العنف المؤدي للموت يخترق أسوار المدارس وفاجعة وفاة معتز تقرع الخزان
مخترقا جدران منزل عائلة النصيرات وأسماعها، وصل صوت الإذاعة المدرسية بمدرسة أديب وهبة، تنعى الطالب معتز نصيرات الذي قضى بإصابة برأسه تلقاها من زميله في الصف.
ولسنوات مضت كان صوت الطابور الصباحي والإذاعة المدرسية يصل إلى عقر دار أسرة الطالب معتز، التي تتشارك مع المدرسة سورا واحدا، لكن هذه المرة استمعت العائلة لصوت الطلاب وهم يتلون الفاتحة على روح ابنهم الذي “قضى على يد زميل له” في الدراسة.
يروي نمر نصيرات والد الطالب المتوفى تفاصيل الحادثة، مؤكدا في البداية أن حديثه للإعلام إنما لرفع الوعي بواقع العنف الطلابي بالمدارس والتنبيه للفجوات لحماية أرواح وسلامة الطلبة الآخرين، فيقول “لم أكن يوما راضيا على مستوى الانضباط، لكنني رغم ذلك لم أتصور يوما أن يكون العنف داخل المدرسة سببا بوفاة ابني”.
ويضيف، “المدارس هي أكبر تجمع لأبنائنا ويفترض أن توفر لهم بيئة آمنة، لكن لأسف ليس هذا هو الحال، فالمدارس تفتقر لإجراءات السلامة العامة، ليس المرافق التي تعد بحد ذاتها عوامل خطورة على سلامتهم فحسب، وإنما كذلك ضعف التدخلات المتوفرة من إرشاد تربوي ونفسي وغياب كوادر الإسعاف الأولي المؤهلين”.
ويقول: “حصلت الحادثة في التاسع من الشهر الحالي، بينما كان ابني يدخل للغرفة الصفية بعد انتهاء الفرصة تحول مزاح بينه وبين زميله إلى مشادة انتهت بتوجيه لكمة مفاجئة من الطالب على وجه ابني الذي فقد على إثرها وعيه”.
ويستذكر نصيرات ما وصله من معلومات عن الحادثة بالقول “لم يكن المعلم بالغرفة الصفية أثناء الحادثة، كما لم تقدم له أي خدمات إسعاف أولية، احتاج الطلبة لعدة دقائق لتبليغ الإدارة، تلك الدقائق كانت كافية كي يتدهور وضع ابني الصحي، حتى بعد ذلك لم يتلق المرحوم أي إسعافات أولية لحين نقله لمستشفى الإسراء حيث تم تشخيص حالته بإصابته بارتجاج في الدماغ نتيجة الارتطام بجسم صلب إلى جانب بلع اللسان، والنتيجة أن ابني توفي في اليوم التالي”.
يشير نصيرات إلى إشكالية تعامل الإدارات المدرسية مع حالات العنف، مبينا أن الطالب الآخر “مسجل بحقه عدد من المخالفات المتعلقة بالإيذاء وتخريب الممتلكات العامة”، معتبرا أن إجراءات التعامل مع الطلبة المخالفين “تعتمد على ترحيل المشكلات من مدرسة إلى أخرى، بدلا من ايجاد حلول جذرية لتعديل السلوك”.
ويضيف نصيرات إلى ما سبق “غياب برامج تعديل السلوك والإرشاد.. عدم وجود معلم لحظة الحادثة وغياب خدمات الإسعاف، وجميعها تسببت فيما جرى”، معبرا عن الأسى لما حصل بقوله، “لم أكن يوما راضيا عن انضباط وسلوكيات الطلبة في المدرسة، لكن ليس امامي أي بديل.. المدارس الخاصة باهظة التكاليف. حاولت كذلك أن أنقل أحد أبنائي إلى مدرسة حكومية أخرى لكن لم أتمكن من ذلك بسبب عدم وجود متسع”.
“من الصعب إلقاء اللائمة على المعلم أو إدارة المدرسة وحدها، فواقع الحال يقول ليس هناك امكانيات كافية لتأهيل المعلمين أو توفير خدمات الإرشاد والإسعاف”، بحسب نصيرات الذي يسجل عتبه على وسائل الاعلام التي “نشرت أخبارا غير صحيحة عن الحادثة”.
ويوضح، “نشرت وسائل إعلام خبر وفاة ابني في وقت كان يتلقى العلاج بالمستشفى، انتشار الأخبار الخاطئة زاد من ألمنا حينها، حتى بعد وفاته نشرت وسائل إعلام أن سبب الوفاة كان بلع اللسان في حين أن تقرير الطب الشرعي الصادر من مستشفى الجامعة الأردنية قال إن سبب الوفاة ارتجاج بالدماغ ناجم عن ضربة”.
وفيما تؤكد معلومات حصلت عليها “الغد” ما ذهب إليه والد الطالب النصيرات، بأن الطالب المتسبب بالوفاة كان نقل سابقا من مدرسة أخرى نقلا تأديبيا بسبب مخالفات ارتكبها، فإن نجاعة اجراءات وزارة التربية والتعليم وتعليمات الانضباط الطلابي في الحد من السلوكيات العنيفة للطلبة في ظل ما تشهده المدارس من سلوكيات طلابية خطيرة تظل مسألة مثيرة للجدل بحسب خبراء.
أستاذ الإرشاد النفسي بالجامعة الهاشمية د.جلال ضمرة يقول، إن “إشكالية تعليمات الانضباط المدرسي تكمن في أنها تنص على عقوبات بحق الطلبة المخالفين لكنها لا تتضمن حلولا تربوية وإصلاحية لتعديل السلوك العنيف لدى الطلبة.. في حال عقوبة النقل التأديبي فإن ما يتم هو ترحيل المشكلة من مكان الى آخر فقط، دون ايجاد حل لها”.
