر صحفي لنا مع الراحل صدام حسين.
يعود العزّوني إلى الوراء قليلا مذكرا بما شاهده خلال مسرحية حرب “الأيام الستّة” صيف العام 1967 ، وبعدها معركة الكرامة ربيع العام 1968 “حيث كنت أشاهد الطائرات تطير من فوقنا لضرب الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية في منطقة الكرامة ،وما زاد من قلقي أن أمي رحمها الله كانت في زيارة لإحدى شقيقاتي في الأردن”.
ويرى أن حرب تشرين عام 1973 ، أسهمت في إغناء مسيرته الصحفية ،” لأنني شاهدت بأم عيني قطعات الجيش العراقي البطل وهي تتوجه إلى سوريا للإسهام في صد العدوان على دمشق”، كما يقول لتضاف إلى تجاربه في اغناء مسيرته الصحفية، عندما شارك متطوعا في حرب بيروت عام 1982 ،إبّان اجتياح شارون للعاصمة اللبنانية ، وهي مفاصل تعطيه الفرصة لتقديمها عبر حقول الابداع المختلفة التي يمسك بها ولا يستطيع أن ينفذ منها ، ولا ينسى أيضا تأثير الحرب العراقية -الإيرانية.
هذه التجارب الغنية في حياته دفعته أيضا لنشر العديد من الكتب والدراسات السياسية والروايات ومجموعات القصص القصيرة ،وأهمها : مجموعة الأرض لنا، ورواية العقرب، ورواية الزواج المر، ورواية البحث عن زوج “رجل”، ورواية حجر الصوان، وزفرات متألمة –مجموعة قصصية قصيرة جدا، وأنفاق الهيكل والعداء اليهودي للمسيح والمسيحيين ومشاوير الزمن الناري- حوارات فكرية وتاريخية وسياسية ،والشرق الأوسط الكبير، وداعش: النشأة والتوظيف، وداعش: تنظيم أجهزة الدول،وخراسان ،ورواية كيلا ،وأوراق سرية ، والمأساة السورية ،والإنتفاضة الثورة ،وقنبلة الهزيمة.
حصل العزّوني على جائزة التميز من قبل سفارة الإتحاد الأوروبي في عمّان، وجرى تكريمه مرارا من قبل بعض المنتديات في الأردن والخارج ،لمشاركته الفعالة في العديد من المؤتمرات وخاصة في الخارج، وألقى العديد من المحاضرات في الشأن السياسي وشارك في ندوات كثيرة ،وظهر على العديد من الشاشات الأردنية والعربية متحدثا في الشأن السياسي .
العزّوني عضو في نقابة الصحفيين الأردنيين، وفي الإتحاد الدولي للصحفيين ، وفي رابطة الكتاب الأردنيين.
العزّوني الذي يتمسك بقيمه وجذوره ، منافح قوي للمطبعين أيا كانت درجاتهم وأوضاعهم ويقف بكل قوة ضد التطبيع ، وكان عضوا في لجنة مقاومة التطبيع النقابية ممثلا لرابطة الكتاب الأردنيين.
لديه ايمان بالله سبحانه وتعالى أن وضع في الأردن وفلسطين قوة لو تم استغلالها لتغير وجه التاريخ ، “كما أومن أن فلسطين والأردن كرّمهما الله جل في علاه بأن جعل فلسطين أرض الرباط ، فيما كان التكريم الكبير للأردن بأن جعله أرض الحشد التي ستقوم يوما ما بنجدة أرض الرباط، وهناك تكامل بينهما ،لأن نهر الأردن يجّمع ولا يفرّق وهما ضفتان لنهر واحد تضمان شعبا واحدا لا شعبين”.
-المحطات المهمة في مسيرته الصحفية
يقول العزّوني بدأت الكتابة في جريدة الوطن الكويتية ومجلة الطليعة الكويتية وصحف خليجية أخرى في صفحات القراء،وعام 1983 إنخرطت رسميا في العمل الصحفي وتدرجت من مندوب صحفي إلى مدير تحرير،وعندما عدت إلى الأردن عملت ستة أشهر في جريدة الأسواق ،ثم عملت في جريدة الشرق الأوسط السعودية ومجلة المجلة ومجلة الرجل ومجلة المسلمون ومجلة سيدتي ومجلة هي والإقتصادية ،ثم انتقلت عام 1997 للعمل في جريدة العرب اليوم لخمسة عشر عاما مندوبا صحفيا، أنجزت فيها كمّا هائلا من المقابلات الصحفية مع أهم الشخصات الأردنية والفلسطينية والعربية والإقليمية والعالمية،وسافرت إلى دول كثيرة منها بلجيكا وإيطاليا والمغرب وتركيا وسوريا ولبنان والصين واليابان وكازاخستان والسودان وكوريا الجنوبية وصربيا.
ويتابع حديثه ..عملت مراسلا لجريدة الراية القطرية منذ العام 2007 وحتى فترة كورونا ،وكتبت مئات المقالات في العديد من الصحف العربية، كما عملت مراسلا لمجلة الكفاح العربي البيروتية ، وأنشر حاليا في العديد من المواقع الاليكترونية الأردنية والعربية.