ويتطرق ضمرة الى تشكيلة لجان الانضباط الطلابي حيث تتكون اللجنة من مدير المدرسة رئيسا، وعضوية معلمين ومربي الصف، في حين يبقى دور المرشد التربوي استشاريا فقط، مشددا على أهمية توسيع دور المرشد في هذه اللجان”.
ويرى أنه “في حالة الطالب المعتدي، وفي ظل وجود سوابق لدى الطالب كعدم الانضباط والمشاجرات كان من المفترض ان يتم وضع خطة من قبل المرشد لتأهيل الطالب وتعديل سلوكه بدلا من الاكتفاء بالنقل”.
ويقول “واقع الحال أن هناك نقصا شديدا بأعداد المرشدين، كما أن المعلم غير قادر على القيام بهذا الدور، وحتى عند وضع التدخلات تكون غير فاعلة”، موضحا ان “العنف المدرسي هو انعكاس لحالة مجتمعية، فإصلاح المنظومة التعليمية داخل المدرسة فقط دون امتداداتها سينتهي غالبا بالفشل”.
ويقترح ضمرة “أن تكون التدخلات الاصلاحية شاملة وتتعامل مع جذور المشكلة بموازاة تكثيف برامج الارشاد الجمعي للطلبة للحد من العنف”، موضحا أن “مواجهة العنف الطلابي، تتطلب تدخلات مبكرة لمنع تفاقم المشكلة، والتأكيد على أهمية دور المعلم المناوب، وإمداد المعلمين بالمهارات للتعامل مع أي حالة عدم الانضباط”.
وفيما يخص المعلم المرشد، يوضح ضمرة ان “فكرة المعلم المرشد مهمة لجهة تحديد المشكلة والوقاية منها، لكن المعلم في كل الاحوال غير قادر على وضع الخطط العلاجية وتعديل السلوك، لذلك يجب تكثيف وتعيين المزيد من المرشدين المؤهلين والقادرين”.
من جهتها تقر مديرة الارشاد والتوجيه التربوي بوزارة التربية د. سوزان عقرباوي “بوجود مشكلة انضباط طلابي في مدارس الذكور وهي بالمقارنة أكبر في حالة مدارس الإناث الامر الذي يتوجب بذل مزيد من الجهود لمعالجة التحدي”.
وتقول “هناك مجموعة من التحديات يتعلق جزء منها بالعنف الطلابي الجسدي واللفظي، والعنف بين الطلبة، العنف من طالب الى معلم ومن معلم الى طالب، يضاف لذلك تحديات عدم الالتزام بالدوام المدرسي وتخريب الممتلكات”، لافتة الى أن هذه “المخالفات تحكمها تعليمات الانضباط الطلابي، حيث تتناسب العقوبات بالتعليمات مع حجم الخطأ، كما تتغلظ العقوبات في حال تكررت المخالفة”.
وتتابع، “يجب ان يترافق تطبيق التعليمات مع وضع خطط تعديل سلوكي للطالب المخالف”، مبينة انه “في حال ارتكب الطالب مخالفة يتم نقله تأديبيا على اثرها لمدرسة أخرى، ويفترض بالمرشد التربوي في المدرسة الجديدة ان يتابع حالة الطالب ويضع له خطة علاج سلوكية”.
وفيما يخص قضية الطالب النصيرات، قالت العقرباوي “الطالب المعتدي كان نقل تأديبيا من مدرسته الى مدرسة أخرى أمضى بها عدة شهور، الى أن نقله ولي أمره الى مدرسة أديب وهبه”، مبينة أن “الطالب لم يخضع لخطة تعديل سلوك نتيجة لعدم معرفة ادارة المدرسة والمرشد بمسألة نقله التأديبي السابقة”.
وتضيف، “في كل الأحوال ليس هناك أي مبرر للحادثة المؤسفة والموجعة التي حصلت، نحن نعمل جاهدين لمكافحة العنف المدرسي، لكن يبقى العنف أمرا واقعا، وهناك تصرفات فردية تشكل تحديا حقيقيا”.
وتتابع “عدد المرشدين في المدارس يبلغ 2000 مرشد ولدينا خطة لزيادة عددهم لتغطية غالبية المدارس”، مبينة “بعض المدارس لا يوجد بها مرشدون يتم تكليف رئيس قسم الارشاد في مديرية التربية المعنية بمتابعة الحالات”.
وتشير كذلك الى مجالس البيئة المدرسية الآمنة التي اطلقتها الوزارة ضمن حملة “معا نحو بيئة مدرسية آمنة” التي يتم من خلالها تدريب بعض المعلمين على المهارات الارشادية وكيفية التعامل مع المشاكل السلوكية للطلبة والتي تنفذ مع منظمة (اليونيسيف)، مبينة أن “مهمة هذه المجالس متابعة العنف في المدرسة وإعداد خطط لمعالجة الظاهرة وتحديد أسبابه”.
وتشير العقرباوي كذلك الى التدابير الايجابية لبدائل العقاب التي يستخدمها المعلم عند حدوث المخالفة السلوكية واعتماد برامج الوساطة الطلابية حيث يتم تكليف طلبة ليكونوا وسطاء بين زملائهم للحد من تفاقم المشاكل بينهم.
ووفقا لدراسة العنف ضد الاطفال والصادرة في العام 2007 فإن نحو 41 % من الطلبة تعرضوا للعنف على يد زملائهم في المدرسة 18 % منهم تعرضوا للعنف الشديد، في وقت تغيب نحو 15 % من الطلبة عن المدرسة ليوم واحد على الأقل خوفا من تعرضهم للعنف الجسدي أو التنمر في المدرسة.
الغد