يتحدث العزّوني عن واقع الصحافة الأردنية والعربية، من خلال ما يحمله من شواهد ، أثرت على مسيرة الصحافة الاردنية، إذ تم اغلاق جريدة صوت الشعب وجريدة الأسواق، وبعدهما جريدة العرب اليوم، الأمر الذي أحدث هزة في الصحافة المستقلة، ويشير الى شكوى قدمها ضده مركز ضغط صهيوني في عام 2012 لنشره مقالا بعنوان “إسرائيل والسلام لا يتفقان”، وتم الاتفاق على فصلي من العمل بعد تجميدي لستة أشهر بحكم التقاعد، وبعد عام تم انهاء جريدة العرب اليوم وشطب أرشيفها بالكامل.
ويعتبر ان الواقع الآن لا يمنح اي مؤشرات ايجابية تجاه الصحافة الورقية اليومية التي تترنح بسبب سوء الإدارة وعدم مواكبة المهنة ،ولأن هذه الصحف جميعها إندرجت تحت خانة الإعلام الرسمي، كما فشلت تجربة الصحف الأسبوعية ،ونحن نعاني من تجربة المواقع الإلكترونية بسبب منح التراخيص لغير أصحاب المهنة ،” وأنا فشلت في الحصول على تصريح موقع إليكتروني” .
ويقول أن الصحافة العربية لا تختلف في واقعها ومصيرها عن الصحافة الأردنية بسبب التحكم الرسمي وسيادة النمط الجامد والتضييق على الصحفيين وفرض القيادات الصحفية على المهنة، وهذا هو السبب الرئيس في دمار الصحافة العربية بشكل عام.
الصحافة الالكترونية بالنسبة اليه أمر مستجد يتعامل معه ،”ولكنه أنسب للشباب أكثر منا نحن كبار السن،ومع ذلك فإن حضوري في هذا المجال ملحوظ لأنه أصبح مفتاحا لا بد من إمتلاكه،رغم عشقي للورق والكتابة عليه وقراءة محتوياته”، كما يقول.
يتجه في كتاباته الصحفية الى الطابع السياسي، إذ يعتبر نفسه مسيسا في العمق علما أنه لا ينتمي لأي حزب، ولأنهويعدّ نفسه أكبر من الجميع ،” وربما يقول البعض أن هذا غرور، فأرد عليه :أروني تجربة ناجحة لأي حزب سياسي أو ديني في الوطن العربي”.
يكتب العزّوني في الأدب وله العديد من الروايات والمجموعات القصصية،وهو باحث سياسي ،لا يتعصب لفكرة لأن كافة الأفكار قابلة للنقاش وفي النهاية نحكم عليها.
يتمتع العزّوني بجرأة زائدة عن الحد ، ” وهذا ما كان يوقعني في إشكالات إما مع الضيف أو المضيف،ومع ذلك كنت أقولها وأمشي، ولا أحسب حسابا لأحد، وهذا لا يعني أنني مسنود أو مدعوم بمظلة ما ، بل كنت مكشوفا للريح ،ولكن عنادي كان يعينني على تحدي الصعاب”.
من أصعب المواقف التي مر بها العزّوني خلال مسيرته الصحفية عندما وجه سؤالا لوزير خارجية أمريكا بعيد احتلال العراق وهو كولن باول ، وكان فحوى السؤال: ما هو تفسيرك لإزدواجية المواقف الأمريكية، فأنتم جيّشتم العالم لإحتلال العراق ، وتتوسلون الرئيس الكوري الشمالي لقبول مساعداتكم والجلوس معكم ،وتظهرون أنذالا أمام الإسرائيليين ، والقضية واحدة وهي السلاح النووي؟
ولم أكن أعلم أن المؤتمر الصحفي كان بثا حيا ومباشرا يشاهده الرئيس بوش والعالم وأحدث السؤال ضجة عالمية كبرى.
يشير متحدثا الى موقف محرج اخر سبب سوء الفهم إبان مسيرة لنقابة الصحفيين دعما للأقصى عام 2002 ،إنطلقت من أمام جريدة الدستور وانتهت أمام جريدة العرب اليوم،إذ أقدمت على وضع لا صق على أذناي وفمي ووضعت الكوفية الفلسطينية على كتفي ، وأبقيت عيناي مفتوحتين ،وكنت أعني أن المجتمع الدولي يرى الجرائم الصهيونية في فلسطين ، لكنه لا يسمع الصرخات الفلسطينية ولا يستطيع التحدث مع الصهاينة بشأنها،وقد تقدمت المسيرة وحدي منفردا ،الأمر الذي أثار حنق وغضب ممن شاركوا في المسيرة ومشوا في الصف الأول لزوم التصوير، وقد وجدت نفسي بين غابة مضيئة من الكاميرات ،التي تركت الصف الأول وبدأت بتصويري ، لتصبح صورتي الأسرع انتقالا والأكثر إنتشارا في العالم، وقد أبلغني نقيب الصحفيين السابق الأستاذ سليمان القضاة آنذاك أن العديد من النقابيين في العالم اتصلوا به مستفسرين عن الصورة التي ظنوها انها تعبير عن واقع الإعلام والحرية في الأردن، فقمت بتوضيح المقصود له ،وكان الحديث بمناسبة انتخابات النقابة آنذاك.